ثقافة: عماد خليل الطيب تيزيني: نحن أمام مرحلة تاريخيّة كونيّة جديدة تطرح سؤال من أين نبدأ؟
يبقى الفكر الخلّاق قضيّة حياة، ومسار تأمّل، لا يدركه سوى الباحث في دائرة المعرفة، والمفكّر الملتزم بالحريّة، كهويّة ثقافيّة، تمنحه الولوج إلى مكامن الخطر المؤدّي إلى الكشف العلمي، والمعرفي، من أولئك الّذين، يسيرون على دروب التّفكّر منذ بدايات القرن الماضي، واعتناق الفلسفة في دائرة الجدل المؤسّس لبنية فكريّة، تنطلق من رحابة النّقد الّذي يبقى ديدن الباحث، والفيلسوف، إنّه المفكر السّوري طيّب تيزيني، الّذي حلّ ضيفًا على البلد الّذي يحب، لبنان، والّذي له في ذاكرته ما جسّده العمل الحزبي الشّيوعي، وماتركه التّراث الفكري، من دراسات، ونقاشات، وسجالات، حيث العمر، والعذابات للأمّة، وتحديدًا، ما يحدث في سوريا والوطن العربي، كلّ ذلك جعله، ليضع كلّ شيء تحت المحك، وتحت القراءة الجدّية أمام التّحديّات الكونيّة الكبرى.
كان لإذاعة صوت الشّعب، وعبر أثيرها، وضمن برنامج "إشكاليّات"، لقاء شاملًا، نقدّم عبر صفحات مجلة "النّداء"، بعض ما ورد في اللّقاء.
س:نرحّب بكم في لبنان، وعبر أثير صوت الشّعب، وإلى برنامج إشكاليّات.
ج: أشعر بلحظة فائقة بالنّسبة لي، حيث إنّني أعيش لحظات تاريخيّة الآن، لحظات، أستعيدها، وأفكّر أنّ هذه اللّحظات تتجدّد، ولكن برؤى جديدة، واحتمالات أخرى جديدة.
س: قبل أن ندخل إلى إشكاليّات الثّقافة والسّياسة، الفكر والسّياسة، وأنتم من المنظّرين لفكر ماركسي له الطّابع الإيديولوجي، منذ زمن بعيد، فإنّنا أمام قضايا فكريّة شائكة يعيشها واقعنا العربي، كيف يمكن أن نقرأ، أو أن نقارب هذه المسائل في فكر طيّب تيزيني؟
ج: يسعدني أن أستعيد تاريخي لأستنبط منه بعض الأفكار، كإجابة عن هذا السّؤال الجميل والمعقّد، والّذي قد يكون ولّادة لأشياء جديدة في حياتنا المعاصرة، نحن نعيش الآن، وأنا من بين من يعيشون هذه اللّحظة العربيّة والعالميّة، بمثابتها لحظة لم نعش مثيلًا لها، إلى درجة أنّه قد أربكنا في بدايات الموقف، قبل أربع سنوات ونصف السّنة، حصل الإرباك، وخصوصًا، بعد أن أوغلنا في هذا الموقف، واتّضح أنّنا نعيش حالة ليس لها ما يماثلها في السّابق، وأنا أعترف أنّني عشته بقلق.
إعتقدت، وأعتقد أنّه كان مثمرًا، إنّ القلق يعني أنّني وضعت أمام أسئلة جديدة، أمام موضوعات تاريخيّة جديدة، ووصلت في أنّنا قد نكون في مرحلة عالميّة كونيّة جديدة، نحتاج فيها إلى إعادة النّظر بمنظوماتنا المنهجيّة والفكريّة، والإصطلاحيّة، وبالتّالي ينبغي إعادة النّظر في ما اعتدنا عليه كأنّه حالة معيوشة مأخوذ بها، وبمصداقيّتها.
س:هل يمكن أن ننطلق من هذا الإرباك الفكري الّذي عبّرتم عنه، أو عن هذا القلق المثمر، ودائمًا، القلق هو سمة من سمات المفكّر الّذي يبحث عن قضايا وأسئلة شائكة، أو ربّما يبحث أيضًا عن الإبداع، كما في كلّ الفنون، والآداب، كذلك في السّياسة والفكر، والإيديولوجيا، هذا الإرباك، هل انعكس عند طيّب تيزيني على الفكر والإيديولوجيا، بمعنى، أريد أن أتحدّث معكم عن ماقبل السّنوات الأربعة حاليًّا، عن الفكر بشكل عام، عن الإيديولوجيا، فهل هناك من إرباكات ما، حصلت قبل التّطوّرات السّياسيّة الّتي تحوّل في مسار المفكّر طيّب تيزيني؟
ج:إنّه أمر مركّب، وكذلك معقّد، لذلك ليس هناك وسيلة لأن نقطع بين مرحلة وأخرى قطعًا تامًّا، هو تعبير فلسفي، أن نقطع قطعًا إبستمولوجيًّا- نهائيًّا.
