ضيف العدد: د. أمين حطيط المخرج لصراع السياسيين حول الجيش وعليه
في حمأة التجاذبات السياسية لا بل الصراع السياسي في لبنان وصلت كرة النار إلى الجيش اللبناني، فبعد أن حالت استقالة الحكومة في العام 2013 دون تعين بديل لبعض أعضاء المجلس العسكري الذين بلغوا السن القانونية ومنهم قائد الجيش ورئيس الأركان، ما جعل وزير الدفاع يومها يقدم على خطوة تأجيل تسريحهما عملاً بالمادة 55 من قانون الدفاع الوطني، فقد حالت الصراعات السياسية دون أجراء هذه التعيينات بعد تشكيل الحكومة ثم تفاقم الوضع في المجلس العسكري بعد بلوغ أعضاء آخرين السن القانونية ودون مساواتهم بمن سبقهم و تأجيل تسريحهم ما أدى إلى نقص أعضاء المجلس العسكري إلى ثلاثة و فقدانه النصاب القانوي الذي يفترض أن يكون خمسة على الأقل.
لقد عالجت الحكومة المستقيلة الوضع الطارئ في المجلس العسكري بتطبيق نظرية الظروف الاستثنائية وأصدر رئيسها المستقيل وبالتفاهم مع رئيس الجمهورية ترخيصاً أو تعميماً يجيز للمجلس الاجتماع بثلاثة أعضاء لاستمرارية المرفق العام ريثما تنتهي الظروف الاستثنائية ويتم تعيين الأعضاء بالتعيين القانوني. ولكن ورغم زوال الظرف وتشكيل الحكومة وقيام السلطة التي يمكنها التعيين فقد أحجمت الحكومة الحالية عن التعيين وظل العمل بالظروف الاستثنائية قائماً واستمرار اجتماع المجلس بثلاثة أعضاء بدل خمس معمولاً به خلافاً للقانون. ولم يبادر وزير الدفاع الوطني المسؤول السياسي المباشر عن الموضوع إلى السير بعملية التعيين في المراكز الشاغرة رغم علمه بالمخالفة القانونية المتصلة باجتماع المجلس في غير النصاب القانوني لأن السلطة لا تستطيع أن تتذرع بظرف استثنائي أو قوة قاهرة كانت هي سبب وجوده بالامتناع عن التعيين.
ويبدو أن إحجام الحكومة عن مقاربة ملف التعيينات في المجلس العسكري مرده إلى سياسة كيدية تمارسها بعض مكونات الحكومة.
وحتى يكون الأمر محكماً ويقطع الطريق على العميد شامل روكز فقد لجئ إلى تأجيل تسريح قائد الجيش لسنة إضافية يكون خلالها العميد روكز قد أحيل على التقاعد لبلوغه السن القانونية في تشرين الأول المقبل، تم ذلك مع تأجيل تسريح العضوين الآخرين في المجلس العسكري وإهمال تعيين الأعضاء الثلاثة الشاغرة مناصبهم منذ أكثر من سنة، ودون اتخاذ أي تدبير لسد الشغور.
مع هذه التدابير الكيدية الانتقامية حاول البعض أجراء تسوية تتمثل بتعديل قانون الدفاع من شأنها جعل تأجيل تسريح قائد الجيش (التأجيل الحالي والسابق) أكثر انطباقاً على القانون وتحفظ للعميد روكز استمراره في الخدمة الفعلية بما يتيح له الترشح لمنصب قيادة الجيش بعد انتهاء السنة التي اجل تسريح قائد الجيش فيها تعديل يقضي برفع سن تقاعد الضباط لمدة 3 سنوات.
إن الحل المقترح نراه لا يخدم مصلحة الجيش، ثم انه حل يتعارض مع سياسة متبعة لدى الجيش للتخفيف من حجم الرتب العليا فيه بإعطاء حوافز للاستقالة المبكرة، كما انه في حال العمل به سيؤدي إلى إنتاج جيش من العمداء يضغط على الرتب الأدنى بما يخل بالثقة وبالمعنويات وحوافز الإنتاج.
