مؤتمر الحزب الشيوعي والحراك الشبابي العلماني علي غريب
"إن العقبة الأساسية، أمام تحقيق المجتمع اللبناني مجتمعاً عصرياً متحرراً من كل مظاهر التخلف، هي دون شك الطائفية، لا من حيث هي سمة النظام السياسي وحسب، بل أيضاً من حيث كونها ظاهرة سوسيولوجية وتاريخية شديدة الحضور في الوعي السائد وفي العلاقات الاجتماعية وان إلغاء الطائفية هو شرط ضروري لتحرير الممارسة السياسية والحياة الاجتماعية في البلاد من هذا القيد المتخلف."
من وثيقة الحزب الشيوعي اللبناني في مؤتمره السادس
هذا النص وضع على ضوء نقد التجربة النضالية التاريخية للحزب ولليسار عموماً بعد التعثر في عملية التغيير رغم كل التضحيات التي بذلت والإنجازات التي تحققت في القضيتين الوطنية والاجتماعية، بحيث كانت العلمانية ملحقاً ثانوياً في برامج اليسار الشيوعي الذي حصر الطائفية في البناء الفوقي بما هي "وعي زائف" في الوقت الذي تخترق فيه جميع مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية.
ويبدو أن أفضل من تعامل وتفاعل مع النص أعلاه هم شباب لبنان الراغبون في التغيير ومنهم شباب الحزب الشيوعي اللبناني، الذين ترجموا ذلك برفع شعار "إسقاط النظام الطائفي" بطرح تساؤل كبير، من أين الدخول إلى وطن حقيقي؟ انطلاقاً من:
أولاً: قلقهم على مستقبلهم ومستقبل الأجيال المقبلة، ومن رؤية تتعلق بمصير وطن يتناقص عدد أبنائه باستمرار بسبب انعدام فرص العمل والضائقة المعيشية والأخطر هي دورات الحروب الأهلية المتكررة.
ثانيا: قناعة بأن قوى التغيير في لبنان لم تعد محصورة بالطبقة العاملة، نظراً لواقعها وحجمها بل أضحت كل الفئات الخاضعة لعملية الأجر والاستغلال بمن فيهم العاطلون عن العمل هم أصحاب مصلحة في التغيير.
ثالثا: "تمرحل" العملية النضالية بتحديد أولوية بناء وطن ومواطنة بديلاً للنظام الطائفي السياسي الراهن.
ومن دون أدنى شك، أن الحراك الشبابي – العلماني بُني على قناعة بأن "العقبة الأساسية أمام بناء نظام متطور هي الطائفية" وأن الحروب الأهلية الدورية هي نتاج هذا النظام السياسي الطائفي، وبالتالي كيف يمكن للشعب أن يتقدم وللنظام القائم على المحاصصة والزبائنية أن يتطور ما دامت المذهبية والطائفية ليست "سمة النظام وحسب بل هي شديدة الحضور في الوعي السائد والعلاقات الاجتماعية" وكيف يمكن أن تقوم سيادة، وكل طائفة لها علاقاتها الخارجية، تستقوي "بخارجها" لحظة اختلال التوازن أو المحاصصة. والطبقة السياسية الحاكمة غير خائفة من التغيير بسبب "المتاريس" الطوائفية ورعاياها، من خلال زرع ثقافة الخوف من الآخر وإيهام بسطاء الطوائف بأن إسقاط النظام يؤدي إلى إسقاط الكنيسة والجامع والمعبد.
كما أن حملة شعار إسقاط النظام الطائفي استندت إلى قناعات سياسية انطلاقاً من أن البلد محكوم عليه بالتخلف الدائم والأزمات المتواصلة، وأن أقصى ما تطمح إليه الطبقة الحاكمة في ظل مأزقها وانقساماتها هي تشريع الفيدرالية الطوائفية عبر ما جرى التمهيد له في اتفاق "الدوحة" باعتماد ما يسمى الديمقراطية التوافقية والثلث المعطل...
وحينما يختلفون، يتقاتلون بفقراء طوائفهم، وحينما يتفقون، يدفع الفقراء ثمن اتفاقهم، وبالتالي تدفع الفئات الشعبية الثمن مرتين، مرة بالدماء، وأخرى بضيق سبل المعيشة والحياة والهجرة. هذه المرتكزات السياسية "للحراك" تشير إلى تحوّل في ثقافة ووعي شرائح واسعة من الشباب اللبناني، ارتقى إلى طرح شعار "إسقاط النظام الطائفي" هذا التحول ينبغي أن يكون مثار نقاش حقيقي داخل أحزاب التغيير، وإن كان بعضها كالحزب الشيوعي اللبناني داعماً له، بينما كانت أحزاب أخرى تحاول احتواءه تحسباً لنتائج غير متوقعة، والبعض الثالث واجهه بشدة عبر تجنيد القوى الدينية نفسها (خطابات الجوامع والكنائس) وصولاً إلى وسائل إعلام 8 و14 (آذار).