هنالك بنية مركّبة تمتد باتجاه أو باتجاه آخر، لتوحي للمفكّر، للباحث، بأنّها ما تزال مستمرّة كما كانت، لكن، سيكتشف هذا المفكّر، وهذا الباحث، أنّ هناك حالات جديدة ليست وليدة السّابق، كما هو، وإنّما هي وليدة ظروف ماعاشها السّابق.
من هنا تبرز إشكاليّة تاريخيّة معرفيّة، تتمثّل في السّؤال التّالي: أين نبدأ؟، أفي مابدأنا به قبل عقود أو أكثر، أم أنّنا نبحث عن بداية جديدة نصنع حدودًا لها قابلة لأن تمنحنا رؤية أوّليّة لها، بحيث إنّنا نبني عليها ماقد نفعله لاحقًا.
هذا ما أعيشه حتّى الآن، وقد أعدت النّظر في كثير من المسائل في ضوء الأحداث الكونيّة الّتي نعيشها الآن، لكن هذا التّحوّل يسعدني، لا بل، أقول: هذا التّحوّل يسعدني لأنّه لم يطح بما كنت آخذ به، وهذا أعتبره سعادة لي، لم يطح على الأقل بكلّ شيء كنت أتبنّاه، إنّما أتى ليدعوني بقوّة هائلة إلى إعادة التّفكير في بناء أكثر رصانة، ودقّة، ومنطقيّة، وانفتاحًا على التّاريخ الجديد.
س:أشرت إلى إشكاليّة حقيقيّة، إشكاليّة معرفيّة، بطرحكم السّؤال التّالي: من أين نبدأ؟ فهل يمكن لنا أن نحدّد عمليّة البدء دون هذا الرّبط التّاريخي، وهنا لا أتحدّث عن قطيعة، بل أتحدّث عن استمراريّة، عن توال للأحداث، عن سلسلة من المفاهيم والمنهجيّة في التّفكير الفكري، وفي هذا المضمار، ألا ترى د. طيب تيزيني، أنّ مايحدث في العالم العربي هو من جرّاء غياب منظومة فكريّة، وبنية هرميّة، أدّت إلى ما أدّت إليه، أم تحصر المسألة فقط في في السّلطات والأنظمة السّياسيّة؟
ج:لا،لا، لم أصل يومًا إلى هذه الرؤية الضّيّقة، وإنّما منذ بداية الأحداث، اكتشفت أنّ الإجابة عمّا بدأ يحدث في سوريا، لا أستطيع أن أفهمه تمامًا، هناك حالة مستعصية على الفهم، ولا أستطيع أن أجيب عن أسئلتها، لذلك، كان عليّ أن أبحث عن الّذي ورثته دون أن أتوقّف عنده، وقد أقول: لقد توصّلت فعلًا إلى أنّنا أمام مرحلة تاريخيّة كونيّة جديدة، قد تطالبنا في إعادة النّظر في منظوماتنا الفكريّة، المناهجيّة ثمّ الإصطلاحيّة، فالأفكار الّتي اعتبرناها سابقاً صحيحة، على الأقل كل شيء بدأت أضعه تحت المحك، لكن ليس بصورة نهائيّة قاطعة، أقول: تحت المحك من أجل فهم مصداقيّة ماكنت أعرفه ذا مصداقيّة.
الآن، هذا المحك هو الّذي أشتغل عليه، يعني هناك فكرة تشغلني دائمًا، وتتمثّل بحدس يتمّ يوميًّا في العالم العربي.
الحديث يتمثّل في ثنائيّة العدم والوجود، ثنائيّة الوجود والعدم، لذلك، نستنتج، أنّ الصّراعات السّابقة، والتّحوّلات السّابقة الّتي رافقها العالم العربي ذات بعد هام، لكن لم تكن قد وصلت إلى إحداث قطيعة بين الوجود والعدم، أو إلى إحداث حالة جديدة، تتمثّل في ثنائيّة الوجود عدمًا، والعدم وجودًا.
