مع الحقيقة: سمير دياب تشريع حق الأم اللبنانية هو الضرورة "يعد لبنانياً كل شخص مولود من أب أو من أم لبنانية"
نصت المادة الثانية من قانون 11/1/1960 من قانون الجنسية اللبنانية بوجوب منح الجنسية لكل من هو من أصل لبناني إذا عاد نهائياً إلى الأراضي اللبنانية وطلب الدخول في الجنسية اللبنانية.
ولما كان المشرع اللبناني لم يحدد المقصود بالأصل اللبناني، فإن الفقه قد قام بالمهمة مقدراً أن المقصود هم الرعايا العثمانيون الذين استقر ـصولهم بالإقليم اللبناني. فأفراد هذه الفئة كان يحق لهم اختيار الجنسية اللبنانية عند نشوء هذه الجنسية، غير أن استقرارهم بالخارج حال دون إمكان ممارستهم هذا الحق. وقد أراد المشرع فتح مجال الدخول في الجنسية لهؤلاء الأفراد إذا ما قرروا العودة النهائية والاستقرار في لبنان، فأجاز لهم طلب اكتساب الجنسية اللبنانية في هذه الحالة، وجعل دخولهم فيها وجوبياً على الدولة بحيث لا تستطيع السلطة التنفيذية رفض طلبهم إذا توافرت الشروط اللازمة لذلك.
والمقصود بالعودة النهائية إنعقاد العزم والنية عند العائد بأن يقيم على وجه الاستمرار والدوام على الإقليم اللبناني، حتى ولو لم ينقل إليه مركز أعماله. والكشف عن هذه المسألة موكول إلى قاضي الموضوع يقرره بالنظر إلى كل حاله من الحالات المقدمة.
استعادة الجنسية، أو التجنيس المرتكز إلى الأصل اللبناني عند العودة النهائية إلى لبنان هو أبرز بنود جلسة "تشريع الضرورة" في مجلس النواب بعد انقطاع عام عن إجتماعات قبة التشريع. وإن كان الموضوع يشكل حقاً من حقوق الإنسان، إلا أن الضروري أكثر تشريع حق المرأة اللبنانية المتزوجة من غير لبناني ووضعه على جدول الأعمال، وإقرار تعديل الفقرة الأولى من المادة الأولى من القرار 15 الصادر في 19 كانون الثاني 1925 بحيث تضاف كلمة "أو من أم لبنانية" باعتبار أن المرأة اللبنانية مواطنة لها حقوق أسوة بالرجل، وليست رقماً طائفياً أو سياسياً، كما يتم التعامل مع موضوع إستعادة الجنسية. بحيث تصبح الفقرة بعد تعديلها "يعد لبنانياً كل شخص مولود من أب أو من أم لبنانية ".
تشريع الضرورة، يغيب عنه القضايا الضرورية الملحة مثل قانون إنتخابي ديمقراطي، وسلسلة الرتب والرواتب، وإقرار قانون عادل للايجارات، وكل ما يتعلق بالتشريع الضروري لحياة وصحة واستقرار الناس.
ضرورة أرباب النظام تختلف جذرياً عن ضرورات الشعب. وليس مصادفة أن كل ما أنتجه أرباب هذا النظام السياسي الطائفي على مر العقود هو تشريع تأبيد سيطرتهم على مقدرات البلاد والعباد من قوانين الانتخابات الطائفية إلى التمديد والفراغ والفساد والحروب الاهلية. قضايا الناس غير موضوعة على سلم الضرورة بالأساس. فكيف بجلسة تشريع جهزت قذائفها الطائفية قبل أن تبدأ لتدخل البلاد في دوامة مفاعيل الفراغ الملتهب بأمراض النفايات البيئية والسياسية والاجتماعية.
لم ينجح جدول أعمال جلسة تشريع الضرورة في إستيعاب كل متطلبات أفرقاء الحكم المتخاصمين على أولوياتهم. فكل فريق في السلطة يصوب على هدفه من هذه الجلسة. لكن الجلسة محكومة بالفشل، كما الحوارات التي سبقتها والتي ستليها. لا لسبب سوى لغياب الرؤية والخطة والاستراتيجية في المسائل الإجتماعية والاستحقاقات السياسية الوطنية. ولا لنقص في المعرفة والتفكير فيها، بل، لعدم الإرادة "و" أو القدرة على حل القضايا الإجتماعية بحكم الاختلاف على المحاصصة الطائفية. اما القضايا السياسية والوطنية الكبرى فإن جميع الأطراف السياسية في السلطة تعلم أن ربطها وحلها لحد الآن من صناعة خارجية، ويبدو أن انتظارهم عند إشارة قف طويلة ربطاً بالوضع الإقليمي والدولي في المنطقة.
******
تشريع الضرورة يفتش في الدفاتر القديمة عن حق رابطة الدم لجهة الأب وفقاً لقانون الجنسية اللبنانية في اصقاع العالم لإعطاء الجنسية اللبنانية لأجيال لا تعرف الموقع الجغرافي لوطن أجداد أجدادهم سعياً وراء حسابات طائفية وإنتخابية. في الوقت الذي يهمش فيه حق المرأة اللبنانية المتزوجة من غير لبناني بإعطاء جنسيتها لأولادها بحجة الاختلال بالتوازن الطائفي. يعني أن المسألة الطائفية تتقدم دائما على مسألة حقوق المواطنة والإنسان، وتتعدى على الدستور والاتفاقات الدولية والقوانين المرعية الاجراء، وتصبح "الضرورة هنا" إستنسابية وفقاً لمصلحة أرباب النظام السياسي الطائفي حصرياً.
