تحقيق: ساندرا وهبي وجيني شليل بين مافيا المولّدات والماء المواطن الحلقة الأضعف
وكأنّ المواطن اللّبناني لا يكفيه كل ما يتحمّله من أعباء الحياة والغلاء المعيشي وغياب الاستقرار السياسي والأمني وما يستتبعه من حوادث خطف وقتل يومية كنتيجة طبيعية لهذا الغياب، ليجد نفسه مُثقلاً بأعباءٍ إضافية من المفترض ان تكون من الحقوق الأساسية الواجب تأمينها من قبل الدولة كـ" خدمات عامة ".
في لبنان الواقع يتغيّر، والبديهيات تصبح شبه مستحيلة عند الحديث عن الكهرباء أو المياه أو أي ملف خدماتي آخر حيث تقف الدولة عاجزة كأنها مُطالبة بانجاز مشروع نووي.
على الرغم من الوعود التي رُدِدَت على لسان كل الوزراء المتعاقبين على وزارة الطاقة والمياه على مدى 20 عاماً لكن الأزمة تزداد تفاقماً وتصبح شبه معدومة تزامناً مع كلّ موجة حرّ أو صقيع تضرب لبنان، فيصبح المواطن مضطراً للاشتراك في مولدات الكهرباء الخاصة، وشراء المياه وهنا تبلغ المأساة ذروتها حيث "مافيا أصحاب المولّدات وصهاريج المياه" يتحكمون بالأسعار.
أصحاب المولّدات عصابات تبسط سيرتها على الأحياء
تعاني ضواحي بيروت بشكل خاص من ظواهر احتيالية من قبل أصحاب المولّدات الخاصة تزامناً مع التقنين المتواصل والمكثّف للكهرباء، ووصول العجز في نسبة التغذية إلى نحو الـ 50 في المئة. مما جعل المواطن تحت رحمة هؤلاء الذين يشكّلون ما يشبه بـ"عصابات" تبسط سيطرتها على أحياءٍ بأكملها لمنع دخول أي منافس يجبرها على تخفيض تعرفتها، وبالتالي تبقى هي المحدّد الوحيد للكلفة كونها لا تُعير أي أهمية للتسعيرة الدورية التي تصدر عن وزارة الطاقة نتيجةً للإهمال وغياب التنسيق بين الوزارة نفسها والجهات الرقابية المسؤولة عن ملاحقة كل من يخالف التسعيرة الصادرة عنها.
وفي هذا الإطار لا بد من الإشارة الى التراجع الملحوظ لأسعار النفط العالمية الذي أدّى، وإن بنسبة ضئيلة، الى انخفاض أسعار المحروقات، "مافيا المولّدات" لم تعط لهذا الانخفاض أية أهمية مستفيدة من الغياب التّام للرقابة على عملها من جهة، وحاجة المشتركين الملحّة لخدماتها من جهة ثانية في ظل غياب الدولة.
وبين غياب الحلول الجدّية والفعّالة من قبل الدولة التي تتّبع سياسة المحاصصة وتقاسم الجبنة، والتمادي المتواصل من قبل أصحاب المولّدات المحميين من قبل بعض القوى النافذة، فإن المواطن اللبناني هو الضحيّة الذي يجبر على دفع فاتورة كهرباء "مضاعفة".
يشتكي غسّان من انقطاع التيّار الكهربائي عشرات المرّات خلال السّاعة الواحدة ما أدّى الى تلف بعض الأدوات الكهربائية، كما انه اضطّر الى زيادة "الامبيرات" لتشغيل البراد والتكييف نتيجة غياب التيار لحوالي الـ20 ساعة في النهار. صرخة أخرى من رفيق، أحد المواطنين الذين يعانون من السياسة الاستغلالية لأصحاب المولّدات والزيادة الشهرية التي يفرضونها "دون حسيب أو رقيب"، مطالباً بحل لهذه المشكلة بعيداً من توزيع الحصص والأرباح من قبل المسؤولين.
أمّا رنا التي عادت مؤخّراً الى لبنان تتحضّر للمغادرة من جديد، معتبرة ان الدولة اللبنانية ماضية في سياسة "تهشيل" المواطنين. بدوره أسِفَ سمير من المياه التي تذهب هدراً الى البحار من دون الاستفادة منها في توليد الطاقة الكهربائية وبأكلاف غير مرتفعة.