وللدلالة على بعض مساوئه نقول إن وصول الضابط إلى رتبة عميد بعد 30 سنة خدمة فعلية وتركه في الخدمة بهذه الرتبة 13 سنة (في حال تطوع في سن ألـ 18 و بقي في الخدمة حتى سن 61 كما هو مقترح ) سيؤدي إلى تضخم العمداء بحيث يلامسون ألـ 1000 وهذا غير منطقي وغير مقبول في أي من جيوش العالم، ثم كيف نرد على الضباط الذين و منذ سنتين فقط دفعوا دفعاً للتقاعد المبكر مع حوافز بحجة أن الجيش لا يتسع لهم فكيف نوفق بين القرارين المتناقضين وما يكون الموقف القانوني والرسمي إذا اعترضوا على تدبير يناقض الحجج التي أخرجتهم؟
لكل ذلك فأننا لا نرى في رفع سن التقاعد للضباط حلاً موفقاً لمشكلة سياسية حادة، فالحل الأساس يكمن في تطبيق القانون أولاً وآخراً بعيداً عن أي كيدية، وإذا أراد السياسيون تسوية للمأزق القائم فيمكن اللجوء إلى القانون نفسه دون أن نكون بحاجة إلى أي تعديل له، تسوية تخدم هرمية الجيش وتحفظ له عنصر الشباب والفتوة، ولذلك فأننا نقترح الحل التالي:
أ. ترقية الضباط الممارسين لوظائف محددة إلى رتبة لواء وعددهم 19 بالإضافة إلى العماد قائد الجيش وهم: أعضاء المجلس العسكري.5 +1 نواب رئيس الأركان 4 ، قادة المناطق 5، قائدي القوى الجوية والبحرية 2. قادة المعاهد العسكرية 3
ب. تأجيل تسريح من لا يستغنى عنهم ولا يطالهم تدبير الترقية عملاً بالمادة 55 كما واستدعاء من يلزم من الاحتياط إذا كان الجيش بحاجة له.
ت. حصر الحق بالتعيين في منصب قائد الجيش بمن يحمل رتبة لواء حصراً.
وإذا عمل بهذا الحل، يمكن ترقية من يتم اختياره ليكون قائداً للجيش مستقبلًا ترقيته إلى رتبة لواء اليوم والحؤول دون أحالته على التقاعد لبلوغه السن القانون (لأنه سيربح سنة خدمة فعلية إضافية) وبذلك تعالج كل المسائل دفعة واحدة ويتم كشف كيدية الجهات المعرقلة التي ستضطر أما إلى القبول فتتعطل كيديتها أو إلى الرفض فيفتضح دورها التعطيلي.
وبعد هذا التدبير العاجل وفي مرحلة لاحقة يمكن تعديل قانون الدفاع الوطني وإصدار هيكلية الجيش وتحديد عدد الضباط في كل رتبة من الرتب وألا يصار إلى الترقية إلا في حدود المراكز الشاغرة كما هو معمول به في كل جيوش العالم وعندها يمكن خفض سن التقاعد بدل زيادتها لتصبح 55 للعقيد و56 للعميد و58 للواء 59 للعماد، مع إعادة النظر بمهل الترقية لتصبح خمس سنوات لكل الرتب، وعدم بقاء الضابط في موقعه وقيادته أكثر من أربع سنوات بما في ذلك جميع أعضاء المجلس العسكري.
أن هذا الحل برأينا يؤدي إلى عدالة ومساواة ورفع الظلم عن الضباط بما فيهم الضباط الموارنة هم 30% من ضباط الجيش حيث لا يمكن أن يصل أحدهم الآن إلى رتبة لواء بينما الضباط الدروز هم 6% من ضباط الجيش ويصل واحد منهم كل 3 سنوات إلى رتبة لواء. مثلاً من ألف ضابط لبناني يوجد 60 ضابط درزي عين واحد لواء ويوجد 300 ماروني منهم عماد كل 6 إلى 10 سنوات ولا يعين أحد منهم برتبة لواء. كما أن هذا الحل التكامل يؤدي إلى حفظ الكفاءات وترشيق الكادر وتحفيز الإنتاج والاستفادة من الخبرات والطاقات والتخلص من الأعباء الإضافية وقد يحد من تدخل السياسة في الجيش خاصة إذا اعتمدت في الترقية معايير صارمة لا يمكن تخطيها.