الحدث: مصطفى العاملي "السّرطان الداعشي" يتغلغل في الجسد اللبناني... و"الفيروسات" المذهبيّة تسرّع انتشاره
الأحداث الّتي حصلت في الثاني من الشهر الماضي في عرسال دليل أكيد على أنّ المجموعات الّتي قدِمت من سوريا، تستند إلى " أرض صديقة" تأمن جانبها وتوفّر لها الغطاء الّذي يمكّنها من الانطلاق في معركتها مع الجيش اللبناني، من دون أن يعني ذلك التشكيك بوطنية معظم أهالي عرسال الشرفاء الّذين كانوا في طليعة المشاركين في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ضدّ العدوّ الإسرائيلي، وهناك العديد من شهداء البلدة في صفوفها.
مصدر أمني كبير يؤكّد أنّ الوضع الّذي يعيشه البلد أخطر ممّا يتخيله الكثيرون. وأنّ قضية العسكريين المخطوفين تشكّل جانباً من المشكلة الّتي تتفرع عنها مشاكل. فردود الفعل الّتي حصلت مؤخراً في بعض المناطق البقاعية لجهة الخطف والخطف المضاد على الهوية، تُلقي الضوء على ما يُنتظر أن نواجهه في المستقبل القريب.
والطامة الكبرى أنّ لبنان يتعرض لمثل هذه التحديات في غياب شبه تام للدولة ومؤسساتها. وهذا الواقع يغري كل المتربّصين بلبنان والساعين إلى ربطه مباشرة بما يجري في سوريا واستطراداً العراق، وبالتالي لا شيء يمنع من أن يعمد الإرهابيون إلى تكرار ما فعلوا في عرسال أو غيرها لاقتطاع منطقة أو مناطق لهم. خصوصاً وأنّ عددهم بالآلاف، وليس في استطاعتهم البقاء في فصل الشتاء في جرود عرسال. والتوقعات تشير إلى اهتزازات واسعة، رغم كلّ ما يُقال عن حرص دولي وإقليمي، على إبقائه خارج دائرة الفوضى الأمنية الشاملة.
وانطلاقاً من هذه المعطيات، تستبعد المصادر السياسية الوصول إلى حل قريب لمسألة العسكريين المخطوفين، رغم الجهود الّتي تُبذل من قِبل الحكومة لهذه الغاية، ذلك أنّ الشروط الّتي يضعها الخاطفون وُصفت بأنّها تعجيزية وأنّ القبول بها من قِبل الحكومة تعني التفريط بالسيادة، رغماً أنّ قراراً من هذا النوع يحتاج إلى إجماع وطني غير متوفّر. فالموقوفون الّذين تطالب "داعش" و"النصرة" بالإفراج عنهم من سجن رومية خطيرون وإرهابيون وقد ارتكبوا جرائم بحق عسكريين ومدنيين. وبالتالي فإنّ أيّ مغامرة بإطلاق سراح أيّ منهم ستؤدي إلى مشكلة أكبر. أمّا الشرط الثاني الداعي إلى سحب "حزب اللّه" مقاتليه من سوريا، فهو حالياً خارج سياق البحث بالنسبة إلى المعنيين في هذا الأمر، وهذا الأمر مرتبط بقرار إقليمي من جهة، وبمسار تطورات الأزمة السورية من جهة ثانية. وتؤكد المصادر أنّ أكثر ما يمكن أن يُطلب من "حزب اللّه" حالياً، هو عدم الانجرار إلى معركة ضد الإرهابيين في عرسال أو غيرها من المناطق اللبنانية، وترك الأمر للجيش والقوى الأمنية الأخرى، لتجنيب البلاد فتنة مذهبية يعمل عليها هؤلاء المسلحين الّذين يستخدمون ورقة العسكريين المخطوفين وطريقة ذبحهم وسيلة لذلك.
على كلّ المعركة مفتوحة مع الإرهاب، وطالما الوضع الأمني في سوريا على ما هو عليه، فإنّ لبنان سيبقى يتحمّل التداعيات، ومن السذاجة التفكير بزوال خطره، من خلال الرهان على الضربات الجوية الّتي يمكن أن توجّهها الطائرات الأميركية إلى بعض مواقع "داعش" في العراق وسوريا. فالولايات المتحدة تسعى من خلال هذه الغارة العسكرية المباشرة مجدَّداً في المنطقة، العودة إلى حقول النفط والغاز وتصريف ما يمكن تصريفه من سلاح وبالأسعار الّتي تناسبها لملوك وأمراء ومشايخ الخليج الّذين يوافقون على طلبات " العم سام" صاغرين وإلّا تهتز عروشهم الكرتونية.
ولكنّ الأهم يبقى بالنسبة إلى الإرادة الأميركية إعادة إحياء مشروع الشرق الأوسط الجديد بما يضمن الأمن والاستقرار الدّائم لإسرائيل ولمصالحها في المنطقة. وطبعاً سوف يواكب هذه الغارات محاولة جديدة للعدوان على سوريا ونظامها، الأمر الّذي تنبّهت له روسيا مبكراً وحذّرت من أن أية مغامرة من هذا النوع تهدد الاستقرار في المنطقة والعالم. خصوصاً وأنّ العلاقات بين موسكو وواشنطن تشهد هذه الأيام توتراً كبيراً على خلفية التطورات في أوكرانيا، وما نتج عنها من عقوبات اقتصادية أميركية- غربية ضد روسيا.
في ظل هذه التحديات يزداد الوضع الداخلي تردّياً، وسط عجز مطلَق للطبقة السياسية الحاكمة، الّتي عجزت عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وما يزال هذا الملف مقفلاً ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى حصول حلحلة بهذا الشأن. في حين أنّ عملية التمديد الثاني للمجلس النيابي المعطّل قد أُنجِزت، ولم يكن ينقصها سوى مسرحية الترشح للانتخابات التي انتهت على 514 مرشحاً، وفق قانون الستين السيئ الذكر، وفي هذه الحال فإنّ خيارَي إجراء الانتخابات من عدمه أحدهما أسوأ من الآخَر والعكس صحيح، وإنّ لا خلاص للبنان من هذا المأزق إلّا بعقد تأسيس للبنان جديد يقوم على قاعدة المواطنية البعيدة عن كل أشكال التعصب والمذهبية. والخطوة الأولى في هذا المجال إقرار قانون انتخابات يقوم على النسبية وعلى قاعدة لبنان دائرة واحدة وخارج القيد الطائفي.