افتتاحية النداء 265/ بقلم د. خالد حدادة
بقاء الأوطان في بناء مشروع وطني ديمقراطي
وواجب حزبنا الوطني الدفاع عن ارضنا واهلنا ضد الخطر الإرهابي والخارجي
افتتاحية النداء 265/ بقلم د. خالد حدادة
الفترة التي نعيشها، ربما هي من أكثر الفترات تسارعاً والتباساً، في الوقت عينه، وكذلك كثافة الأحداث ونوعها، بما يعني الوضع اللبناني وعلاقته بتطورات المنطقة وسوريا تحديداً...
ربما أكثرها ايجابية واستحقاقاً للبدء به، هو نتائج الانتخابات التركية، والتي عدا عن الصفعات التي وجهتها لأردوغان وحزبه، والانتصارات التي سجلها أكراد تركيا وكل شعوبها المضطهدة وفئاتها الاجتماعية الأكثر فقراً والتي يطرح، حزب الشعوب الديمقراطي، نفسه ممثلاً لها، وهذا ما لم نستوحيه من الصحافة والخطابات العلنية، بل ما لمسناه مباشرة في لقائنا مع رئيس الحزب الشاب.
الأهم في هذا الحدث، هو بدء انهيار حصن هام، من حصون الهجمة المضادة التي شنت عل شعوبنا العربية وانتفاضاتها. فبعد الانهيار السريع لمرسي وحركة النهضة تباعاً في مصر وتونس ومأزق الفريق السابق في قطر، والمعاناة التي تعيشها العائلة المالكة السعودية، خصوصاً بعد عدوانها المجرم على الشعب اليمني...
بعد ذلك يأتي دور، القطب الرئيسي في هذه الهجمة المضادة التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية، ونعني به اردوغان وحزبه المنتمي الى ما اسماه "اوباما" في تحديده لتحالفاته الشرق أوسطية "بالإسلام المعتدل"..
الملاحظ في هذا الإطار، هو إمكانية أن يتبلور في هذه المنطقة، اتجاه ديمقراطي، له مفهوم متقدم من نضال كل قطر ونمط جديد من الفهم للعروبة التقدمية، نمطاً يبتعد عن الحس الشوفيني والدلالات الدينية الحصرية، لتأخذ العلاقة المتوازنة بين المنتمين، كمواطنين وليس رعايا.
والملاحظة السريعة التي يمكن أن نعطيها، دون أن ندعي حصرية هذه الملاحظات، هي أن تقدم المشروع الأميركي في المنطقة، لا يعني انتصاره، بل يعني بشكل أساسي غياب مشروع المواجهة البديل، غياب هذا المشروع الذي يترك الفراغ، الذي تتصارع لملئه التيارات الدينية بتعددها وكذلك التيارات المرتبطة بالمشروع الأميركي على قاعدة التبعية السياسية والاقتصادية للبرجوازية للنظام الرأسمالي، الذي تتعمق أزمته يوماً بعد يوم.
الجانب الثاني من عجقة التطورات، ما له علاقة بالوضع السوري بأبعاده الأمنية والسياسية.
كثافة في الأحداث الأمنية، المتناقضة النتائج، وفي الأحداث السياسية المتمثلة بكثافة الاتصالات، وتعدد المؤتمرات والممتدة من روسيا إلى جنيف والقاهرة واستانا.. وكلها مؤتمرات، تعكس عمق الأزمة التي تتعرض لها سوريا وخطورة الاحتمالات المطروحة أمامها وكذلك تعكس التخبط الذي تعيشه كل القوى، النظام وحلفاءه، كما المعارضة وما يعنينا منها المعارضة الوطنية والديمقراطية تحديداً...
