الفساد جزء مكون من النظام السياسي اللبناني والمعالجة الحقيقية بتغييره د. خالد حدادة
ليس في الأمر مبالغة، إذا سجلنا أن إغتيال ـ إعدام، الشهيد الكبير فرج الله الحلو، في مثل هذه الأيام، من قبل جهاز المخابرات التابع "للجمهورية العربية المتحدة" حينها، سواء كان بمعرفة من المسؤولين أم من وراء ظهورهم، كان مؤشراً أولياً وخافتاً، لما اتجهت إليه الأمور في منطقتنا اليوم. وهنا لا نعني انحيازاً "فئوياً" لقائد شيوعي لبناني وعربي، بل بالأساس اغتيال لقائد شيوعي، حمل هم بناء حركة تقدمية عربية من نوع جديد، أي بمعنى آخر إعطاء بعد اجتماعي واشتراكي حقيقي لحركة الاستقلال الوطني في العالم العربي وللحركة القومية الناهضة بعد اغتصاب فلسطين ضمن إطار المشروع الاستعماري البريطاني ـ الفرنسي، المتصل باتفاق سايكس ـ بيكو الأول وبإكتشاف الثروة النفطية ومصادرتها بالتآمر ما بين الاستعمار وآل سعود ومشايخ الخليج.
وبهذا المعنى، فهو إن عبر أو لم يعبر صراحة، كان يدعو لتفاعل مبدع ما بين الحركة القومية الناهضة، والفكر الماركسي والحركة الشيوعية التي تعطي هذه الحركة بعديها الديمقراطي والاجتماعي. هذا الاتجاه لاقى معارضة، بالأساس من قبل الحركة القومية، التي كان البعد "الشوفيني" والديني وبالتالي نتيجة قيادة البرجوازية الصغيرة، لها بعدها الاجتماعي المتردد، وكذلك من بعض الشيوعيين العرب، الذين عجزوا أيضاً عن تقديم هذا الإطار من التفاعل بين حركتين يفترض أنهما متفقتين حول بعد أساسي هو التحرر من الاستعمار ومواجهة الكيان الصهيوني والسعي لإستعادة الثروة العربية..
إن اغتيال فرج الله، وبالتالي اغتيال هذه التحولات الثورية في الحركة الشيوعية العربية وسيادة النهج اليميني في قيادة حركة التحرر العربية، أجّلت تبلور هذا الاتجاه عقداً كاملاً من الزمن، كلفت العرب كثيراً وبشكل خاص، كلفتها هزيمة 1967 وزيادة وزن دول النفط في القرار العربي وبالتالي تقدم دور الولايات المتحدة الأميركية في الحياة السياسية والاقتصادية في العالم العربي.
نعم إن اغتيال هذا القائد المبدع، أجلّ تبلور الحالة التفاعلية، عقداً كاملاً بانتظار المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي اللبناني، وبإنتظار الإتجاه اليساري في المقاومة الفلسطينية والذي قاده جورج حبش والكثير من القادة الفلسطينيين وبشكل أساسي بانتظار، النهج التقدمي الجديد الذي حسمه عبد الناصر بعد النكسة. وطبعاً ما يدعو للألم ان هذه المرحلة كانت قصيرة، فإنها أتت بفعل تطورات ما بعد 1967 وموت عبد الناصر وبالتالي غرق حركة التحرر الوطني بأزمتها، في ظل قيادة يمينية اتجهت أكثر فأكثر نحو التبعية الاقتصادية وفيما بعد السياسية (اتفاقات الاستسلام) وبشكل خاص في ظل الرهاب من الجماهير والاتجاه للقمع.
بهذا المعنى نعزز إعتقادنا، بأن اغتيال "فرج الله" كان مؤشراً خافتاً للمرحلة الحالية، التي يتكرس فيها المشروع الأميركي التفتيتي لمنطقتنا بالتكامل والتآمر مع الدول الرجعية العربية والإقليمية ويتكرس فيها واقع الانقسام المذهبي، بديلاً عن الصراع مع العدو الصهيوني..
* * *
الجانب الآخر من هذا الفكر، هو ما يتمثل بالنظرة للنظام السياسي الطائفي في لبنان.
