مع الحقيقة: سمير دياب حصاد المقاومة.. تحرير
صباح 25 أيار من العام 2000، صباح ولادة الوطن من جديد، صباح حصاد المقاومة في التحرير.
صباح الموعد دائماً، ونحن لا نخون موعداً لك، ولا يخوننا الطريق اليك، ولا يضللنا طريق آخر مسدود عنك، في تكوين فرح المساواة والعدالة الاجتماعية والتقدم.
صباح التاريخ الشاهد الذي لا يكذب، ولا يستطيع قناع ما أن يخفي طويلاً شهادة الحق والنضال والكرامة التي هي شهادتك.. حيث زرعنا مقاومة وطنية في 16 أيلول من العام 1982، وأسقيناها شهداء أبطال من كل الوطن، فأعطتنا الى جانب المقاومة الإسلامية انتصاراً عظيماً، وتحريراً مشرفاً لكل الوطن.
لقد كبر الوطن بمقاومته ضد العدو الصهيوني المحتل، وكبرت هي بشعبها. ونلنا الفرح العظيم، بعد حزن كبير. لكن بقدر ما هو الفرح عظيم إلا أن الوطن مريض، معلول بطائفيته، ومذهبيته، وفراغه القاتل، وغياب دولتة الوطنية الجامعة لهذا الفرح، والراعية لهذا الإنتصار عبر شد أزر السلم الأهلي، الوحدة الوطنية، والتنمية الشاملة، الكفيلة بصد ومواجهة كل المخاطر المحدقة بالوطن من العدو الصهيوني ذاته الذي دحرناه، أو من أدوات الجماعات الأصولية الإرهابية الدائرة في فلك مشروع الاستعمار الامبريالي الجديد.
توكيدنا لخيار المقاومة، هو توليد لقوتنا الوطنية، وهو تأكيد على أهمية تحصين خيار شعبنا المقاوم، لتحقيق إنجاز التحرر السياسي والاجتماعي. وهو مشروع ثوري له علاقته العضوية المباشرة بالمقاومة، ما زلنا نفتقد إليه، لحاجته على كافة المستويات. فمواجهة تداعيات الهجمة الإمبريالية وأعوانها وأذيالها، تحتاج بالضرورة الى هذا المشروع الثوري بقواه الوطنية والديمقراطية من النهر الى البحر. هو مشروع تقدمي ضد مشروع استعماري غرضه ضرب مقاومتنا وصمودنا، وتقسيم أرضنا، وتفتيت شعوبنا الى كيانات متقاتلة، ونهب أرزاقنا وثرواتنا. المشروع الاستعماري يأتينا بأوجه مختلفة، يبحث دائماً عن نقاط ضعفنا وتناقضاتنا ليدخل منها، وفيها، لتحقيق مصالحه وأهدافه. هذه وظيفته، وهو يقوم بوظيفته، ويحمّلنا أوجه أزماته البنيوية، بافتعال الحروب والصراعات الأهلية وخلق أدواته التي تساعده في تحقيق مصالحه الاستعمارية.
اليوم، بعد 15 سنة على التحرير، نعيش أزمة وطنية شاملة، وأزمة نظام سياسي – طائفي تجاوزت كل الحدود، حيث الإنقسامات الطائفية تنهش من فقر وجوع وبطالة شعبنا، وحيث الكانتونات المذهبية بمؤسساتها وجامعاتها ومدارسها وأحزابها وصلت الى ذروة الإنغلاق والتعصب المذهبي، فيما السلطات المقررة الراعية لذلك منهكمة في توزيع حصص التعيينات الفئوية والطائفية، غير آبهة بالحاجيات الضرورية للناس من أجور وسكن وسلسلة رتب ورواتب وطبابة وتعليم ورقابة على غول النهب والفساد الذي يسرح ويمرح على مداه. وحدهما، قانون الإيجارات التهجيري وقانون السير السوبر عالمي، هما الإنجازان الرائعان لمجلس يمدد لنفسه، لا حياة فيه، ولا رجاء منه.
جيل ما بعد إنتصار التحرير يحترق، كما أحترقت أجيال قبله. أجيالنا ماتت مراراً ثم عاشت مراراً، وانتصرت مراراً، ثم هو الآن، في لحظة إحتراق بفعل السرطان الطائفي، والثقافة الطائفية التي تحاول تضليل أجيالنا بالتفريق بين النضال الوطني والاجتماعي، وإعطاء الصراع بعداً سياسياً طائفياً خالياً من بعده الطبقي، وهذا يشكل تحطيماً لما تحقق إنجازه، وطمساً لحقيقة الصراع، وهو في حقيقة الأمر موقف لفكر برجوازي ناجم عن موقعه الطبقي يمثل نقيض مصلحة المجتمع، ونقيض تحرر شعبنا من قيود الإستغلال السياسي والاجتماعي والطائفية والتبعية.
في لبنان، لم نعرف سوى المنعطات الحاسمة، ونحن نعيشها قلباً وقالباً، في داخل الوطن أو على الحدود، فالخلايا السرطانية الصهيونية والأصولية الإرهابية تتربص بنا، والطائفية والمذهبية تنهش فينا. وطريق إنتصارنا الأكيد يتمثل في دفع المشروع الوطني الديمقراطي المقاوم قدماً، لتحصين المقاومة ورفدها بالقوة والمناعة الوطنيتين، وفي تعزيز مسيرة السلم الوطني والغاء الطائفية، وإجراء الإصلاحات الوطنية اللازمة لتغذية عوامل المشروع في وحدة لبنان وعروبته وتطوره الديمقراطي.
الصراع مع مشروع الشرق الأوسط الجديد طويل، ومخاضه عسير، فإما أن تولد حركة تحرر وطني عربية شاملة من رحم المقاومة وإنجازاتها في لبنان، ومن رحم انتفاضات الشعب الفلسطيني ومقاومته، وثورات الحياة والكرامة والتغيير لشعوب المنطقة. وإما أن تبقى شعوبنا وإنتصاراتنا معروضه للبيع في سوق المصالح الإقليمية والدولية، التي تغتال الجذور المتأصلة بحب شعوبنا للحياة والحرية والديمقراطية .. والتي تغتال بؤرة ضوء المقاومة المشتعلة وحدها، في ترابنا الوطني وسط ظلام المنهج السياسي الطائفي المطبق على الوطن والشعب.
******
شعبنا الذي عاش ومات، بين الحزن الكبير والفرح العظيم، مرة وراء مرة. ومقاومتنا التي ولدت مرة وراء مرة، وحققت نصرها التاريخي المجيد. هي الخيار الوحيد في معركة المصير الوطني من أجل إنبعاث وطني جديد، لصناعة تاريخ فرح جديد، بإستكمال التحرير وإحداث التغيير الديمقراطي.
من كان من جلدة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، ومن أبنائها وأحفادها، لا يخشى المستحيل، ولا ينتظر إحلال الطائفي البديل. هذه المهام أمانة في أعناقنا من قافلة شهداء المقاومة والثقافة والفكر والنضال الديمقراطي الذين سقطوا على درب التحرير. وهي مسؤولية حزب المقاومة والتغيير في نضاله لبعث فرح الحياة لفقراء الوطن من أجل صناعة التغيير الديمقراطي.
*****
صباح أطياف كل المقاومين، الشهداء والأحياء. صباح كل من ساهم في صناعة هذا الفجر العظيم..
منّا إليكم، ومنكم إلى فلسطين. صباح فجر فلسطين.