هذا الأمر يؤرّقني كثيرًا، لأنّي أعيش في صميمه، وقد مثّل هذا الأمر بداية هامّة، تجعلني أطرح كلّ الأسئلة بدون استثناءات، وأسأل، هل ما زالت تمتلك مصداقيّتها المعرفيّة، وشرعيّتها التّاريخيّة.
س: تشغلك ثنائيّة الوجود والعدم، أحيانًا، العدم يصوّر، أو يخلق، فالعدم في المفهوم الجاهلي شكّل الخوف من مجهول ما، أنتم كيف تنظرون إلى هذه المسألة، أمن منظور إيديولوجي، أم من منظور آخر؟
ج:أنظر إليه من منظور إيديولوجي، لكن لا أكتفي بذلك، أبحث عن المنظور المعرفي التّاريخي، قبل أن ألتهم من الإيديولوجيا، أي إيديولوجيا، أحاول أن أبحث في الحدس بذاته، وألفّ عليه تاريخًا، وراهنًا، ومستقبلًا، بحيث يتاح لي بأن أقدّم شيئًا ما، يسمح لي بالخروج من هذه المنطقة التّاريخيّة، أزعم أنّنا الآن، وبعد هذا الّذي يحدث في العالم العربي حاليًّا، أنّنا أمام حالة لم يمر العالم بمثيلها من قبل، إنّها مرحلة جديدة، تصنع حدًّ جديدًا بين ما كنّا عليه، وبين ما بدأنا ندخل غماره. هذا ما يعقّد الموقف، لكن في الوقت نفسه أيضًا ما يوضح كثيرًا من المسائل الّتي تصبح أكثر رؤية، وقابليّة للرؤية، فحينما تضع الماضي والحاضر أمام هذا المعيار، قد تستطيع الوصول إلى نقطة هامّة دون أن تستكملها إلًا بالتّوغّل الأكثر عمقًا في اللّحظة الحاليّة المستقبليّة.
ممّا يطرح علينا سؤالًا كنّا نستخدمه في كلّ المجالات المعرفيّة الّتي تلتحم ضمن بنية مركّبة.
فهذا السّؤال :من أين نبدأ؟ أصبح سؤال الأسئلة، لأنّني أزعم أنّ هذا الّذي بدأ في العالم العربي، بدأ يحدث بكلّ الّذي واجهناه، وراح يطرح أمامنا استفزازات هائلة، ما الّذي حدث؟ وما الّذي سبق هذا الّذي يحدث؟ وما هي الإحتمالات؟
س: في الأسئلة الفلسفيّة الّتي تطرحها، وأنت أستاذ الفلسفة، ماذا، وكيف، ولماذا، والآن تقول: من أين نبدأ؟، بمعنى أنّه سؤال تتطلّبه المرحلة الّتي نمرّ بها، واعتبرت أنّ هذه المرحلة تكاد تكون فريدة في التّاريخ، ولكن وسقوط الإيديولوجيات، وأنّها لم تعد كفيلة أو قادرة على أن تقدّم إجابات واضحة محدّدة، بحيث بتنا بحاجة إلى ماهو أشمل وأعم، هل يتطابق هذا مع مفهوم العولمة وما تصبو إليه السّياسة الأميركيّة ، الرّأسماليّة في العالم؟
ج: أنا في هذه الحال، أسلك سلوكًا قد يكون نظيفًا بالنّسبة لي شخصيًّا، لا أقول بإسقاط هذا على أو ذاك ممّا ورثناه، وضمن هذا الأمر، سأضع الإيديولوجيا على المحك التّاريخي، المعرفي التّاريخي.
هل مازالت الإيديولوجيا قابلة لأن تكون شكلًا من أشكال الإجابات الّتي نبحث عنها، أو تكون حافزًا من حوافز هذه الإشكالات، صراحة، أنا أعلّقه كلّه هنا، لذلك استخدمت مفهوم "التّعليق"، التّعليق المنهجي، والنّظري، والتّاريخي.