لم نعد بحاجة لما يثبت فساد هذا النظام وأربابه. ولم نعد بحاجة لمحاججة البعض لنا، بمحاولة التمييز الصعبة بين القوى السياسية الطائفية، خصوصاً فيما خص حقوق الشعب اللبناني والحياة الديمقراطية.
لم يعد جديداً ان نسمع كل يوم أخبار الفساد، فالفساد جزء مكون من النظام السياسي اللبناني، وتعمق أكثر في نظام الطائف وما بعده.
الفساد في السجون وتجاهل حقوق المساجين الانسانية، تبدأ من البناء الى الاستغلال المتعدد الاشكال، وصولاً الى الاعتداء الجسدي المقلد للمرشد الأميركي في "غوانتنامو" و "ابو غريب" والمكرر اليوم في العالم العربي، في سجون مخابراته كما عند "داعش" وأخواتها.
والفساد هنا ليس فردياً، بل يطال المسؤولين والوزراء الذين يحاولون الاستفادة من ألم المسجونين وقهرهم في صراعاتهم الداخلية، وحتى الحزبية منها.
والى هذا الفساد، تضاف صفحات ويكيليكس السعودية، المعطوفة على شقيقتها الكبرى الأميركية والتي ان عمّمت على دول وسفارات اخرى، سوف لن نجد "شريفاً" في شركاء الحكم في هذا البلد. المؤلم هنا ان المتهمين، لا يستحون بل يظهرون على الشاشات بكامل أناقتهم وبأبتساماتهم المعرفة وكأن شيئاً لم يكن ويتحدثون عن العفة.
كيف لا يضحكون وقسم كبير منهم، ارتكب جريمة الخيانة الوطنية والتبعية للخارج وجددت لهم البيعة في إطار هذا النظام.
كيف لا يضحكون وهم قد رهنوا قرار البلد، ليس للخارج فقط بل للبرجوازية الداخلية يحكمون باسمها ولمصلحتها، على حساب الفقراء و "الرعية"، كما جرى بقضية سلسلة الرتب والرواتب...
كيف لا يضحكون ولا أحد يحاسبهم على اللعب بمصير الجنود وحياتهم، ولا يحاسبون على سمسرة بلغت 40% من صفقة لم تتم بعد...
كيف لا يضحكون وهم أكلوا الاموال العامة والاملاك البرية والبحرية لحساب شركات عقارية، اعتمدت الرشوة والفساد في تمرير قوانينها بواسطة نواب، ارتضى معظمهم ان يكونوا جزءاً من هذا الفساد وإلاّ لن يكونوا....
الفساد موجود في كل العالم، ويطال كل الأنظمة، ولكن بمعظمه يبقى على المستوى الفردي أما عندنا، فنظامنا هو بطبيعته نظام فساد.
فساد على المستوى الوطي وتبرير الخيانة وإعتبارها حق في معالجة "الخوف" من الآخر..
فساد على المستوى الإجتماعي وتبرير تحاصص مقدرات البلد على حساب الفقراء فساد على المستوى السياسي، من خلال الإصرار على نظام الحروب الأهلية المتتابعة والمستدامة. نظام حكم تحالف بين ممثلي الأقليات والتي وصلت بهم اليوم، وهم يعترفون بأزمة "نظامهم" المدمر للمؤسسات، الى طرح انقاذ "نظامهم" عبر تعميق منطق الانقسام والتفتيت، إما بالتمسك بهذا النظام عند البعض او بالهروب الى النموذج الأسوأ فيه بتكريس الكيانات والكانتونات المذهبية والطائفية، التي لن تكون إلا رديفاً للكيانات الدينية في المنطقة وبشكل خاص الكيان الصهيوني، وتستدعي حمايته كما العادة .
الفساد في لبنان هو "قيمة" أولى من قيم النظام الطائفي. وبالتالي إن مواجهة هذا الفساد، على طريقة الوزير أبو فاعور والوزير علي حسن خليل ومحاسبة رجال الأمن في قضية "رومية"، هي ايجابية ولكنها تبقى معالجة فولوكلورية وتساهم في تغطية العلاج الحقيقي، المتمثل فقط بتغيير هذا النظام وبناء النظام الديمقراطي العلماني، الذي يعيد الفساد الى طابعه الفردي.