مؤشرات على حجم السمسرات وهدر المال العام
هنا لا بدّ من السّؤال: هل الدولة عاجزة فعلاً عن تأمين التيار الكهربائي، أم انّها تمارس سياسة المماطلة ووضع المشاريع الوهمية لضرب هذا القطاع وفرض خصخصته؟
يبدو أن الأمر كذلك، والمؤشرات على ذلك أنه كان يمكن للدولة أن تستعين بزيادة إنتاج البواخر بحوالي 100 ميغاوات، الى حين إصلاح الأعطال، مع العلم أن البواخر تؤمن حالياً 280 ميغاوات، وهي قادرة على إعطاء 400 ميغاوات عند الحاجة.
يذكر أن إنتاج الكهرباء الحالي يقدر بحوالي 1400 إلى 1500 ميغاوات، مع العلم أن الحاجة هي لحوالي 3100 ميغاوات في فترة الذروة، ومن المؤشرات على حجم السمسرات وتحكم المافيات في قطاع الكهرباء، تأخير تأهيل المجموعات في معملي الجية والذوق وتطويرها، بطاقة حوالي 80 ميغاوات لمعمل الجية وحوالي 130 ميغاوات لمعمل الذوق. الى جانب توقف العمل في إنشاء معمل دير عمار الجديد لأسباب خلافية بين الشركة القبرصية اليونانية، والدولة اللبنانية على موضوع احتساب ضريبة القيمة المضافة، وخلافات أخرى، مما أوقف عمليات بناء المعمل وطاقته حوالي 450 ميغاوات.
وبلغة الأرقام فإن عجز كهرباء لبنان يصل تقريباً الى2.1 مليار دولار سنوياً استناداً إلى كلفة موازنة كهرباء لبنان المقدرة في الأعوام الأخيرة بحوالي 4100 مليار ليرة. أما على مستوى إنتاج الكهرباء فإن أكثر من نصفه قائم على المازوت (أعلى كلفة إنتاج عالمياً) والنصف الآخر يعود إلى معامل ذات إنتاجية متدنية وأعمارها تجاوزت خمساً وعشرين سنة.
هذا التردّي في الإنتاج المحمي بالسياسات المتبعة، رفع ساعات التقنين، وزاد أعباء المواطنين وبالتالي انتعشت تجارة المولدات الخاصة، وتعدّدت الفواتير لتأمين الكهرباء، حيث وصل العبء الشهري لفاتورة الكهرباء، بين اشتراك المولّدات الخاصة وكهرباء الدولة، ما يتخطّى نصف الحد الأدنى للأجور، حسب تأكيدات المواطنين المشتركين بخمسة أمبير، وتصل الكلفة مع فاتورة شراء المياه للخدمة، ومياه الشرب إلى ما يتخطّى الحد الأدنى للأجور. مع الإشارة هنا إلى ان انقطاع الكهرباء يساهم في صعوبة نقل المياه، وجرّها إلى المنازل مما يزيد من كلفة المولدات.
وفواتير مضاعفة للمياه
أزمة المياه المتفاقمة باتت الشغل الشاغل للمواطن خاصة أننا في بلد صنف الثالث في غزارة المياه ناهيك عن ارتفاع معدل الأمطار المتساقطة شتاء الذي ارتفع معه منسوب المياه الجوفية ومع ذلك يدفع المواطن فواتير مضاعفة بين فواتير مصلحة المياه وفواتير شراء الماء الحر عبر الصهاريج. ولاستطلاع آراء المواطنين كان لنا مقابلات مع عينة من الناس للاستفسار عن أوضاعهم في ظل هذه الأزمة وكيفية التعامل معها؟
سعاد التي تكيفت مع الأزمة بعد أن أعلنت يأسها من المؤسسات السياسية التي وصفتها بمؤسسات الأموات فباتت تعتمد على شراء المياه بشكل دوري وإضافة جديدة على ميزان مدفوعاتها الشهرية.
في حين رأى مارك أن مشكلة المياه تتزامن مع وجود الكهرباء أو انقطاعها فما فائدة المياه إن لم تكن هناك طاقة كهربائية يمكن معها استجرار المياه لنقلها إلى الخزانات والبديل هو دفع 20 ألف مقابل جلب صهريج لملء خزان سعته متوسطة. لكن المفارقة الكبرى عندا أبو داني الذي عبر عن استيائه الشديد بسبب دفع فواتير مصلحة المياه في ظل انقطاع المياه أساسا عن بيوتهم.
إذا المواطن يستنزف دخله المحدود بكل الأشكال فبدلاً من دفع فاتورة واحدة لقاء خدمة المياه عليه أن يدفع فاتورة مضاعفة دون أن يكون له الحق بالسؤال عن مصدر تلك الصهاريج التي تجوب لبنان يومياً في ظل عدم توفر مياه الشرب والشفة.