الفترة الاخبارية المستمرة يوميا من السابعة وحتى العاشرة صباحا
المواطن والقانون الجمعة 2.30 مع المحامي عبد الكريم حجازي
شباك المواطن مع ليال نصر السبت بعد موجز 10.30 صباحا
Like Us On Facebook : Sawt el Shaab
اشكاليات الاثنين 4.30 مع عماد خليل
الفترة الاخبارية المستمرة يوميا من السابعة وحتى العاشرة صباحا
صعبة العيشة هيك - كل تلاتا الساعة 4.30 مع فاتن حموي
حوار فاتن الخميس بعد موجز 4.30 والاعادة الاحد بعد موجز 11.30 مع فاتن حموي
البلد لوين مع الين حلاق الاثنين 5.30
عم نجم الاربعاء بعد موجز 3.30 والاعادة الاحد 6 المسا مع ريميال نعمة
عينك عالبلد مع رانيا حيدر الجمعة 4.30
Displaying 1-1 of 1 result.


كسرات الخبز الكاسرة لهيمنة الأحزاب الطائفية نديم دياب

في خضم الشلل السياسي المزمن والموت السريري للمؤسسات الدستورية، نَبَضَ قلبُ الشارع. خفقانٌ خجول في البدء سرعان ما تسارعت وتيرته ليُعيد لشحوب لبنان بعضاً من حيويته ويوقظه من سباتٍ عميق أدخلته فيه لوثة الطائفية. الشارع استفاق من غيبوبته القصرية وتحرك. وفي حراكه، ثمة الكثير من الحواجز التي كُسرت.

حاجز الصمت كان أولها، هشّمته الحشود الشعبية لتخترق جدارالصوت. لم يعد بمقدور الأغلبية المُخرَسة الاعتصام بالسكوت. آلمها التوجع بصمت. استعادت صوتها بعد أن كمّم المشرّعون أفواهها وصادروا، لأكثر من عامين، حقها في التعبير عمن تريده في أن يمثّلها. شحذت حناجرها لتقول "أنا السلطة ومصدر الشرعية، والكلمة الفصل لي وأنا لا أريدكم". هتفت في وجه الطغاة السياسيين قائلةً "طلعت ريحتكم"، ونددت بنظام المحاصصة الطائفية المذهبية وسياسات التجويع والتفقير مطالبةً بوطنٍ جامع لا إماراتٍ طائفية متداخلة الحدود. صدحت إرادتها بدولةٍ مدنية ديموقراطية تؤمّن الرعاية الاجتماعية، لا كعكة يتقاسمها ويتناهشها أمراء الحرب الأهلية وحاشياتهم ومهرّجينهم، تحت مسمى "الديمقراطية التوافقية" المنبثقة عن اتفاق الطائف، تاركين منها فُتاتاً لا يسد رمق الشعب.

أصلاً، كسرات الخبز ما عادت تكفي حاجة الجائعين. هم اجتاحوا الشوارع مع المظلومين، والكادحين، والمتضررين من فساد النظام، والمسروقين من أبسط مقومات الحد الأدنى من العيش المعقول، والناقمين على سارقي كرامة الشعب، ومفسدي راحة المسنين، وطمأنينة الأمهات، وقاتلي أحلام الشباب وفرحة الأطفال. جميعهم نزلوا، بهمومهم وقهرهم وغضبهم، فجاءت صرخاتهم موجعة، أشبه بدوي انفجارات، ترددت أصداءها في فضاء ساحتي رياض الصلح والشهداء، وشوارع بيروت والمناطق المُفقرة وصولاً إلى آذان مستوطني البرلمان وشاغري السرايا الحكومي. جدار الفصل الاسمنتي بين المتظاهرين ومقر الرئاسة الثانية الذي استقدمته السلطة السياسية إلى وسط المدينة باستيحاء من حكومة الكيان الاسرائيلي في الضفة الغربية ونظام الفصل العنصري الأبارتايد في جنوب أفريقيا، لم يكن عازلاً للصوت ولا حاجباً لصيحات الفقراء الحارقة.

صيحاتٌ أطلقوها كي لا يبقى هناك من يموت على مداخل المستشفيات، أو ينتظر على أبواب السفارات، أو يحل الليل فيجلس في الظلمة. الشعب تحدث بحرقة الشعب كي لا يضطر المسن إلى افتراش الأرصفة مساءً، أو يحتاج الشباب للبحث في القمامة عن ما يقيتهم، أو تسمرّ سحنة الأطفال تحت وطأة الشمس والعمل المبكر. رفع الصامتون أصواتهم كي لا يُعَمّر الحاكمون، هم الذين قضوا ردحاً من الزمن جالسين على كراسيهم السيادية وعلى أنفاس المواطنين وقضوا على خيرات البلاد وقطاعاته الانتاجية. الشعب يريد إسقاط النظام كي تتوافر الخدمات الصحية والاجتماعية، وتُصحح الأجور، ويستقيم التعليم الرسمي، وتتكافئ الفرص التوظيفية، وتتحقق حقوق المرأة دون تمييز، وينتظم عمل المؤسسات.

