قضية: رولا زهر العسكريون المخطوفون لدى داعش:لا خبر حتى إشعارٍ آخر والأمل خيار
أسر تنظيم داعش الإرهابي منذ سنة وخمسة أشهر 11 عسكريّاً أُعدم منهم على الفور خالد السيّد وعباس مدلج، أما التسعة الباقين فهم: محمد حسين يوسف، خالد مقبل حسن، محمود عمار، عبد الرحيم دياب، ابراهيم مغيط، سيف ذبيان، حسين الحاج حسن، مصطفى وهبة وعلي زيد المصري.
تأخذك الطريق المؤدية إلى ساحة رياض الصلح نحو خيم أهالي العسكريين المخطوفين، خيمٌ كانت تضج يوماً بالصخب والفوضى لكثرة قاطنيها، أما اليوم وبعد أن تحرر منهم ستة عشر عسكرياً كانوا في قبضة جبهة النصرة الإرهابية، أصبح الهدوء سيّد المكان، ليتقاسم المكان معه حارس الخيمة الأمين حسين يوسف، والد محمد يوسف المختطف لدى تنظيم داعش الإرهابي، والناطق بإسم لجنة أهالي المخطوفين.
يستقبلك حسين يوسف الصابر على وجعه ببسمة تكاد تحمل كل أسى العالم، رفيقته تلك الدمعة المتحجّرة في عينيه والتي تكاد تتبخّر قبل أن تترك مكانها لشدة الحرقة الكامنة وراءها، يُجيب عن أي سؤالٍ يُطرح مهما أخفى في طياته من شكوك حول مصير ولده والمخطوفين معه، فالكلام بالنسبة له متنفّسٌ للتخفيف من ثِقل ما يحمله من مخاوف وقلق.
ما تفسيرك للفصل بين ملف المخطوفين لدى جبهة النصرة وداعش ولماذا توقفت المفاوضات؟
"منذ البداية وعلى عكس ما شاع في الأخبار، لم يتم خطف العسكريين جميعاً من قِبل جهة واحدة ثم توزيعهم، جرت معركة متعددة الأطراف في عرسال إنتهت بخطف 16 عسكرياً لدى جبهة النصرة و9 عسكريين لدى داعش وبالتالي فإن الملفّين منفصلان حُكماً، أما فيما يخص المفاوضات، فقد كانت أكثر مرونة مع داعش في بداية الأمر وتوصلنا إلى مراحل متقدمة اعتقدنا فيها أنه سيتم إطلاق سراحهم، إلا أن الأمور عادت وتعقدت لأسباب عديدة ما أريد قوله إن كل من تاجر بهذا الملف لا يستحق الكرامة، مررنا بمراحل قاسية جداً وما زلنا نحاول إيجاد أي خيوط ممكنة توصلنا لمعرفة مصير أبنائنا بالحد الأدنى، فالأخبار تتوارد إلينا من كل حدب وصوب فيما يخص سلامتهم ومكان تواجدهم لكن ما أستطيع تأكيده أننا لا نملك أي خبر يقين يهدئ نفوسنا".
من يتحمل مسؤولية خطف أبنائكم ؟ هل الانقسام السياسي الحاصل في البلد هو الذي أوصل الأمور إلى ما هي عليه اليوم؟
"لا نحمّل قيادة الجيش أي مسؤولية في هذا الخصوص وإن كنّا عاتبين، فبالرغم من ترفّع الجيش عن كثير من المهاترات الحاصلة إلا أننا نعلم أن بلدنا تتحكم فيه الطبقة السياسية الحاكمة والتي تتدخل في الكثير من الملفات، والجيش ليس استثناءا هنا".
هل اشترطت الدولة اللبنانية ممثّلة بالمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم وخلية الأزمة، الحصول على فيلم فيديو يظهر فيه العسكريون المخطوفون لدى داعش بصحة جيدة لاستئناف المفاوضات؟
"هذا أمر مؤكّد ونحن ندعم الدولة اللبنانية في هذا المطلب، فمن غير الممكن أن تُستأنف المفاوضات إذا لم نحصل على دليل حسّي سواء أكان فيديو أو حتى تسجيل صوتي يقنعنا بأنهم ما زالوا على قيد الحياة، لقد حاولنا مراراً أن نلحق ببارقة ضوء لاحت هنا أو هناك، لكن مع الأسف لم نحصل على دليل قاطع يؤكد سلامتهم.
وأضاف يوسف"عندما خرج العسكريون الـ 16 للحرية، تأمّلنا خيراً وظننّا أن السّبحة ستكُر وأن هذا الإفراج سيحمل لنا تغييراً إيجابياً في واقع خطف أبنائنا، إلا أن هذا التعتيم يزيدنا قلقاً وريبةً على حالهم".
