كلمة: موريس نهرا المنطقة أمام مرحلة وتحديات جديدة
بعد الاتفاق النووي مع إيران، تدخل منطقتنا مرحلة انتقالية جديدة، يبرز فيها بدء البحث عن ايقاف الحروب المشتعلة، والوصول إلى تسويات سياسية.
ولا يعني ذلك أن كل هذه الحروب بطابعها التدميري والدور الإرهابي فيها، كان مرتبطاً حصراً بالوصول إلى هذا الاتفاق. فالمشروع الأميركي المعروف للمنطقة، هو إقامة شرق أوسط جديد على أنقاض الكيانات التي أوجدها اتفاق سايكس – بيكو في نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1920.
وإذا ما شكل تشجيع واستخدام ظاهرة التطرف الديني والمذهبي في جانب منه، وسيلة أساسية لتطويق وإجهاض الانتفاضات الشعبية العربية، وتحويل صراعها مع سياسات أنظمة القمع والإفقار والتبعية، إلى انقسامات ونزاعات داخلية، فإن لاستخدام هذه القوى والتنظيمات الإرهابية ودعمها بالمال والسلاح، دوراً أشمل يخدم أهداف المخطط الأميركي - الصهيوني الأصلي، الرامي إلى تدمير البلدان العربية، دولاً وبنى تحتية، وإلى تمزيق نسيج مجتمعاتها، ومنع قيام أي دولة عربية على قاعدة متماسكة وصلبة، تكون قادرة أو مؤهلة للعب دور وطني وعربي مستقل ومؤثر. وبالتالي تدمير الرابط العربي والعروبة الحضارية التي تجمع الشعوب العربية، لاستبعاد الدافع التكاملي وحتى التضامني على الأقل، وطمس وتصفية حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه وكحلقة مركزية في الصراع العربي - الإسرائيلي ، فتتمادى إسرائيل في توسعها الاستيطاني وممارساتها الإرهابية، وإقامة دولتها العبرية الدينية. ويتمثل الهدف الأميركي الثابت في كل ذلك، بإخضاع المنطقة للهيمنة الأميركية المديدة ونهب ثرواتها، بدلاً من أن تستخدم هذه الثروات لتحقيق تنمية شاملة وملحة للشعوب العربية.
ويبدو أن التحرك الدبلوماسي المتواصل في المنطقة، وبخاصة لممثلي الولايات المتحدة وروسيا، واستخدام علاقات ونفوذ كل منهما مع الدول العربية ودول المنطقة، للبحث في معالجة الحالة المتفجرة في العديد من بلدان المنطقة، قد نجم من كون استمرار النزاعات والحروب يشكل مناخاً ملائماً لتنامي الإرهاب وتزايد خطر تنظيماته الذي بات يتعدى حدود استخدامها من جانب دوائر واشنطن وأتباعها، ليمتد إلى أبعد، حتى إلى من دعمها وساندها. لذلك نجد الآن بروز دافع روسي أساساً ثم قبول أميركي كما يظهر، للتفاهم على أولوية مناهضة وضرب قوى الإرهاب المتمثل "بداعش" وأخواتها، لتلافي خطر هذا الإرهاب وانتشاره. وخصوصاً أن مفاعيل دوره وإجرامه الوحشي باسم الدين والمذهب، قد أوجد الشروخ العميقة المطلوبة في المجتمع الذي جرت فيه هذه الممارسات مما يتيح تقسيم المقسم. وهذا ما كان في أساس مخطط إقامة الشرق الأوسط الجديد.
وإلى جانب الاتصالات الدبلوماسية الروسية والأميركية الناشطة، للبحث بمخارج وتهيئة تسويات سياسية، خصوصاً بشأن سوريا واليمن والعراق، لتنعكس بالتالي على لبنان الذي يمكث في خانة الانتظار، تنشط أيضاً الدول الإقليمية، خصوصاً السعودية وإيران وتركيا، ذات التأثير على الحروب المشتعلة على اختلاف مواقفها، لتكون طرفاً ولو ثانوياً، في طبخة التسويات أيضاً التي يجري إعدادها، ليحفظ كل منها مصلحته وما يمكن اكتسابه من نفوذ خارجها. وهذا ما لايمكن تجاهل تأثيره حتى من جانب ممثلي الدول الكبرى التي بقدر ما يتعزز تفاهمها ولو من مدخل أولوية مناهضة الإرهاب، بقدر ما تستطيع تحجيم مطامح الدول الإقليمية. علماً أن تسوية الملفات في المنطقة ليست منفصلة بل مترابطة ببعضها، وتتصل أيضاً بصياغة النظام الإقليمي الذي عملت وتعمل دوائر واشنطن لإقامته وفقاً لمخططها.
وفي غمرة البحث الجاري للوصول إلى تسويات، يكثر الحديث عن الصيغة اللبنانية واعتبارها نموذجاً قابلاً لتعميمه في "الحلول" المرتقبة، أي لإقامة أنظمة وسلطات على قاعدة حصص مذاهب وطوائف، وهو تقسيم مقنّع يتخذ شكل المحاصصة لمذاهب وطوائف وربما اثنيات، أو لجعل السلطة فيدرالية مكشوفة لدويلات تقام على أساس ديني ومذهبي و.. في حين أن ما أظهرته تجربة الصيغة اللبنانية، يثبت فشلها في بناء الوطن والدولة المتماسكة، والسلم الأهلي الراسخ، وحتى في تسيير آليات السلطة ودورها .. والحل الحقيقي في مواجهة هذه التحديات، خصوصاً في المجتمع المتعدد المكونات كلبنان وغيره، هو ببناء الدولة على أساس الديمقراطية والمواطنة وفصل الدين عن الدولة.