منذ الثاني والعشرين من آب، عَصْر بدء الحراك الجماهيري المتواصل حتى كتابة هذه السطور،  كُسر حاجز الخوف. ما عاد المتظاهرون يتوجسون بطش القوى الأمنية، ولا يهابون تسمية الأمور بأسمائها.ذاك النهار فتحت القوى الأمنية خراطيم مياهها باتجاه المتظاهرين السلميين لتفريقهم. عناصر الأمن، شريكو المعتصمين في حقوقهم المسلوبة، أُمروا بقرارٍ سياسي، ونفذوا الأمر حتى سالت الدماء. بعضهم تنكًر لإنسانيته، وبهرواتهم وأعقاب بنادقهم ووحشيةٍ كاسرة خلّفوا آثارهم على ضلوع المعتصمين العُزّل ووجوههم. الرصاص المطاطي والحيّ حوّل سواد ليل ذلك السبت إلى أحَمَرٍ قانٍ امتزج معه ضباب القنابل المسيلة للدموع. تلك الليلة أيضاً أُمطر المنضمون للحراك بوابلٍ من الحجارة. نيران الأمن أصابت العشرات، منهم الشاب محمد قصير في رأسه، ليقبع ابن الحادي والعشرين عاماً في المستشفى منذ حوالي الاسبوعين متأثراً بجروحه البالغة. السيناريو نفسه استُنسخ بوتيرةٍ شبه يومية. قمعٌ ممنهج وعدائيةٌ مفرطة كانت في انتظار أصحاب المطالب المحقة مساء الأحد والاثنين، استُتْبعت ليل الثلاثاء بحملة اعتقالاتٍ اعتباطية وبالجملة.كثيرون سُحِلوا، وآخرون أُوقفوا والبعض أُحيل إلى المحاكمات. قيل عنهم الكثير، معتقلو شغب ومتعدين على الأملاك العامة، ومدمني مخدرات. حيكت حولهم المؤامرات ونظريات الاحتكام لقوى وسفارات خارجية. خُوَّنوا. لكنهم أبوا الرّضوخ والعودة إلى بيوتهم خاليي الوفاض.

توجيه البنادق نحو المتظاهرين أعاد توجيه بوصلة الحراك. المطالب منذ اليوم الثاني لم تعد تقتصر على محاسبة من راكم النفايات في العاصمة، تعدّتها إلى الاقتصاص ممن تعرّض لسلمية التظاهر. طالبوا باستقالة وزير الداخلية، طالبوا باستقالة رئيس مجلس الوزراء، طالبوا باستقالة الجميع. الطاقم السياسي بالاجماع شريكٌ في جرائم القوى الأمنية، هناك من اقترح ومن أصدر ومن صفق لهكذا اقتراح بالخفاء. وهناك أيضاً من دافع عنه أمام الملأ. جميعهم رفضوا توفير الخدمات الأساسية للمواطنين، وجميعهم أيضاً رفضوا تأمين أمن وسلامة تعبير المواطنين عن آرائهم. مياه السلطة لم تطفئ الغضب الذي تآكل الرابضين في الشوارع، ونيرانها أشعلت فتيل الثورة في قلوبهم وقلوب من تابعوهم على شاشات التلفزة يتعرضون لهمجية أدوات السلطة وجنونها. الشعب ما عاد يحتمل الاهانات. العشرات تكاثروا مع مرور الأيام، تحولوا إلى مئات، فأُلوفٍ فعشرات الألوف في غضون أسبوعٍ. عمليات الترهيب لم تُرعب الناس، والخوف من الموت برصاصةٍ، طائشةٍ كانت أم مقصودة، لم تثنيهم عن الانضمام إلى الانتفاضة الشعبية. اللبنانيون يُقتلون أكثر من مرّةٍ يومياً بعد أن ضحّت بهم السلطة منذ عقود من أجل حفنةٍ من الدولارات. على الأقل، الموت على أرض المعركة لا يذهب هباءً.