إنّ كلّ ما ورثناه معلّق بانتظار الإجابة عن المدى المنظور، أو غير المنظور لهذا التّعليق، حتّى نستطيع أن نضع هذا المعلّق وراءنا، ونواجه حالة جديدة في تاريخنا، وأظنّ أنّ الأمور ليست بهذا التّعقيد الكبير الّذي يحدث قطيعة مطلقة بين ما سبق وبين ما هو قائم، وما سيأتي، هناك تشابكات عميقة تحتاج عملًا شاملًا من مجموعات واسعة النّطاق، وواسعة التّخصّصات، بحيث إنّ كلّ جوانب الكون الّذي نعيشه الآن يحاط به مجدّدًا دون الإحاطة بما كان يحيط به سابقًا، كأنّنا الآن نصنع عالمًا جديدًا في إطار الفكر التّاريخي المعرفي.
س: نصنع عالمًا جديدًا، لكن من الّذي يصنع هذا العالم الجديد؟ هنا إسمح لي، أنت تربط المسألة كما نفهم انطلاقًا من الأحداث الّتي تجري في عالمنا العربي، فهي الّتي تدفعك وتدفع المفكّرون إلى التّفكير في أطر مختلفة تمامًا، أو كما عبّرتم على المحك التّاريخي، هل نحن كنّا بحاجة إلى كلّ هذا الحدث السّياسي، أو لما يسمّى لعبة الأمم لكي تفجّر كلّ هذا التّفكير؟
لماذا لم ننتج معرفتنا، وهويّتنا الثّقافيّة والفكريّة، أو البنية المتكاملة قبل أن نصل إلى ما وصلنا إليه، هل هناك من مسؤوليّة يتحمّلها المثقّفون، والمفكّرون؟
ج: نعم، ولا، هذه إجابة تعني أنّ مايحدث الآن، لم يكن امتدادًا مباشرًا لما عشناه من قبل، وإنّما هو حالة جديدة، أحدثت قطيعة جديدة فيها كثير من عناصر الإطلاق، بحيث إنّك تقول: إنّما عليك أنّ ما تكتشفه هو ذلك الّذي لم تكتشف بذورًا لإنتاجه سابقًا، يعني بهذا المعنى لا نحمّل المفكر السّابق والباحث السّابق ما نعيشه الآن، لماذا لم يكتشفوه، فإنّ الإجابة أو طرفًا من الإجابة يكمن في أنّ الّذي يحدث تخطّى كلّ الإحتمالات الّتي كان يعيشها الإنسان العربي، خصوصًا، الإنسان العربي المشرقي الّذي بدأ يعيش لحظات قد نقارنها بما قبل البشريّة، أنا هنا أستند إلى واقعة أصبحت راهنة، وكانت غائبة، أو مغيّبة بعد أن اكتشفت، ولم تستخدم إلّا قليلًا في التّاريخ الفكري، ما هي شروط نشوء الإنسان؟ هذا سؤال طرح في القرن الثّامن عشر وخصوصًا في القرن التّاسع عشر، ماهي الشّروط الّتي كان توفّرها ضروريًّا لنشأة ما نسمّيه الإنسان العاقل؟، نعود بالمسألة إلى حاملها الأوّل البيولوجي التّاريخي، فالإنسان من حيث هو إنسان، حيث هو في بداياته التّورخة له، يعني أنّ الإنسان يحمل بيولوجيا معيّنة، تصنع اجتماعيًّا بقدر أو بآخر، سؤال جديد، فهذا السّؤال يجري التّغاضي عنه باعتباره سؤالًا أجيب عنه.
اتّضح أنّ الشّروط الّتي كانت تعني مدخلًا إلى الإنسان العاقل وهي السّلاسة، انتصاب القامة، القدرة على استخدام الأصابع للعمل، وتطوّر نوعي في الدّماغ، وجدنا أنّ هذا الأمر بدأ يطرح نفسه، ويفرض نفسه عبر سؤال آخر، هل اكتملت هذه العمليّة؟ هذه العمليّة عالميًّا كونيًّا، أنا لاحظت منذ بداية الأحداث، وقد قاربت الـ خمس سنوات، أنّ الأمر لم يكتمل، هذا دعاني إلى أن أعود إلى مرجعيّات أخرى، كنت أقرأها دون ضغط، هذه الأحداث الّتي نعيشها، فعدت إلى ابن خلدون، إلى جان جاك روسو، هؤلاء الّذين بدأوا يبحثون في الشّروط الأوليّة لنشوء مجتمع إنساني، فوجدت أنّ هناك ما يجب أن يصنع جديدًا.
س: هل قدّمت هذه العودة من إجابات محدّدة، أم لم تقدّم؟
ج: في الطّريق إلى ذلك، بقي ابن خلدون يتحدّث بشيء من الدّقة عن البشر وانفصالهم عن الطّبيعة، وانفصالهم عن كونهم كائنات طبيعيّة، إلى أن اكتشف أنّ هناك شروطًا أخرى، طبيعيّة لاتكفي وإن كانت ضروريّة.
