كلمة: موريس نهرا لبنان يتخبط بأزمة نظام وسلطة ومحيط مضطرب
إن التحالف الذي يقوده المايسترو الأميركي، ويستبعد منه بلدان أساسية معنية بخطر الإرهاب الداعشي أكثر من غيرها، وتدرك أخطاره محلياً وإقليمياً وعالمياً، مثل إيران وسوريا مثلاً، إضافة إلى روسيا والصين وغيرهما، يكشف أن ثمة أهدافاً أخرى لدى الإدارة الأميركية لا تقتصر على مكافحة الدواعش والإرهاب، بل تستغل دور الداعشيين الذين قامت باحتضانهم وتدريبهم وتأمين تمويلهم من أموال نفط الخليج، لتوظيف دورهم الإجرامي بغرض تحقيق أهداف أخرى ترتبط بالمخطط الأميركي الأصلي الرامي إلى إقامة شرق أوسط جديد على أنقاض ما هو قائم، لتبسط هيمنتها على المنطقة وثرواتها، وبما يخدم مصالح الدولة الصهيونية.. لذلك فما يجري وما يُعد لمنطقتنا من إشعال نزاعات وحروب محلية وبمشاركة إقليمية ودولية معينة، هو أمر شديد الخطورة على وضع المنطقة ومصالح شعوبها، وعلى الوضع اللبناني بالذات، الذي كانت دائماً عافيته واستقراره، وثيقة الارتباط بمحيطنا العربي..
ويزيد في خطورة هذا الوضع، كون الركيزة الداخلية التي تشكل العمود الفقري للبنان وطناً ودولة، هي في حالة زعزعة وتصدع. فالنظام السياسي الذي تقوم عليه هذه الركيزة، يزداد إهتراء، وتصاب سلطته بشلل متمادي. والدولة المبنية على أساسه تتسم بالضعف وبدء الانهيار. فها هو البرلمان الذي مدد ويمدد لنفسه ثانية، لا يجتمع، والطبقة السلطوية عاجزة حتى عن تفاهم الحد الأدنى الفعلي لمنع تمدد النار إلى لبنان، ولانتخاب رئيس للبلاد، علماً أن إيجاد رئيس ليس حلاً بذاته، لا في مواجهة خطر التطرف الديني والطائفي والمذهبي، ولا في معالجة المشكلات والملفات المتراكمة.
لقد وصل الاستمرار في الوضع القائم إلى مفاقمة الخطر على لبنان شعباً وكياناً، وعلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. ولم يعد الاستياء الشعبي العارم، وانعدام الثقة بالأطراف السلطوية كاف، فهذه الطبقة السلطوية ونظامها المحاصصي المذهبي والطائفي الذي يحمي مصالح الزعامات وطبقة الأثرياء العليا من رجال مال وشركات عقارية وأمثالهم، لم تتخل يوماً ولن تتخلى عن مواقعها ومصالحها، حتى لو شعرت بدرجة الخطورة التي أوصلت البلاد إليها. لذلك فقد بات التغيير ضرورة انقاذية وطنية وكيانية واجتماعية ملحة. ولا يتحقق بدون دور مباشر لقوى المجتمع المدني وجميع الحرصاء على مصالح الشعب والوطن، قوى سياسية وهيئات نقابية وثقافية ونسائية وشخصيات اجتماعية. والأساس في تحقيق هذا التغيير هو انخراط المواطنين في تحركات جماهيرية واسعة ومتعاظمة، من إضرابات واعتصامات إلى تظاهرات شعبية. كما أن مسؤولية المواطنين هي في محاسبة النواب والوزراء في الانتخابات النيابية، والضغط الشعبي لانتزاع إقرار قانون انتخاب على قاعدة النسبية والدائرة الوطنية خارج القيد الطائفي.. فبدون ذلك لا يتحقق التغيير ولو المتدرج، وتبقى أسباب الأزمات وتلاشي دور الدولة وخطر العصبيات والفتن الطائفية والإرهاب الداعشي قائمة.