وفي واقع الأمر فقد أثار هذا الحراك بعد تصاعد المؤيدين له عبر المسيرات والمظاهرات التي تعدت 25 ألفاً من الفئات والطبقات الاجتماعية المتعددة، الذعر والمخاوف في أوساط الطبقة الحاكمة، وكان الأكثر تعبيراً عن تلك المخاوف ما ظهر في حركة بعض السفراء لاستقصاء حجم التحرك وأهدافه وحدود قدرته على التغيير أو على شلّ البلد لاسيما أنه تزامن مع الانتفاضات والثورات الشعبية العربية. ويبدو أن بعض قادة هذا "الحراك" يتابعون لقاءاتهم عبر ورش العمل، لتجديد نشاطهم، في ظل الظروف الاجتماعية الصعبة والمخاطر الوطنية الداهمة ونقمة عامة عند الناس، لم ترق إلى حالة التمرد بعد.
إن التصدي لهذا الوضع، هو مسؤولية كل قوى التغيير ومن ضمنها "الحراك الشبابي" من أجل وضع برنامج تتكامل فيه جميع جوانب النضال وفئاته الاجتماعية. إن وضعاً كالوضع اللبناني الراهن الذي تقوده طبقة سياسية قائمة على شراكة بين الرأسماليين وأمراء الطوائف، أدت إلى تعطيل مؤسساته الدستورية، وإلى رهن البلد للخارج، وانتشار البطالة بين العمال وخريجي الجامعات وصولاً إلى الهجرة المستمرة للشعب وللمؤسسات الصناعية في ظل هذا النظام أصبحت الطوائف، ممراً إجبارياً إلى المستقبل لأن فرص العمل محصورة إما في مؤسسات الدولة، وهذه لا قدرة للوصول إليها إلا عبر "كوتا" زعماء الطوائف وإما في مؤسسات الطوائف نفسها وهذه محصورة بمحازبيها.
هذا الواقع يفرض أن تتكامل جهود قوى التغيير في برنامج موحّد يحوّل هواجس الشباب ونقمة الفئات الشعبية إلى انتفاضات تعطي النضال الوطني والاجتماعي زخماً سياسياً يجعلها قادرة على الحضور وفعل التغيير. فهل يتصدى مؤتمر الحزب الشيوعي لهذه المهمة عبر برنامج يؤكد على:
أ- إسقاط النظام السياسي الطائفي والدعوة إلى مؤتمر وطني تأسيسي يؤدي إلى بناء دولة علمانية عادلة ومواطنة حقيقية.
ب- توسيع الإطار النقابي الديمقراطي المستقل، ليشمل كافة النقابات والمهن الحرة والمعلمين والطلاب... ووضع برامج مطلبية خاصة لأن مواجهة الطائفية وتحقيق المطالب هي مهمات متلازمة، كون الطبقية والطائفية في الممارسة السياسية وجهان لنظام سياسي واحد.
ج- تشكيل جبهة واسعة من التجمعات الطلابية الجامعية والجمعيات العلمانية إضافة إلى الأطر النقابية الديمقراطية المستقلة وأحزاب التغيير غير المنخرطة في طرفي الانقسامات المذهبية والسلطوية.
والأمل أن يخرج الحزب الشيوعي من أزمته، وهذا مرهون بقدرته على صياغة برنامج واقعي، وجمع كل قوى التغيير لإسقاط هذا النظام.
والأمل برفاقنا الشباب أن يستمروا في حمل الراية وبحضور قيادي وازن، من الذين لم يسيروا في ركب "مثقفي السلطة والسلطان" ولا بنظرية "الرأسمالية نهاية التاريخ" ولا بثقافة "دعونا نعيش" لاسيما أنهم لا يأتون من فراغ، بل وراءهم حزب له تاريخ عظيم وانجازات وتضحيات في القضيتين الوطنية والاجتماعية يفاخر بها كل شيوعي ووطني في بلادنا. وسيبقى له دور نضالي حاضراً ومستقبلاً.