ضيف العدد: إبراهيم بيرم هل تطيح الأزمة المستجدة بالتفاهم على "الاستقرار" و"حكومة تصريف الأعمال"؟
كان ثمة من يراهن على إمكان ان يكون حوار عين التينة بين "حزب الله" و"المستقبل" باباً يحول دون جنوح الأوضاع في لبنان نحو التأزم الملامس حدوداً خطيرة، واستطراداً كان يؤمل أن يكون هذا الحوار المستمر منذ نحو ستة أشهر ناظماً للأمور وضابطاً للتطورات في انتظار لحظات يتوقع ان تؤسس لحلول معينة.
لكن التأزم السياسي الأخير والذي فتح أبوابه رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون باشتراطه ان يكون في أية جلسة لمجلس الوزراء بند التعيينات الأمنية، وهو ما أفضى الى شلل حكومي مفتوح على المزيد من التعقيدات، أظهر ان تصادم المصالح وتضارب الرؤى بين الأطراف أكبر من ان يستوعبه حوار بين الطرفين الأساسيين في الساحة، وأعقد من ان يفكفك حلقاته تصميم على ادامة هذا الحوار.
في الظاهر ان التأزم سببه الأساس رغبة عارمة من رئيس أكبر كتلة نيابية مسيحية في تحقيق انجاز يكون تعويضاً عن حلمه التاريخي بالرئاسة الأولى، وهو تسمية صهره على رأس قيادة الجيش التي ستشغر في أيلول المقبل، مستنداً بطبيعة الحال على دعم كامل من شريكه في ورقة التفاهم "حزب الله".
لكن في المضمون، ثمة ما هو أعمق وأبعد وبالتحديد ثمة حزمة أسباب وعناصر تحول دون انفتاح مغاليق الأبواب على تسويات للعديد من الملفات المتراكمة وفي مقدمها مسألة التعيينات الأمنية.
ثمة في "التيار الوطني الحر" من يلقي المسؤولية الأولى على الفريق الآخر أي على فريق 14 آذار وعلى وجه الخصوص العمود الفقري لهذا الفريق وهو تيار "المستقبل"، انطلاقاً من ان هذا الفريق يتصلب لا بل يتخلى عن تعهدات كان أعطاها سابقاً لمعالجة المستجدات الطارئة كلما استشعر ان ثمة تراجعاً ميدانياً لقوات النظام في سوريا، ووجد تقدماً ميدانياً للمعارضات على غرار ما حصل في الشهرين الماضيين، بانتظار ساعة آتية تنقلب فيها الأوراق والأوضاع رأساً على عقب وتكون لها حسابات أخرى مختلفة.
هذا الاعتقاد يفتح عند الذين يتبنونه ويبنون عليه على سجل من التجارب السابقة تثبت بالنسبة لهم صحة ما يذهبون اليه، وتؤكد لهم أيضاً ان ثمة كلمة سر إقليمية لدى هذا الفريق عنوانها العريض الإحجام عن المضي قدماً في أي تسويات وحلول، وإبقاء الوضع على ما هو عليه في انتظار مآل الأوضاع في المنطقة برمتها بدءاً من باب المندب مروراً بالعراق وسوريا وصولاً الى القلمون وجرود عرسال، فضلاً عن القنيطرة والسويداء في الجنوب السوري، ولا سيما بعدما عادت الى كواليس هذا الفريق نظرية ان عمر النظام في سوريا أوشك على الايناع وان ساعة قطافه آتية لا ريب فيها.
وعليه، فإن أصحاب هذا الاعتقاد شرعوا في بناء حساباتهم على أسس مغايرة تماماً، وهي إشعار هذا الفريق بأن رهاناته ليست بالضرورة دقيقة من جهة، وانهم لن يقفوا مكتوفين، بل سيمضون قدماً في حراك سياسي واستطراداً في إضراب سياسي يصل الى حدود شل مجلس الوزراء آخر سلطة تعمل في الدولة على نحو يشعر معه الفريق إياه بأنه لا يلعب في ساحة خالية، وان ثمة من يرصده ويترصده ويجيد لعبة الرد عليه ويأخذه في اليد التي تؤلمه.
انها إذن في رأي بعض العارفين ببواطن الأمور لعبة عض الأصابع في انتظار من سيطلق "الاخ" الموجعة أولاً وخصوصاً ان فريق 14 آذار يرد أيضاً بحملة مضادة من عناوينها العريضة:
- تحميل الطرف الآخر (التيار الوطني الحر وحزب الله) تبعات ما ينتج عن التعطيل والشلل الحكومي من ترد اقتصادي واجتماعي وسياسي وأمني.
- يتكئ هذا الفريق على موقف يعتبره متعقلاً اتخذه رئيس مجلس النواب نبيه بري عندما أعلن صراحة ان وزيريه سيشاركان في جلسات مجلس الوزراء ليؤمنا ميثاقية هذه الجلسات وهو رأي يكشف عن معارضة تامة لنهج حليفه "حزب الله" وحليف حليفه التيار الوطني الحر.
- الاعلان يومياً ان رئيس الحكومة تمام سلام يوشك ان يدعو الى جلسة للحكومة بعدما انسدت السبل أمام الاتصالات الرامية الى حل العقدة وان ما من شيء دستوري أو قانوني يمنع الدعوة أو يقلل من أهمية القرارات التي ستصدر عن هذه الجلسات.
ولم يعد مفاجئاً ان الطرف عينه يدرج كل هذه الأمور في خانة ممارسة التهويل والضغط المعنوي من جانب الفريق الآخر، لذا فهو ماض قدماً في الخطوات التي بدأها قبل أسابيع.
وعليه أمام هذا المشهد التصعيدي حيث لا مؤشرات عن إمكان ادراج بند التعيينات على جدول أعمال مجلس الوزراء، وحيث ان سلام سيدعو بين يوم وآخر الى جلسة عادية للحكومة، فإن باب الاحتمالات مفتوح على مزيد من التعقيد، الأمر الذي سيطرح شكوكاً حول نظرية سادت منذ فترة ليست بالقصيرة، جوهرها ان ثمة أمرين في لبنان الأول: شبكة أمان تؤمن الاستقرار الأمني، والثاني: حكومة تصريف أعمال تقر الممكن المتفق عليه، وترجئ المختلف عليه أي انها حكومة إدارة للأزمة.
وعليه أيضاً يصح القول القديم إن النظام اللبناني هو تاريخياً "ولادة أزمات".