اقتصاد دولي: د. عصام حداد لمناسبة تطوير قناة السويس مئوية الملاحة البحرية.. ودور الصين الشعبية
"سوف يشهد العالم على مدى العشرين سنة المقبلة من التغييرات ما يفوق مجموع ما شهده على امتداد الثلاثمئة عام المنصر به"
هكذا لخص الباحث الألماني في شؤون المستقبل غرد ليونارد GERD LEONHARDرؤيته لمناسبة انعقاد المؤتمر الـ 29 للاتحاد العالمي للمرافئ IAPH، وقد حضره 900 مندوب يمثلون إدارات وشركات المرافئ من كافة أنحاء العالم وذلك في الخامس من حزيران المنصرم في مدينة هامبورغ الشمالية (المرفأ الثاني على المستوى الأوروبي بعد روكردام والـ 15 على المستوى العالمي ...).
وأكد العالم الألماني قناعاته في اتجاه التطور العام والنمو للتجارة العالمية عبر البحار من خلال رفع الجاهزية التقنية للمرافئ والموانئ للتعامل مع البواخر العملاقة التي تنقل عشرين ألف حاوية(عشرين روم TEU) وما فوق وخاصة بعد ان تم انجاز تعميم النقل البضاعي عبر نظام الحلويات على المستوى العالمي عبر المحيطات والبحار....
من حصاد العولمة: توسعت التجارة العالمية وبشكل متسارع مع انطلاق العولمة في مطلع ثمانينيات القرن الماضي فأدت بدورها إلى:
- زيادة حجم إنتاج الاقتصاد العالمي
- تقسيم جديد للعمل على المستوى الدولي وبروز دور الصين الشعبية وترتب على ذلك نمو للتبادل البضاعي (مواد خام + بضائع نصف جاهزة +بضائع كاملة الجهوزية) وخاصة عبر البحار (الطرق الزرقاء) بنسبة 90% من التجارة العالمية ويسهل عبورها قنوات اصطناعية: أمثلها قناة السويس عبر أراضي الكنانة منذ 1869(بطول 193,3كلم) على الطريق من اقصى شرق آسيا إلى أوروبا تليها "قناة بحر الشمال "(او "قناة كيل) على امتداد شمال ألمانيا بين بحر البلطيق / شرقاً وبحر الشمال/ الأطلسي غرباً وبطول 100 كلم منذ عام 1895.
- وأخيراً قناة باناما التي تربط منذ عام 1914 آسيا مع الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة، أي قناة بطول 82 كلم ما بين المحيط الهادي والمحيط الأطلسي ....وبلغ حجم التبادل البضاعي عبر البحار عشية اندلاع الأزمة المالية الاقتصادية العالمية في عام 2008 ما مقداره تسعة بليون طن ( تسعة آلاف مليون طن) واستمر يراوح عند هذا المستوى حتى العام 2014 كما يقول تقرير منظمة التجارة العالمية UNCTAD ويعبر 9% منها قناة السويس وهو الرقم القياسي العالمي التي تعبر للبضائع من خلال الممرات المائية الاصطناعية في العالم.
وفي حين تشير التوقعات الأخيرة لصندوق النقد الدولي الى استمرار تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي بشكل عام إلا انها تؤكد بوضوح على زيادة تصل الى 10% في حجم التجارة الخارجية للبلدان على طريق النمو على امتداد العامين المقبلين وخاصة داخل المجال الآسيوي وفي المجال الآسيوي- الأفريقي والآسيوي الأوروبي، الأمر الذي سوف ينعكس في ازدهار الملاحة البحرية.
جمهورية الصين الشعبية في الاقتصاد المعولم: انعكس صعود دور الصين في الإنتاج البضاعي المعولم في تطور مكانتها الدولية في التجارة العالمية، فتحل اليوم في المرتبة الثانية وراء الولايات المتحدة الأميركية.
ويتوقع المراقبون ان تتخطى الصين الولايات المتحدة مع حلول عام 2030 على صعيد التجارة العالمية، وتشكل الصين الشريك التجاري الأول للاقتصاد والألماني خارج إطار الاتحاد الأوروبي كما تستورد مجموع بلدان الاتحاد الأوروبي 18% من كافة البضائع المتداولة في أسواقها من انتاج جمهورية الصين الشعبية.
إدارة الرئيس الأميركي أوباما تسعى جاهدة وبالتعاون الوثيق مع حكومة ميركل في ألمانيا الاتحادية لإنشاء "السوق الأطلسية للتبادل الحر" (TTIP) بالإضافة إلى الجهود المكثفة لإنشاء "سوق للتبادل الحر" (TIP) مع 12 دولة مطلة على المحيط الهادي / الباسيفيك من بينها جمهورية فيتنام. ويهدفان إلى مواجهة تقدم الصين خاصة وعموم مجموعة دولة "البريكس" BRICS(البرازيل +روسيا +الهند + الصين + وجنوب افريقيا) في تطور الاقتصاد العالمي.