هناك عناصر بدأت تتكوّن مع تكوّن هذا الإنسان، من الأسئلة، هل هؤلاء البشر اكتشفوا أين يعيشون؟
ماهي القوانين الّتي تفرض نفسها في الإطارات المعيشة الّتي يعيش بها البشر، ثمّ هل هذه الظّروف الجديدة أنهت عمليّة تكوّن البشر طبيعيًّا مع عمليّة الدّخول في هذا الحقل الجديد، الّذي لم يكن معروفًا، المجتمع- لقد اتّضح أنّ ابن خلدون وضع يده بعض الشّيء على خطوط أوّليّة في هذه المسألة، ومن ذلك أنّ مجموعة من النّاس خضعت لتلك الثّلاثيّة من الأسباب: انتصاب القامة، استخدام الأصابع، وتطوّر الدّماغ ، تطوّرًا نوعيًّا.
وصل إلى هذه المسائل، واكتشف أنّ العمليّة لم تكن متساوية في الكون الّذي كان يضطلع عليه ويقترب منه، اكتشف أنّ هناك عمليّة تسير باختلافات متعدّدة بين هنا وهناك وهنالك، وبالتّالي ليس هناك قطار واحد للبشرية، لقد مشى من الأدنى إلى الأعلى ووصل إلى الإنسان العاقل، وقد وجد أن هناك تجلّيات قد لا تحصى لاختلافات بين هذا، وذاك، وذلك.
س: ماتشير إليه في هذه النّقطة، فيما يتعلّق بابن خلدون، وروسو، وكذلك نظرية العقد الإجتماعي، وتطوّر البنى الإجتماعيّة، حيث نستنتج من كلامك، وكأنّك تقول: نحن بحاجة لإعادة قراءة، إلى قراءة جديدة، هل هناك من مفكرين في ظلّ ما نعيشه من تطورات، وأزمات، وما قدّمته عن المجتمع، هل نحن بحاجة إلى وعي جديد بمفهوم العقد الإجتماعي، والثّورات الثّقافيّة، الّتي أحدثت مفهوم الدّيمقراطيّة والحريّة والمساواة والعدالة في العالم.
ج: هذا سؤال هام، حاسم، أعتقد أنّه لم يطرح بهذه القسوة أمام مفكري العالم، خصوصًا في المناطق الّتي لم تعش ما يعيشه العالم العربي، لاحظ، أتحدّث عن العالم العربي، خصوصًا، كانوا ينطلقون ممّا وصلت إليه البشريّة، لقد إنطلقت من تلك الثلاثيّة الّتي اعتقد العالم أنّها أصبحت ناجزة، لم يدقّق، ولم يكن مطلوبًا أن يدقّق، لأن الأمر اعتبر فيما مضى.
نعم، لقد جاءت الأحداث الجديدة لتطرح أسئلة قديمة، لكنّها تحتاج إلى إجابات جديدة، من ذلك، هناك ملاحظات، سجلّت عبر التّوغّل فيما يحدث يوميًّا في العالم العربي، أنا آخذ نموذجًا عشته وقاربته مباشرة.
إنّ الصّراع في المجتمع العربي وفي العالم العربي عمومًا، وخاصّة بعد أن اتجه هذا العالم العربي إلى المجتمع العربي الإنساني، هذا الصّراع لم يحصل على الصيغة النّهائيّة الّتي هي – السوسيو مجتمعي- وإنّما على بذور سابقة ظلّت ترافقه، وهذا مابدأنا نشهده الآن، هذه اللّاحقة الجديدة، هي الإشكاليّة، وجدت ذلك متمثّلًا في أنّ الصّراع بدأ يعود إلى صيغة سابقة على هذا الصّراع في فترات سابقة، كان موجودًا بين حوافي الإنتقال من الطّبيعي إلى المجتمعي، من البيولوجية إلى السوسيولوجيا، فبدأت أضع يدي بعد أن عشت ثنائيّة الوجود والعدم.
عدم ووجود، كيف يتّخذ هذا الصّراع حالة جديدة، تبدأ بصراعات اجتماعية، ماليّة، ثقافيّة، وتنتهي بصراعات تعيدنا إلى بدايات البشريّة البيولوجية، وعمليّة الإنتقال من البيولوجي إلى السوسيولوجي.