مع الحقيقة: سمير دياب البديل المنتظر
من أبغض الأمور أن تشعر أنك مأزوم، ومقيد الحركة، وأن لا فكاك لك من أزمة لا ناقة لك بها ولا جمل. والأفظع أن تغلق الباب أمام أحلامك للخروج من الأزمة.
فالأزمة ليست أزمة أفراد، ولا أزمة مؤسسات وتعيينات، ولا أزمة رئيس أو حكومة.. إنها أزمة نظام كامل من العلاقات التي تصنع القيادات السياسية السابقة أو القائمة.
إن مبدأ أي نظام، يقوم على علاقة السلطة بالمجتمع التي تتحدد بحاجة السلطة إلى الناس. حاجتها لأن تتجدد، وحاجتها لأن تستمر الثقة والتفويض، وتستمر معها القدرة على الحكم واتخاذ القرارات.
وعندما تنتفي هذه الحاجة، حاجة القيادة للناس يبدأ الإنحلال في السلطة. إما جنوحاً نحو الاستبداد والتسلط والفساد وإما فساداً واستهتاراً في الممارسة.
وأخطر الإنحلال هو ما يجد تعبيره في عدم إنتماء السلطة – أرباب النظام إلى المصالح الأساسية للوطن والمواطنين. منه ينبع الإستخفاف بالقضايا الكبرى، وفيه يولد سوء الإدارة وتتورم المصالح الفردية أو الفئوية، وتتعاظم الأنانيات وشعور المرجعية بأن السلطة المعطاة له ليست إلا وسيلة لتأبيد سيطرة سلالته، أو تكديس الكسب المادي عبر الإثراء غير المشروع.
نظام التمثيل الطائفي المعمول به عندنا لا يزال يشكل الفجوة بين الشعب والمراجع السياسية. فتمثيل الشعب هو تمثيل المنطقة، وحكم الوطن هو حكم الطائفة. القوي هو من يستميل أبناء طائفته أو مذهبه على أبناء الملل الأخرى، ولا زعيم إلا من يستطيع التحكم بطائفته ليحكم عبرها جزءاً من الوطن. وهكذا يصبح الوطن أجزاء لزعماء طائفيين يتقاسمون المغانم والمكارم. أما الناس فتدفع ديون الفساد والهدر وفوائدها. وفي هذا الركن تحديداً (الواجبات) تعترف الدولة الطائفية للمواطن بصفة المواطنة، أما في ركن الحقوق السياسية والاجتماعية فيخضع المواطن للقوانين الطائفية.
وعندما تعجز الطائفة عن فرض الأقوياء فيها على الآخرين ينفتح مجلس أعيانها على الخارج، الحاضر والمستعد للمساعدة بما توفر من عتاد ومال. فيتحول ولاءها الى الخارج من أجل تثبيت ما تعتبره حقاً داخلياً (الحصة - الشراكة) بأدوات خارجية بدل البحث عن الحلول الوطنية الضرورية مع أبناء الوطن.
يدرك أرباب النظام أن التمثيل الطائفي هو علة، وعلة تاريخية مولدة للأزمات والحروب. ومع ذلك لا يحيدون ولا يتراجعون، لا بل، يمسون أكثر تطرفاً وتشدداً للتمسك بالسلطة وبمفاصل الحياة السياسية والاقتصادية. يتلاعبون بالدستور والقوانين، ويفصلون مقاعد تناسب مصالحهم. لا ينظرون إلى الأزمة من وجهة نظر الناس ولا من معاناتهم اليومية، ولا يتأثرون بكوارث البيئة والصحة والنفايات والكهرباء والماء والايجارات والهجرة والبطالة والفقر، فهذه الأمور ليست من اختصاصهم بعد أن تم تلزيمها لشركاتهم.
الفراغ الرئاسي لا يؤثر على عملية التفاهمات، والتعطيل النيابي والحكومي لا يفسد في الود قضية. ولو غابت الدولة ومؤسساتها كلها، فالأمور ممسوكة على القاعدة الطائفية وأصولها وتحالفاتها القائمة بأبعادها الداخلية والخارجية. أما البدائل الوطنية فتكاد تكون غير مرئية قياساً لحجم الأزمة وعمقها.
ولأن المعركة جذرية وقاسية، فإن البديل الوطني يجب أن يكون مرئياً وجذرياً، وهذا يعني أن معركة التغيير الديمقراطي هي معركة وطنية جذرية شاملة. لأنها تخلق النظام البديل، نظام العلاقات السياسية والاقتصادية المختلفة في الجوهر. وأساسه:
التمثيل الحقيقي للمواطنين. حيث يتاح للجميع، وعلى قدم المساواة، أن يختاروا من يقود البلاد، وفق قانون انتخابي ديمقراطي يوفر هذه الفرصة، ويسهر على مصالح الناس.
تشريع حقوق المواطنة التي يحميها القانون، وهي الخطوة الضرورية المفقودة للتقدم نحو العدالة الاجتماعية.
نظام يقوم على بناء دولة وطنية ديمقراطية تستطيع أن تتخلص من التبعية أو الالتحاقية بالخارج، وتستطيع أن تُسخر العلاقات مع الخارج من أجل البناء الداخلي، في الاقتصاد والسياسة والثقافة والعلوم والتنمية .. وغيرها. وهي أولوية بناء عوامل الانتماء الوطني القادرة على التحكم بالتناقضات الطبيعية مع الخارج، وتغليب المصالح الوطنية العليا على المصالح الطائفية أو الفئوية. إنها الأساس لسد الفجوات الاجتماعية، وخلق التوازن الاجتماعي الذي يحفظ حق الفئات الشعبية المفقرة في الدفاع عن مصالحها وحقوقها ويضمن صيانة وحدتها وعناصر تطورها وتقدمها.
وهي الدولة التي تعرف كيف تدير مصالح الوطن وشعبه، والدفاع عنه، وعن استقلاله وسيادته وتوفر علاقات ندية مع الدول العربية الشقيقة ومع الخارج.
معركة التغيير الديمقراطي ليست مطلباً أمام النظام السياسي – الطائفي القائم. هي معركة الناس، هي معركة كل الفئات المظلومة والمقهورة من مختلف الشرائح الاجتماعية. لكن هذه الفئات التواقة للخلاص تنتظر من يشكل رأس حربة هذه المعركة، ويقود عملية هذا البديل الإنقاذي، البديل الذي يسير بهم خطوة إلى الأمام والأمل.
الظرف السياسي الراهن، على كل أمراضه وتعقيداته. لا يجب أن يثني قوى التغيير الديمقراطية عن التراجع أو التباطؤ لكسر حالة الفراغ السياسي والاجتماعي. فالفراغ من فوق (السلطة) ليس جديداً أو مستجداً، أما الفراغ من تحت (البديل)، إنما هو الفراغ المقلق الذي لا بد من تفعيله وتنشيطة وتنظيمه في الميدان مباشرة، الى جانب قضايا الناس وهمومهم. ففراغ السلطة طويل وأزمة النظام وصلت إلى مستويات كارثية لا تحتمل ولا تطاق.
كسر أبواب الصمت، وتشريع نوافذ أمل التغيير الديمقراطي، لا يوفرها سوى قوى سياسية ثورية جذرية شكلت رأس حربة المقاومة الوطنية من أجل التحرير، وعليها أن تشكل رأس حربة المعركة من أجل التغيير الديمقراطي دون تأخير. والشيوعي في المقدمة.