اما بناء الإنسان والمجتمع والدولة الوطنية الديمقراطية فستبقى في خبر كان على جدول أعمال أهل الحكم لعدم الضرورة.
من هنا، فإن قضية حقوق المرأة من صلب الأولويات الضرورية كونها مرتبطة بقضية الأسرة،أي النواة الأساسية للمجتمع. فالفرد والعائلة هما مقدمتا المجتمع المدني، في دولة سياسية تقوم على مبدأ الحقوق المتساوية في جميع المجالات، وعلى مبدأ الاختيار الحر والتشارك التـام في جميع شؤون الحياة. وهذا هو شرط التفاعل الإنساني الذي يتلقاه الأولاد فيكسبهم معرفة وثقافة وتوازناً. وفي حق اختيار إدارة وتنظيم حياتهم. وهذا ما اكده الاعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن "الإنسان يولد حراً" إلى جانب كل الاتفاقات الدولية المصادق عليها، بما فيها الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة التي وقع عليها لبنان عام 1996، وتحفظ على البند الثاني من المادة (9) منها، والتي تنص على أن "تمنح المرأة حقا مساويا للرجل في إعطاء الجنسية لاطفالها". وكذلك الأمر بالنسبة للمادة (16) المتعلقة بالأحوال الشخصية وحقوق الأسرة.
أليس رفع كل أشكال التمييز عن المرأة اللبنانية يشكل حقاً قانونياً وإنسانياً؟. وأليس من الأجدر أن تكون قضيتها ضرورية على جدول أعمال تشريع الضرورة؟.
إن صرخة الأم اللبنانية الأصلية بالانتماء والجذور والهوية والرابطة إلى نواب الأمة، هي صرخة الأبناء والأسرة والمجتمع حيث يعانون الأمرين في موطنهم الأم، ويعيشون في الظل خوف من ضوء الواقع الأليم حيث يعتبرون غرباء منبوذين، لاحياة لهم، ولا فرص عمل، ولا بريق أمل في حياة حرة وكريمة. هي صرخة الام اللبنانية المطالبة بحق أساسي من حقوقها المهدور الذي طال إنتظاره بعد تمييعه وربطه بقضايا سياسية وطائفية وبأرقام إحصائية مضخمة لا تمت لمبدأ الحق بصلة. مرة باسم التوطين، ومرة بحجة الغلبة الطائفية والمذهبية، في وطن بات كل شيء فيه يسير وفق هذه القاعدة التي اودت بالوطن والمواطن الى الكارثة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والامنية...
إن صرخة الام اللبنانية تهدف الى تكريس حق "المواطنة" الكاملة غير المنقوصة. والى الغاء التمييز اللاحق بها، في قانون الجنسية المقر منذ عام 1925 والذي يعد قمة في التخلف والتمييز اللاحق بالمرأة اللبنانية.
ان قضية الدفاع عن المرأة وحقوقها، تصب في خدمة مشروع التغيير الديمقراطي. لأنها قضية تستهدف النواة الصلبة للموروثات التقليدية السائدة، وهي موروثات ذكورية متفوقة، وإن طابعها التغييري، يكمن في اعتبارها قضية مجتمعية وإنسانية . وهي قضية في صلب العملية النضالية من اجل بناء المواطنة ووطن المساواة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية.
وهي قضية للمستقبل لارتباطها الوثيق بالفقر والنمو وتفاوته الذي ما يزال يتعمق بين قوى الرأسمالية المسيطرة والأطراف التابعة المتخلفة، وما تفرضه هذه القوى على الأطراف من تبعات سياسية واجتماعية واقتصادية وإنسانية، للحفاظ على سيطرتها الطبقية وارتباط ذلك بالمسألة الاجتماعية والفروقات الطبقية، حيث لا حرية مع التهميش والاقصاء والفقر. وبالمسألة السياسية، أي مسألة النظام العام على الصعيدين: الحقوقي والسياسي. وأخيراً بالمسألة الثقافية التي تشمل كل الموروثات الغيبية والتقليدية التي تحاول القوى المسيطرة في الحكم أن تعيد إنتاج الأفكار والتصورات والعلاقات ذاتها، وأن تسوق لها، بغرض منع تحرر المرأة. وهي منهجية فكرية وسياسية لنظام سياسي ليست محصورة بنضال المرأة اللبنانية بتحرر المرأة، وإقرار حقوقها في إعطاء حق الجنسية لاولادها، وفي قانون مدني موحد للأحوال الشخصية، وفي "كوتا" مرحلية ومؤقتة في مواقع القرار السياسي. بل، هي منهجية سياسية وإجتماعية معتمدة ضد كل أشكال النضالات الاجتماعية والسياسية والنقابية والمدنية الهادفة إلى إحداث نقلة نوعية في عملية الإصلاح لأجل التغيير الديمقراطي.
تشريع حق الأم اللبنانية بإعطاء الجنسية لأولادها هو الضرورة.