عربي التوافق حول قوانين الانتخابات في مصر حسين عبد الرازق
لم يواجه إصدار قانون في مصر ما واجهه "قانون انتخابات مجلس النواب" ومعه "قانون تقسيم الدوائر" من عثرات ومشاكل.
وتعود بداية القضية إلى تشكيل اللجنة المنوط بها صياغة هذه القوانين، وهي اللجنة التي شكلها رئيس مجلس الوزراء في أكتوبر العام الماضي 2014 ، والتي ضمت شخصيات حكومية تفتقر غالباً لأي رؤية سياسية أو خبرة حقيقية بقوانين الانتخابات ومشاكلها في مصر، بدءاً برئيسها المستشار إبراهيم الهنيدي وزير العدالة الانتقالية ومجلس النواب والتي تتركز خبرته في نيابات أمن الدولة ونيابة الشؤون المالية، مروراً بأعضائها وعلى رأسهم مستشار رئيس مجلس الوزراء للشؤون الأمنية والانتخابات "وهو لواء شرطة"، ومساعد وزير الداخلية لقطاع الشؤون القانونية (لواء شرطة)، وممثل لوزارة التنمية المحلية، وصولاً إلى أستاذين جامعيين أحدهما أستاذ قانون دستوري والآخر أستاذ قانون عام.
وغاب عن اللجنة أهم عنصر وهم ممثلو الأحزاب والقوى السياسية، بحكم أن الانتخابات النيابية تتعلق أساساً بهذه الأحزاب التي تتنافس في هذه الانتخابات طارحة برامجها التي ستعمل على تنفيذها في حال حصول الحزب أو التحالف الحزبي على الأغلبية وتشكيل الحكومة، خاصة والدستور الجديد ينص بوضوح على أن يقوم النظام السياسي على أساس التعددية الحزبية.
وانتهت اللجنة من صياغة هذه القوانين "قانون مباشرة الحقوق السياسية، قانون انتخابات مجلس النواب، قانون تقسيم الدوائر" متجاهلة كل الملاحظات والاعتراضات التي طُرحت من الأحزاب، وأساتذة القانون، وخبراء الانتخابات من عدم دستورية بعض مواد هذه القوانين.
ولجأ بعض المعترضين للطعن على هذه المواد أمام القضاء الإداري ومن ثم أمام المحكمة الدستورية العليا، لتصدر المحكمة الدستورية في أول مارس 2015 حكمها ببطلان المادة الثالثة من قانون تقسيم الدوائر، ثم تصدر حكماً ثانياً في 7 مارس بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة الثامنة بقانون مجلس النواب والخاصة بمنع مزدوجي الجنسية من الترشح لانتخابات مجلس النواب.
ووقعت السلطات الحاكمة في مصر في خطأ أخر، عندما عهدت إلى نفس اللجنة التي ارتكبت هذه الأخطاء وتورطت في صياغة فوانين بها عوار دستوري، بإعادة صياغة هذه القوانين.
وأمام ضغوط الأحزاب والإعلام والرأي العام عقدت اللجنة جلسات استماع لممثلي الأحزاب وعشرات ممن أُطلق عليهم شخصيات عامة، رفضت خلالها مناقشة النظام الانتخابي الفردي الذي اعتمدته (80% دوائر فردية و20% قائمة للفئات التي تمييزها ايجابياً في الدستور)، وهو النظام الذي تكاد تجمع الأحزاب على رفضه حيث يؤدي في مصر إلى برلمان يهيمن عليه أصحاب الملايين والعصبيات العائلية والقبلية والعشائرية، مما يعيد إنتاج برلمانات ما قبل ثورة 25 يناير 2011.
ومرة أخرى لم تنصت اللجنة إلى ما قيل حول مشاريع القوانين بعد تعديلها استجابة لحكم المحكمة الدستورية العليا، من وجود عوار دستوري في مواد لم تطرح سابقاً على المحكمة ويمكن الطعن عليها مجدداً ، خاصة أن القانون يخل بالمساواة بين المواطنين، حيث ينتخب الناخبون في بعض الدوائر نائباً واحداً وفي دوائر أخرى نائبين أو ثلاثة أو أربعة.
كذلك فهذه القوانين تفتقر إلى التوافق المجتمعي عليها، وهو الشرط الأساسي لسريان القانون واستقراره.
وتطالب عدد من الأحزاب الرئيسية الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يملك إلى جانب رئاسته للسلطة التنفيذية سلطة التشريع حتى يتم انتخاب مجلس النواب، تطالبه بعدم التوقيع على مشاريع القوانين التي عدلتها اللجنة، وتشكيل لجنة أخرى تضم 4 يمثلون التيارات الحزبية الأساسية (الليبراليون ــ اليساريون ــ القوميون ــ تيارات الإسلام السياسي) و4 يمثلون الحكم و3 من أساتذة القانون الدستوري والنظم الانتخابية والمحليات.
وهكذا أصبحت الكرة الآن في ملعب الرئيس، الذي سيتحمل أمام الرأي العام مسؤولية ما يتخذه من قرار في هذه القضية الشائكة.