هل هناك أوراق قوة معيّنة ترونها في يد الدولة اللبنانية وتطالبون باستخدامها كالتوقيفات الأخيرة التي شملت قياديين من داعش، لمعرفة مصير العسكريين والإفراج عنهم؟
"حتماً لدى الدولة اللبنانية أوراق قوة وخيارات يجب أن تلجأ إليها لتحريك الوضع الرّاكد، فلم يعُد من المقبول المساومة على أرواح أبنائنا المخطوفين ووضع حياتهم على المحك في وقت أنها، أي الدولة اللبنانية، تمتلك شيئاً تريده داعش".
هل تعتقد أن هناك جهات إقليمية قادرة على الضغط على داعش في هذا الخصوص؟
"نحن نعيش واقعاً عمره سنة وخمسة أشهر ونتابع الأمور عن كثب مع كل الأطراف، تمنّياتي أن تتدخّل بعض الأطراف التي عمِلت على حلحلة ملفّات عمليات خطف سابقة وأن يكون لها دور مؤثّر في ملف مخطوفينا".
هل صحيح ما رشحَ من أخبار عن إجتماع وسيط من الدولة اللبنانية بأمير داعش في القلمون، وهو سجين سابق خرج من السّجن مؤخّراً، لإعادة الحرارة إلى هذا الملف؟
"هذا فعلاً ما حصل، لكن للأسف لم ينتج عن هذا اللقاء أي تطوّر أو تغيير ذي قيمة لصالح هذا الملف، ما يؤكد شكوكنا أن القرار بالإفراج أو التّبادل أو غيرها من المُسمّيات لا يعود إلى من هُم في الجرود، بل يتخطّاهم ليصل إلى الرّقة أو حتى أبعد من ذلك لكننا لا نستطيع أن نؤكّد هذا الأمر ليبقى في خانة التّكهّنات لدينا".
كانت فرحتكم واضحة يوم الإفراج عن العسكريين الذين اختطفتهم جبهة النّصرة لكنّها كانت منقوصة، هل تعتبر أن التّحرير لن يكتمل إلّا بإطلاق سراح التّسعة الباقين؟
"سيبقى تحرير العسكريين منقوصاً حتى يُفرج عن التسعة الباقين، وأستطيع أن أؤكّد أنّ العسكريين المُحرّرين أنفُسهم لم يشعروا بالفرحة الكاملة لأن لهم إخوة ورفاقاً ما زالوا يعيشون حالة الأسر التي خبِروها وعاشوها، لكن رؤية الفرحة في عيون أمّهات وعائلات العسكريين عند عودة أبنائهم حملت الكثير من الأمل إلى أمّهات وعائلات العسكريين الذين ما زالوا مُختطفين من دون إنكار الشّعور بالغصّة".
بالعودة إلى تحرّكاتكم، هل هناك من خطواتٍ تصعيديّة ستُقدمون عليها في حال بقي الشّلل مُسيطراً على هذا الملف؟
لقد اضطررنا بعد اختطاف أبنائنا، إلى تنفيذ العديد من الخطوات التّصعيدية للضّغط على الدولة لتحريك ملف تحريرهم، فهذا هو واقع الحال في بلدنا للأسف، ولأننا لمسنا مماطلة، أمّا في هذه المرحلة، فليس لدينا أيّة نيّة للتّصعيد لأنّ هناك توجّهاً واضحاً وصريحاً لدى الدولة لحل هذا الملف في حين يظهر عدم التّجاوب عند الطّرف الآخر، هذا مع احتفاظنا بحقّنا في التّصعيد بشتّى الوسائل من قطع طُرقات إلى اعتصاماتٍ أمام منازل السّياسيين في حال حُصول أي تقاعس".
ختاماً، تقلب عمليّة الخطف حياة عائلة المخطوف رأساً على عقب، فكيف من الممكن أن تُعاش بكل تّفاصيلها اليوميّة مع وجود ألم دائم وشعور بفقدان أحد أفرادها وخوف من مستقبل مجهول؟
"أصبح الخوف من المجهول يسكن معنا كفرد من عائلتنا ويرافقنا كظلّنا في كل دقيقة من نهارنا.... أمّا بالنّسبة لعائلتنا، عائلة محمد يوسف، فالحال ليس بأفضل من حال باقي عائلات المخطوفين، لمحمد طفل عمره سنة وسبعة أشهر لم يعرف فيها والده إلا لشهرين وهذه أكبر الغصّات بالنّسبة لي كأب يعرف معنى الأبوّة ويتمتّع بعلاقة مميّزة مع أولاده وخاصّةً محمد، الزّوجة لا تُحسد على فترة قصيرة جداً عاشتها مع زوجها لتُحرم من وجوده معها، الوالدة حدّث ولا حرج.
وختم يوسف بالقول" لم نعُد نقوى على الإبتسام أو الضّحك وإن فعلنا، قد تخرج الضّحكة لتُخبّئ دمعة حارقة أو قد تكون ضحكة وجع أو حتى ضحكة ساخرة من واقعٍ ما، لم يعُد تمسّكنا بالإيمان والأمل خياراً بل قراراً... قراراً بمتابعة هذه القضيّة وإبقائها حيّةً في أذهان النّاس وضمائر المسؤولين لتصل إلى خواتيمها التي ندعو أن تكون سعيدة".