بغض النظر عن التمنيات، لا بد من الاعتراف بأن التوازن العسكري الموجود بين النظام وحلفائه من جهة، وبين القوى المسلحة المعارضة وبشكل خاص القوى الإرهابية المدعومة مباشرة أو بالتواطؤ من قبل الولايات المتحدة والغرب وملوك الخليج وتركيا وهو توازن مدمر حتى الآن ولا يشير بحسم الصراع العسكري لأي طرف من الاطراف، وينذر بمزيد من الدمار وتراكم عدد الشهداء والضحايا خصوصاً بين المدنيين السوريين، أطفالاً وشيوخاً ونساء. وكذلك مزيداً من الدمار الذي يصيب مؤسسات الدولة السورية وبشكل رئيسي الجيش السوري، بما ينذر بتكرار مأساة العراق وتجربته.. والحقيقة المثبتة في هذا الصراع، هو التبعثر وليس الانقسام، في جغرافيا الانتصارات والانتصارات المضادة، بما يطرح مزيداً من الاحتمالات الخطيرة على الوضع السوري وتالياً الوضع العربي بشكل عام وتحديداً لبنان..
أخطر ما في الجانب السياسي، أن المفاوضات الحقيقية حول مصير سوريا تجري، بمعزل عن القوى السورية ذاتها، وهي اليوم حصراً في يد الدول الإقليمية وفي أروقة المفاوضات الدولية.
وإذا ذهبنا أكثر في الصراحة، فإن قوى المعارضة المسلحة قسمان، الأول هو المشروع الديني الارهابي، الذي يبدو في الظاهر انه حراك فاشي "مستقل"، هو في الحقيقة وجه معبر عن أزمة الرأسمال العالمي، الذي يجد تجلياته في صعود هذه القوى اليمينية المتطرفة في أوروبا وفي صعود الاتجاه الإرهابي في منطقتنا وهو تكرار خطير لمرحلة الحرب العالمية الثانية باعتبار الفاشية هي الحل التي تلجأ له البرجوازية العالمية لتجاوز أزماتها في أوروبا كما في الشرق، مهما تعددت الأساليب وأشكال العمل، من العمل اللين في الغرب الى الارهاب المسلح والاجرامي في منطقتنا والذي يستكمل مشروع اعادة تنظيم المنطقة على قاعدة انشاء الدويلات الدينية المتصارعة، المبررة لوجود الكيان الصهيوني والحامية لمصالح الولايات المتحدة، والمساهمة بتجاوز النيوليبرالية لأزمتها العالمية؛ أما القسم الثاني من المعارضة، فهو جبهة وطنية حقيقية، لمواجهة خطر الإرهاب ونتائج الأزمة. يستمر في تجاهل ان هنالك شريحة واسعة من الشعب السوري وقواه الاجتماعية والسياسية، مهمشة ومعطلة وغير منخرطة في خطة المواجهة وهي ترفض استعمال السلاح كأساس للحل السياسي الداخلي، كما ترفض التدخل الخارجي وتدعو إلى مواجهة الإرهاب.
النظام في هذا الجانب، مستمر في طرق باب الحل السهل. أي انه عوض العمل المجدي والصعب في انتاج حالة مواجهة سورية حقيقية تتطلب تنازلات منه لصالح شعبه، يستسهل الاتكال على الدعم الخارجي الآتي من إيران والعراق ولبنان. هذا الدعم الذي وإن ساهم في تحسين شروط التوازن العسكري ولكنه حتماً غير قادر على استكمال المواجهة وإذا تحدثنا بصراحة أكثر هو في بعض اوجههه يلاقيها على مسافة معينة من طريق الحروب المذهبية والطائفية.
وليس النظام وحده المتمسك بنهجه الخاطىء في التعاطي مع المرحلة الحالية من الأزمة. بل ان قوى المعارضة الوطنية والديمقراطية، تشتت قواها وتتعارض وتتصارع على جلد دب، صعب الاصطياد، وتتنقل في مؤتمراتها في فنادق العواصم المختلفة والرهانات المختلفة وللأسف التمويل المتعدد.
