دولي: غسان صليبا اسبانيا: مزيد من الفقر ومن الفروقات الاجتماعية
رغم أن الحكومة الأسبانية منذ أكثر من سنة، تردد في وسائل الإعلام بأن أسبانيا قد خرجت من الأزمة وبأنها دخلت مرحلة النمو الاقتصادي، فإن الوقائع تثبت العكس. فالدراسات والتقارير، حتى الحكومية منها، تؤكد ارتفاع نسبة الفقر والفروقات الاجتماعية. حيث أسبانيا على قمة لائحة الدول الأوروبية من ناحية الفروق الاجتماعية، حسب تقرير اوروستات لعام 2014، وحسب مؤشر جيني GINI الذي يضع أسبانيا في الدرجة الثانية على صعيد أوروبا من ناحية الفروقات الاجتماعية، ما بعد لتوانيا.
التقرير الأخير الصادر عن المؤسسة الوطنية للإحصاءات، في 26 أيار 2015، يؤكد على نسبة ارتفاع الفقر بشكل مأساوي وخاصة بين الأطفال ما تحت 16 سنة. حسب هذه الإحصاءات، فأن معدل الفقر بين الأسبان وصل إلى 22% أي بزيادة 2% عن العام السابق. أما الفقر لمن هم ما دون 16 سنة وصل إلى ما يزيد عن 30%، ووفقاً للمصدر عينه فإن 16% من العائلات راتبهم لا يكفيهم حتى آخر الشهر و42% لا يمكنهم مواجهة أي مصروف غير متوقع.
المؤسف في تقرير المؤسسة الوطنية للإحصاءات أنه لا يتطرق إلى نسبة الفقر بين النساء، ولكن حسب تقرير صادر عن مؤسسة FOESSA التابعة لكريتاس عن الفقر بين النساء، تثبت بأن النسبة تزداد ما بين النساء تحت سن 30 سنة وما فوق 65 سنة، وحسب مؤشر الفروقات بين الرجل والمرأة IEG يضع أسبانيا في المرتبة 30، مع تراجع في السنوات الأخيرة حاولي 20 نقطة { الهبوط من 10 إلى 30}.
ولكن الواقع أكثر مأساوية من المؤشرات الأخيرة التي أعطتها المؤسسة الوطنية للإحصاءات، ففي السنوات السابقة كان يحدد معدل الفقر على أساس المدخول العائلي ما دون 8400 يورو سنوياً، أما التقرير الأخير حدد معدل الفقر من ناحية المدخول العائلي ما دون 7900 يورو سنوياً، وعلى الرغم من هذا التغير نرى أن نسبة الفقر زادت 2%. أما المؤشر المعتمد على الصعيد الأوروبي AROPE الذي يُعتمد في الإستراتجية لعام 2020 لمحو الفقر، فإنه يرفع نسبة الفقر في أسبانيا إلى 29% والى 35% لمن هم ما دون 16 سنة.
الفقر والفروقات الاجتماعية نتيجة السياسة الاقتصادية والاجتماعية
هدا الوضع المأساوي الذي تعيشه أسبانيا ليس نتيجة غضب رباني، بل نتيجة للسياسة الاقتصادية والاجتماعية المتبعة لصالح كبار أصحاب الأموال والبنوك، سياسة تصفية التقديمات الاجتماعية، خصخصة الخدمات العامة وبسبب التغيرات في قوانين العمل، هذة التغيرات سببت المزيد من البطالة، وعدم الاستقرار وهبوط في الرواتب. نتيجة التغيرات في قوانين العمل، نجد للمرة الأولى فقراء من نوع جديد، أشخاص يعملون مع أجور منخفضة، رواتب ما دون الحد الأدنى للأجور وغير كافية لتأمين الحاجات الأساسية. هذه السياسة المتبعة ضد الأغلبية الساحقة من الشعب الأسباني، تقابلها سياسة غض النظر عن الاحتيال الضريبي، الذي يصل إلى ما قيمته 59000 مليون يورو سنوياً، 72% من التهرب والاحتيال الضريبي تقوم به الشركات الكبيرة وكبار الأغنياء.
لمحاربة الفقر والفروقات الاجتماعية من الضروري تغيير جذري في السياسة المتبعة
في بادئ الأمر، يجب تغيير المنطق السياسي، بدلاً عن سياسة إنقاذ الرأسمال الكبير، يجب إتباع سياسة تعطي الأولوية للناس، لصالح الناس، سياسة تضع من الأولويات تأمين كرامة الناس، قدرتهم الذاتية والمساواة في الفرص على جميع الأصعدة - تطلب الإرادة والتدابير منها على المدى المتوسط والطويل ومنها بشكل طارئ - من هذه التدابير مثلاً: محاربة الاحتيال والتهرب من الضرائب، قانون جديد للضرائب عادل، تضامني وتصاعدي، إلغاء التعديلات الأخيرة على قانون العمل، المساواة على صعيد الأجور بين المرأة والرجل، خلق فرص عمل نوعية، ثابتة ومع أجور تضمن العيش الكريم، الإقرار بمدخول مؤمن للمواطن، محاربة الفقر بين الأطفال، دعم مادي للعائلات، نظام تعليمي يؤمن المساواة ويلعب دور الرافعة الاجتماعية في وجه الفقر الوراثي عن تأمين مجانية التعليم في كل المراحل ومنها الجامعية، تأمين السكن والطاقة من كهرباء، غاز وماء، تأمين الغذاء الصحيح للجميع، واستعادة مجانية التطبيب والأدوية.
هذه سياسة من الممكن تحقيقها، وهي ضرورية وعاجلة. يجب أن تكون السياسة لخدمة الناس، لا يمكن تبرير أي سياسة تسبب بأن يكون هناك أطفال بدون غذاء، بدون مسكن، بدون كهرباء، غاز وماء.