الطغمة السياسية التي لطالما احترفت الادعاء والكذب وامتهنت رفع المسؤولية عن عاتقها وتقاذف الاتهامات، كان لا بد من اعادتها إلى أرض الواقع بجرعة زائدة من الواقعية. خطاب الشارع لم تهوّله الرقابة ولم يكترث لديبلوماسية الحوار السياسي، فانتهج، في أساليب تعابيره، شفافيةً لامست حد كشف المستور. القول الشائع أن "الطبقة السياسية" فاسدة، على أصحيته وصلاحيته، اتهامٌ فضفاض. هكذا تعميم يؤمن شيئاً من الحصانة لمكونات الطاقم السياسي لاتساع قاعدة المنضوين تحت مسماه ويضمن تنصل البعض من مسؤولياتهم. لذلك كان من المنصف بحق الحرمان الذي يعانيه كل لبناني ولبنانية التحول من العاميات إلى الخصوصيات. لم يعد من الجائز حماية الفاسدين والمفسدين والمغتصبين للسلطة عبر قائمة العار المختصرة فقط بـ"الشريحة السياسية". لائحة الضالعين في ملفات الفساد والمستولين على الأموال العامة والمعطلين للاستحقاقات الدستورية خرجت من المجهول المعلوم إلى العلن. ولأن الجميع يستحق عن جدارة الإدانة، أتت أصابع اللوم لتشمل الجميع.. بالأسماء وافرادياًّ. في ساحة رياض الصلح، ثمة من أخذت على عاتقها لصق أسماء الـنواب المئة والثمانية والعشرين الممددين لأنفسهم مرتين على الشريط الشائك المقابل للسرايا الحكومي، فالمجلس قوامه أشخاص، والأفراد لا الجماعات يخضعون للمساءلة والمحاسبة. آخرون حملوا لافتات وضعت عليها صور رؤساء الكتل النيابية مذيّلينها بعبارات "ما رح نرجع ننتخبكن، كلكن يعني كلكن" أو "بعض النفايات لا يجب إعادة تدويرها"، رافضة مشاركة أي حزب من أحزاب السلطة. حنق الفقراء طال كل من فرّط في موقعه ومن قلّب، طائفياًّ ومذهبياًّ، اللبنانيين على بعضهم. الشرعية والحصانة سقطت عن "النخبة السياسية"، والمواطنين أسقطوها في مزبلة التاريخ.

حاجز الفئوية أيضاً حُطّم، ولعبة الأرقام ذات الدلالة التبعية كُسِرت واستعيض عنها بأعدادٍ تشير إلى مدى استهتار القائمين على الدولة بالشأن العام ومصالح المواطنين. رقما 14 و8 خرجا من المعادلة لأن الكتلتين السياسيتين اللتين غذيتا النزعة الطائفية منذ العام 2005 جعلتا "البلد دكانة"، بحسب إحدى الهتافات المرفوعة. المواطنون خلعوا عنهم رداء الولاء للطائفة لأن المظلومية عابرة للمناطق والدين، وفكوا الارتباط بزعماء "القطعان المذهبية" بحكم أن الشعب يقود ولا يُقاد. الانتفاضة الجماهرية الوطنية التي تشهدها البلاد انطلقت تلبيةً لمطالب معيشية واقتصادية واجتماعية حُرموا منها، لا استجابةً لنداء زعيم طائفي. الناس تحركت للمساءلة عن الـدين العام الذي قارب الـ70 مليار دولار، وللمحاسبة على تكدس النفايات في الشوارع لأكثر من شهرٍ ونصف الشهر، وللتنديد بدفع فاتورتي كهرباء، ولمكافحة المزيد من التمديد التلقائي لمجلس النواب بعد الانتخابات التشريعية عام 2009، وللمطالبة بقانون انتخابي يقوم على مثلث النسبية والدائرة الوطنية الواحدة خارج القيد الطائقي. الناس التي اكتفت اذلالاً ومرارةً خرجت إلى الشوارع نتيجة تبلور الوعي الجماعي أن الشعب ليس بيادق يحركها الحكام كيفما شاؤوا، وأنهم ليسوا حطب حرائق صراعاتهم وتناقض مصالحهم السياسية المذهبية.

أهم ما كسره حراك 29 آب الماضي، ذروة الاحتجاجات الجماهيرية الممتدة على أيامٍ سبعةٍ متواصلة، هو هيمنة الأحزاب السياسية على الشارع اللبناني. ساحات الوطن استعادها الوطنيون والشارع الذي نَبَض بغضب الناس، يُنذر باعادة ولادة حركة شعبية وطنية خرجت من رحم المعاناة مبشّرة بميلادٍ جديد للبنان.


Displaying 1-1 of 3 results.
Displaying 1-4 of 4 results.
- مجلة النداء - موقع الحزب الشيوعي - دار الفارابي - مجلة الطريق