67 عاماً على النكبة .. وفلسطين تنتظر - هيئة التحرير
أن يقاوم شعب فلسطين المحتل الصهيوني على مدى 67 عاما، دون كلل أو تراجع لهو شعب يليق بفلسطين.
وأن يستمر هذا الشعب في تناقض مع سلطته اللاهثة وراء سلام مع عدو لا يريد السلام بطبيعة تكوينه وعقيدته وممارساته والأهم وظيفته في فلسطين والمنطقة لهو شعب يستحق فلسطين.
نكبة فلسطين، يعني إقتلاع شعب أصيل من أرضه وإحلال بديل سرطاني بديلا عنه، وفق خطة إمبريالية إستعمارية إستراتيجية محكمة، نجحت لحد الآن في حماية كل الممارسات الهمجية للكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، وتغطيه جرائمه في المحافل الدولية، وتطويع القوانين الدولية لمصلتحة. حيث تراه يسترسل في توسعه وإستيطانه وإرتكاب المجزرة تلو المجزرة بأبشع صورها، لإنه يدرك تماما إنه مدعوم بقوة من الإمبريالية الاميركية وكل الحلقات الدائرة في فلكها. ولأنه يدرك أن الإنقسام الوطني الفلسطيني أضعف من ردعه، وأن ما يسمى بالأمة العربية غافلة عن فلسطين بسبب إنشغالها بحروبها الداخلية أو بصراعاتها الطائفية والمذهبية والقبلية والاثنية لأنظمة متهالكة تشكل حملاً ثقيلاً على فلسطين.
لكن ما يدركه العدو ويخاف منه لا يتأتى من أنظمة عربية خبرتها، أو من سلطة فلسطينية عجنت خميرتها، إنما تخاف من إنتفاضة الشعب الفلسطيني، ومن مقاومتة الوطنية. يعني الخوف من إستعادة وهج القضية لفرضها على جدول أعمال العالم الغائب عن فلسطين.
67 عاما على النكبة، تتطلب مجدداً إعادة النظر في أسبابها وفي إسترايجية المواجهة، لسببين:
أولهما لأن الكيان الصهيوني لم يتبدل، ولم يغير سياسته العدوانية تجاه قضية وحقوق الشعب الفلسطيني، كذلك تجاه محيطه العربي، فتراه يترصد لضرب وإفشال تطلعات عربية إستقلالية وتنموية ووحدوية، ما يشكل أساساً للقول إن حاضر الصراع ينطوي على حروب مؤجلة، وطالما بقيت التناقضات قائمة يعني أن الحروب مفتوحة. واللافت أن التطرف الصهيوني آخذ في الإنزياح ورفض كل ما يطرح من تنازلات فلسطينية بما في ذلك الإنسحاب الى حدود عام 67، ويرفض وقف الزحف الاستيطاني التوسعي، ويعد القدس بشطريها عاصمة أبدية له، ويغلق الباب أمام حق عودة اللاجئين إلى ديارهم. ثانيهما، فيتمثل في عضوية العلاقة بين الامبريالية الاميركية والكيان الصهيوني، وهي علاقة تحالف بنيوية، لم تتغير رغم بعض التكتيكات التباينية التي تخدم مصلحتهما المشتركة. هذا يعني أن العدوانية صفة ملاصقة للمشروع الصهيوني، بينما لم تصل الضغوط الأميركية إلى حدّ تضطر فيه "إسرائيل" إلى إعادة النظر في توسعيتها وعدوانيتها والوصول حتى الى حل وسط أو حل تاريخي، بل هي تسحب تجربتها في التطهير العرقي في مناطق الـ 48 على مناطق الـ 67.
لذا، من الطبيعي أن تبقى الهوية الوطنية التحررية متأججة في الوعي الفلسطيني، وهي المستندة إلى خبرة عقود من الكفاح. والصراع مع العدو الصهيوني مصيري، وسيبقى، وما هدف العدو الأساس من وراء إبرام "اتفاق أوسلو" إيجاد حل للقضية، إنما إدارة الصراع، وفق دينامية تفكيكية للشعب الفلسطيني وإختزال قضيته، وتصفية حقوقه المشروعة. وما مسيرة أكثر من عقدين من المفاوضات إلا مضيعة للوقت، وإستنزاف لقدرات الشعب الفلسطيني، بدليل نتائجه الكارثية على القضية. أما ما يقال عن "مرحلة انتقالية" على طريق إقامة دولة فلسطينية وتطبيق القرار الدولي 194 المتعلق بعودة اللاجئين فمجرد أوهام. إذ ثمة اليوم أغلبية "يهودية" في "القدس الشرقية"، وأقل من مليون مستوطن في الضفة، عدا ما اقتطعه جدار الفصل، أما الوعد الاميركي بدولة فلسطينية " قابلة للحياة" فإنه، كذر الرماد في العيون،لا يعني سوى حكم لمربع صغير ذاتي تتم مقايضته بحق العودة، حسبما تؤكد وقائع ميزان القوى القائم في ظل التفكك الوطني الفلسطيني والتسوية الجارية.