إن استمرار النظام والمعارضة الديمقراطية، في المراهنة على الخارج لخلق موازين قوى جديدة، مع استمرار المعارضة المسلحة بالارتهان للقرار والمشروع الأميركي - الخليجي سيدفع سوريا إلى خيارات صعبة وخطيرة. وهذه الخيارات بدأت تطرح بشكل أو بآخر في المحادثات الدولية. وهي تتراوح ما بين التقسيم الواضح (العودة الى الخارطة الفرنسية التي دفع الشعب السوري المئات من الشهداء من أجل إسقاطها)، أو إلى توازن دولي (وليس داخلي) يدفع باتجاه حل على طريقة الطائف اللبناني، يقسم النفوذ والصلاحيات على الطوائف ومنها الرئاسات الثلاث والأخطر حالة التفتيت والتآكل، مما يفسح المجال لانشاء الدويلات والإمارات الطائفية والمذهبية والعرقية.
إننا نرى أن الوقت قد حان، لطرح مهمة بناء"الجبهة الوطنية للمواجهة" التي تستنفر طاقات سوريا المتوافرة والكبيرة، من أجل مواجهة المشروع الأميركي وتجلياته من العدو الصهيوني الى القوى الارهابية، مشروع تتقاطع فيه الدولة مع قوى المعارضة الوطنية ويهدف للحفاظ على سوريا، ووحدة أراضيها ودولتها وجيشها على قاعدة التغيير الديمقراطي والعدالة ومواجهة الفساد والإرهاب والتدخل الخارجي.
إن غياب العمل الموحد والفاعل لليسار السوري، في الدولة وخارجها، هو أحد موانع قيام مثل هذه الجبهة. ولذلك فإننا من موقعنا عملنا وسنبقى نعمل من أجل لقاء، لقوى اليسار على قاعدة المواجهة يشكل جسراً لبناء جبهة المواجهة الديمقراطية، على قاعدة واسعة يتمثل فيها الجميع بما فيها القوى المشتركة اليوم في المواجهة ولو على قاعدة مشروع مختلف.
*****
تبقى كلمات قليلة. شهدنا في الأيام الماضية وتعليقاً على صورة لشباب من حزبنا، استغراباً مختلطاً مع اتهامات وتشويه لمواقف الحزب.. لا يسعنا التعليق إلا أننا نستغرب هذا الاستغراب سواء كان بحسن نية أو بسوئها على الأغلب.
إن موقف الحزب حيال الخطر الإرهابي في البقاع، وربما لاحقاً في غير منطقة من لبنان، يجد جذوره مع نشأة الحزب وتكونه، كحزب وطني مقاوم من أجل الأرض ومن أجل الشعب وحقوقه ومن أجل التغيير في بلدنا.
والموقف الأخير بالذات أعلنا عنه في مناسبات كثيرة ومنذ أشهر، ففي الإطار السياسي، نحن نعتبر الخطر الإرهابي على قرانا وأهلنا يعادل الخطر الصهيوني الذي واجهناه، يوم كنا في كامل قوتنا، وحين أصبحنا في الموقع المحاصر. ولذلك وبعيداً عن الصورة، نعم كما دعونا وندعو لمواجهة الصهاينة فنحن دعونا رفاقنا للانخراط بكل أشكال الدفاع عن القرى والأهالي خلف الجيش اللبناني ومعه ومع كل القوى المستعدة للمواجهة وبشكل خاص مع الأهالي.
أما القضايا المتعلقة بالتحضيرات الميدانية واللوجستية فإننا نطمئن الجميع أن الحزبمستعد من دون ارتهان ودون التحاق بأي مشروع غير المشروع الوطني الديمقراطي. وبذلك أيضاً سعينا ونسعى لانخراط رفاقنا في عملية تأمين التواصل بين الأهالي في كل قرى المنطقة، ومنع اللعب على الوتر المذهبي وحشد كل امكانيات الصمود الشعبي وذلك كوننا القوة الأبرز القادرة على نسج هذا التواصل وهذا الإطار.
واجبنا أخذ هذا الموقع ولغيرنا الاستغراب الذي لن يمنعنا عن لعب دورنا ولن يخوفنا من تهمة الالتحاق فنحن ندعو للمواجهة والدفاع عن حدودنا وأهلنا، وتاريخنا وحاضرنا يثبت اننا حزب ديمقراطي وطني ومستقل، لا يخجل بالتقاطع حول قضية مواجهة الخطر الخارجي وغير قابل للابتلاع.