تعتمد الصين سياسية النقل الرخيص لبضائعها عبر البحار حفاظاً على قدرتها التنافسية في أسواق الاستهلاك ولذلك:
*اعتمدت الناقلات العملاقة وأحدثها CSCL GLOBE/ MSC والـ ZOE: تنقل كل منها 19 ألف حاوية ( عشرين قدم) تنقل فيها مليون غسالة كهربائية أو 120 مليون حذاء وهكذا....
* اختصار المسافات وبالتالي سرعة النقل: الأمر الذي دفع للبدء في حفر قناة نيكاراغوا بين المحيطين الهادي/ الباسيفيكي والأطلسي وبغاطس مائي يضمن العبور الآمن للناقلات العملاقة.
* بناء المرافئ على طرق النقل لتشكل "محطات لوجستية" لإعادة توزيع حاويات البضائع الى مرافئ بلدان الاستهلاك كل حسب ظروفها. يأتي بناء مرفأ "مريال" MARIEL، في "المنطقة الاقتصادية الخاصة "وبتمويل من البرازيل (إلى الشرق من العاصمة هافانا بمسافة 18 كلم) كأفضل مثال على خطط المواجهة التي تقودها الصين ودول البريكس. فمن مرفأ MARIEL في المياه العميقة لبحر الكاريبي يمكن إعادة توزيع حاويات البضائع إلى بلدان المقصد كل حسب ظروف موانئه الراهنة....
ويشكل الاستثمار في المرفأ الكوبي ضمن نطاق "المنطقة الاقتصادية الخاصة" التي شرعت بموجب قانون خاص بالتزامن مع بدء العمل بشق قناة نيكاراغو وبتمويل صيني جزءاً من مشروع الاستثمارات الصينية برأسمال 500 مليار دولار في بلدان أميركا اللاتينية. ويشكل مشروع شق قناة بيكاراغوا الضمان لحرية النقل بعيداً من هيمنة الولايات المتحدة على قناة باناما فعلياً على الرغم من إعادتها في عام 2000 الى كنف السيادة الوطنية لدولة باناما.
"طريق الحرير البحرية": يقدم الانجاز السريع لمشروع توسيع وتعميق مجرى قناة السويس فرصة واعدة لخدمة سياسة الصين المشار إليها أعلاه: تسريع مرور الناقلات العملاقة في طريقها إلى أوروبا... وتشير التقارير الى سعي الصين لبناء "محطة لوجستية" على القناة ودون أن تشير إلى تفاصيل وظيفتها. ومن المعلوم ان الصين قد أنجزت المرحلة الأولى من مرفأ "اصطناعي" في مياه سريلانكا العميقة في المحيط الهندي حيث طرق التجارة الى البلدان العربية المنتجة للنفط من جهة والى بلدان شرق افريقيا من جهة ثانية... ويشكل هذا المرفأ نموذجاً "للمركز اللوجستي" الذي تسعى الصين لانجازه على طرق تجارتها عبر المحطات. فمن "سريلانكا " تجري إعادة شحن البضائع إلى مرافئ التي سبق للصين ان ساهمت في بنائها أو حفظت لتجارتها ارصفة ومستودعات من خلال عقود طويلة الأجل: في بنغلادش وجزر المالديف، وباكستان، ميانمار اندونيسيا وكامبوتشيا وكينيا وجيبوتي..... ويؤمن هذا "المركز اللوجستي" في سريلانكا فرص عمل لـ 50 ألف انسان وعلى مساحة تبلغ 16 كلم ليكون أكبر مرفأ يشاد في العالم وبكلفة 9,7 مليار دولار ويقع على "طريق الحرير البحري" ما قبل السويس. ويتوقع المراقبون اشادة المركز اللوجستي الصيني في خدمة التجارة مع غرب آسيا وشرق المتوسط وشمال افريقيا...
ومن السويس يتابع طريق الحرير البحري مجراه عبر جبل طارق إلى الأطلسي فبحر الشمال ليصل إلى هامبورغ "بوابة أوروبا" بالنسبة للصين. فهذا المرفأ ودولة المدينة يتمتع بثاني أكبر وأحدث محطة قطارات للنقل تصل من خلالها بضائع الصين الى كافة أرجاء أوروبا وبأسرع الأوقات.
وتمتلك الصين اليوم 7 من 10 اهم واكبر مرافئ بحرية في العالم، تنطلق منها حركة تجارية عالمية يصفها ممثل الشبيبة الساندينية: "انهم يريدون التجارة معنا فقط وليس احتلالنا بقوة السلاح كما فعل الاميركيون....."