أما ما يشاع عن فرضية تراجع أهمية "إسرائيل" بالنسبة للإدارة الاميركية، إرتباطاً بفرضية أن الأخيرة بصدد "الانسحاب من المنطقة"، فهذا هو العهر السياسي بعينه، إذ رغم اتساع علاقات واشنطن مع "الشرق الأقصى"، ورغم انسحابها القسري من معظم القارة اللاتينية نتيجة المد اليساري، فإن نشاطها في المنطقة عبر مشروع الشرق الأوسط الجديد، حاضر بقوة، من خلال إفتعال الحروب والصراعات الطائفية والمذهبية والعرقية على انواعها، وتوليد الاصوليات الإرهابية، لأهمية المنطقة الإستراتيجية، وما تحويه من نسبة من إحتياط النفط والغاز، ومنافذ مائية، وسوق لبيع الاسلحة... ما يعني أن الكيان الاسرائيلي كان وما يزال يشكل "المصلحة الحيوية" للإستعمار الامبريالي الجديد. حتى ولو تم إنشاء قواعد عسكرية في المنطقة وتهافت بعض الدول الاقليمية كتركيا، ورجعية عربية كالسعودية وقطر للمساندة في لعب هذا الدور.
أما عن أن "إسرائيل" تواجه، بعد 67 عاماً على إنشائها، مأزقاً بنيوياً إستراتيجياً أنجبه فائض الطموح والأطماع والأهداف، فأمر صحيح لا شك فيه، لكن تعميق هذا المأزق إلى الحد الذي يضطر قادتها إلى الاعتراف بحدود قوتهم بمعناها الشامل، والقبول بتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بالصراع، وليس التفاوض عليها، يتطلب تغييراً جذرياً في إستراتيجية إدارة الصراع، عبر التخلي عن خيار مفاوضات "عملية السلام"، واستعادة خيار المقاومة بأشكالها، في إطار مشروع فلسطيني وعربي تحرري شامل، بوصفها "القضية الأم – المركزية، التي تشكل أنبل قضية لحق شعب في أرضه ووطنه أسوة بباقي شعوب العالم.
لكن هذا الأمر يتطلب من جهة ثانية الشروع في إنهاء حالة الشللية والإنقسام في الجسم الفلسطيني، الأمر الذي يدعم جذوة النضال الوطني ويحصنها، وما يعزز اللحمة الوطنية ويدفع المسيرة الكفاحية قدما عبر خيار الوحدة والمقاومة كسبيل وحيد لإستعادة نبض الثورة، وبعث روح شهدائها، وهو الخيار الذي يعيد إشعال إنتفاضة "ثالثة" بوزن انتفاضتي 1987 و2000. فالشعب الفلسطيني ومقاومته هما الجواب الحاضر أبداً في الصمود والنضال التضحيات. وليس البحث عن أجوبه في صناديق جامعة الدول العربية الرجعية، أو في وعود الأمم المتحدة الأبليسية، ولا عبر طبخة بحص المفاوضات الفاشلة . فالعدو الصهيوني لم يرحم شعبنا الفلسطيني، ولم يتراجع عن استباحة الارض وطرد ما تبقى من أهلنا في فلسطين لإقامة دولته اليهودية العنصرية.
لم يعد جائزاً البحث عن حجج لتغطية مسار المساومات، فالصراع يأخذ مناحي تدحض كل الاجتهادات المراهنة على عملية السلام، أو على تحقيق شيء ما من هذه المفاوضات، التي تدار بأسم مصلحة الشعب الفلسطيني ومن أجل حل عادل لقضيته. ويصح المثل هنا (لو بدها تشتي كانت غيمت)، وحدها الغيوم الصهيونية السوداء تجتاح فلسطين وتفتك بشعبها. أما تبديد هذه الغيوم فيجب أن تكون على قدر ما يستحق هذا الشعب الصابر الصامد المقاوم: في وحدة وطنية فلسطينية ضرورية، وفي إستعادة الدور لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفي وضع خارطة طريق المقاومة الموصلة الى تحرير فلسطين، والى حق العودة لشعب نصفه لاجئ في مخيمات البؤس الداخلية والعربية، والمنتشر على مدار كوكب الأرض. لكنه شعب طموح، يتقن تسليم الراية من جيل الى آخر. شعب يقاوم بإرادته وعزيمته ولحمه الحي، ولن يستسلم، بل سيبقى شعبا صلبا، صامداً، مناضلا ومقاوما حتى تحرير كامل أرضه وبناء دولته الوطنية الديمقراطية المستقلة وعاصمتها القدس.
لقد أعطى الشعب الفلسطيني الدروس التاريخية في معنى الكفاح والمقاومة لقضيته، فهل تستفيد قيادات السلطة الفلسطينية من هذه الدروس وهي الأولى، كما إستفاد شعبنا ومقاومته في لبنان، وحقق نصره التاريخي ضد العدو الصهيوني ذاته، دون قيد أو شرط منذ 15 عاماً...!