مر الكلام: نديم علاء الدين حلقة جديدة من العدوان الأميركي
لقد سبق للرئيس الأميركي أوباما أن أعلن اثر الانسحاب من العراق ان الولايات المتحدة لن تعود إلى شن الحروب في المنطقة وانها بصدد نقل اهتماماتها باتجاه الشرق والمحيط الهادىء. فما سر الانعطافة الأميركية عن هذا التوجه والعودة المتجددة الى المنطقة، والاهتمام الكبير بها، سوى انها تستجيب لظروف مستجدة على الإدارة الأميركية وتتناسب مع أهداف استراتيجية باتت بحاجة اليها.
فما هي تلك الظروف التي سبقت وضع أوباما لاستراتيجيته ضد الإرهاب، واطلاقه الجبهة الدولية الإقليمية ضده:
على مستوى الداخل الأميركي: الجميع يتهم أوباما بالضعف والتقصير، حتى ان شعبيته وصلت الى أدنى مستوى لها، واللوبي الصهيوني يضغط لمنعه من عقد اتفاق مع إيران. وفوق ذلك جاء خفض الموازنة العسكرية من 700 الى 500 مليار وخفض عديد الجيش الى أقل مستوى له منذ العام 1940 ليشكل استياءً لدى المؤسسة العسكرية ما يدفع لخلق بؤر توتر تبريراً للإبقاء على ما هو قائم، ووقف السير بالاتفاق مع إيران.
على المستوى الدولي: تشكل العودة الروسية بثقلها النوعي الى المسرح الدولي والتحدي المتنامي الذي تمثله بدءاً من مجلس الأمن الى تتطور العلاقات مع مصر والعراق والجزائر والمغرب، الى العقود العسكرية الكبيرة من الشرق الأوسط الى المغرب العربي، الى بدايات الخروج من الفخ الأوكراني الذي أُريد منه تطويق روسيا ومحاصرتها، الى التحدي الكبير الذي بدأت تمثله دول البريكس على الصعيد الاقتصادي بقراراتها الأخيرة إنشاء مصرف للتنمية بـ 50 مليار دولار مع احتياطي 100 مليار دولار. يُراد له أن يحلّ مكان صندوق النقد الدولي أو ينافسه لاحقاً. وبدء التفكير في عملة بديلة للدولار الأميركي. فليس سهلاً أن يرى أوباما هذه الدول التي تمثل 40 في المئة من سكان العالم متجهة لتشكيل قوة عالمية بديلة ومهددة. لا بد إذاً من التذكير بقوة أميركا.
على مستوى المنطقة: تسير الأوضاع في سوريا بطريقة غير مريحة للولايات المتحدة ولحلفائها في المنطقة. الأسد يعود رئيساً للمرة الثالثة. والجيش يتقدم على الأرض وإن كان ببطء، في حين تغرق المعارضة في خلافاتها وانشقاقاتها وفسادها، وسط هيمنة "داعش" و"النصرة" على معظمها، الى نتائج الانتخابات العراقية وما أحدثته من غلبة واضحة لاتجاه التحالف مع إيران وسوريا. الى الخطر الذي باتت تمثله "داعش" في تمددها وتنامي قوتها على حلفاء أميركا في المنطقة من الأردن الى السعودية الى الأكراد.
من هنا وجدت الولايات المتحدة ان خسائرها الاستراتيجية تتلاحق في المنطقة، وبات خطر تشكل محور قوي ومتماسك ممتد من إيران الى ساحل المتوسط والمستند الى علاقات ودعم واضح من روسيا والصين هو خطر جدي وداهم لا يمكن اغفاله، فقررت العودة الى العراق أولاً، لإعادة وضع اليد عليه فتقطع تواصل هذا المحور، ومنه تنطلق للتدخل في سوريا لذلك لا يمكن الركون الى أن أميركا فيما أعلنت من استراتيجية أو تحاول حشده من قوى، تفعل ذلك من أجل محاربة الإرهاب الذي انتجته دوائر استخباراتها، ولا يمكن القبول بأن هذه الاستراتيجية هي فعلاً الطريق التي تمكن من القضاء على الإرهاب أو حتى تحجيمه، خصوصاً انها أعلنت حصراً ضد داعش بينما الإرهاب الذي يضرب في المنطقة من العراق الى لبنان مروراً بسوريا لا يقتصر على تنظيم (داعش) وحده، بل ينتظم تحت مسميات تفرق شكلياً بين فصائله، لكنها تتمائل في الفكر ومصادر التمويل وأساليب العمل.
من جهة أخرى تعلم أميركا ان القضاء على داعش لا يمكن ان يكون بعمل جوي فقط، فالنيران الجوية تسهل المهمة، لكن العمل الفعلي هو للقوات البرية، حيث هي التي تتقدم وتسيطر على الأرض.
من هنا يشكل الإرهاب بالنسبة للولايات المتحدة جسراً للعودة، جسراً تعبر عليه أميركا الى المنطقة عسكرياً لتحقيق أهدافها مجدداً، لذا كان بديهياً ان ترفض أميركا التعاون والتنسيق مع سوريا وإيران وكذلك مع روسيا والصين ليبقى حلفاً أميركياً صافياً في خططه وسقفه وأهدافه.
مرة أخرى تنصب الولايات المتحدة نفسها شرطي العالم، وتعود الى المنطقة بآلتها الحربية، لتضعنا أمام حلقة جديدة من حلقات العدوان. وعدتنا بأنه سيطول لأكثر من ثلاث سنوات.