الحدث: مصطفى العاملي - لبنان يعيش حالة من الانكشاف السياسي والأمني ومخاوف من انتقال معركة القلمون الى الداخل
ثمة تساؤلات خطيرة تطرح حول مستقبل الوضع في لبنان، في ضوء الانكشاف السياسي الشامل فيه بفعل تعطل مؤسساته الدستورية من جهة، والانقسام الحاصل بين قواه المتصارعة على السلطة من جهة ثانية.
ويزيد من خطورة هذا الواقع، التطورات المتسارعة التي تجري في عدد من الدول العربية، وتنعكس عليه بشكل مباشر، وبالأخص في سوريا، وأضيف اليها مؤخراً الحرب التي تشن على اليمن التي زادت في تعميق الخلافات بين قطبي الثامن والرابع عشر من آذار، أي "حزب الله" و "تيار المستقبل"، اللذين يمارسان على أرض لبنان حرباً كلامية تحت سقف الحوار المذهبي الثنائي بينهما على أمل أن يساعد في تخفيف الاحتقان وايجاد الحد الأدني من القواسم المشتركة التي من شأنها منع فلتان الوضع في البلد، لا سيما وأن عوامل عدة تساعد على ذلك، في غياب أية حاضنة دولية قادرة على ضبط الأمور ولو بالحد الأدنى.
اذاً، ومع مرور سنة كاملة على الفراغ في رئاسة الجمهورية، يعيش لبنان حالة من انعدام الوزن، خصوصاً على المستوى السياسي، بعد أن تعطلت المؤسسات وبات مجلس الوزراء موجوداً في الشكل فقط، حيث أن اجتماعاته باتت من دون نتيجة عملياً، وإن كان قد تمكن خلال الفترة الماضية من تدوير الزوايا بين مكوناته وعلى قاعدة المحاصصة، تم اجراء بعض التعيينات الإدارية، وبعضها بضغط خارجي، مثل لجنة الرقابة على المصارف.
وعدا ذلك، "نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً"، مجلس الوزراء يجتمع أسبوعياً، وأحياناً أكثر من مرة، والنتيجة المزيد من المماحكة بين الوزراء، بينما رئيس الحكومة، تمام سلام، وحرصاً منه على تجنب انفجار المجلس من الداخل، يتحاشى طرح أي ملف خلافي، مع مواظبته على قراءة التعويذة في بداية كل جلسة ويدعو فيها الى انتخاب رئيس للجمهورية.
أما المجلس النيابي الممدد لنفسه، فالوضع أسوأ فهو عاجز عن عقد جلسة تشريعية واحدة لإقرار عدد من اقتراحات ومشاريع القوانين، ولو تحت عنوان "تشريع الضرورة"، بعد أن اختارت بعض القوى السياسية ان يكون المجلس النيابي حلبة للمصارعة من اجل انتخاب رئيس للجمهورية وربما للمزايدة فقط، باعتبار ان هؤلاء يدركون انه ليس المكان المناسب لخوض غمار هذا الاستحقاق، مع انه يفترض ان يكون المكان الوحيد لذلك، فالاستحقاق الرئاسي في لبنان يدخل في اطار "الاختصاصات الخارجية"، والمشكلة ان لبنان في هذه المرحلة ليس موجوداً في الأولويات الإقليمية والدولية، المنصبة حالياً على متابعة وليس معالجة "البؤر الساخنة" في المنطقة، وهذا ما يلمسه المسؤولون اللبنانيون خلال زياراتهم ولقاءاتهم في الخارج، حيث لم يسمع أي منهم ما يوحي بأن لبنان اليوم على أجندة هذا المسؤول الدولي أو ذاك، لا بل ان بعضهم يستغرب كيف ان هذا البلد الصغير ما زال محافظاً على هذا الكم من الاستقرار الأمني مع انتشار الحرائق من حوله؟ ونقلاً عن دبلوماسي اوروبي قوله:"اليوم الانظار الاوروبية متجهة الى ما يجري في اليمن ثم سوريا وليس هناك ما يدعو الى القلق على الوضع اللبناني، حيث المظلة الدولية ما زالت تمنع عنه تداعيات الازمات العربية وهذا انجاز بحد ذاته"، وعليه ليس هناك ما يستدعي السرعة ولا التسرع في شأن الاستحقاق الرئاسي، بل ا ن اي خطوة ناقصة على هذا الصعيد قد يكون لها انعكاسات سلبية على الوضع الداخلي، وبالتالي من المفيد التريث بانتظار ان تتوضح الصورة الاقليمية وبعدها لكل حادث حديث.
ولكن كيف يمكن ترجمة هذه اللامبالاة الخارجية في الداخل؟
مصادر سياسية متابعة، ترى ان الوضع السياسي "هش"، وليس هناك دولة بالمعنى الحقيقي للكلمة. هناك قوى سياسية متنازعة، ذات ولاءات خارجية مختلف وكل طرف يسعى الى تحسين مواقعه في هذا الوقت الضائع، والمحافظة على مكتسبات طائفته أو مذهبه من جنوح الطوائف والمذاهب الأخرى لمد اليد عليها!.
وفي هذا الاطار يضع كثيرون الهجوم الاستباقي الذي يشنه هذه الايام العماد ميشال عون، من اجل رئاسة الجمهورية ومنع التمديد لقادة الاجهزة الامنية، وان كان لهذا الهجوم حيثيات شخصية، وهناك من يؤكد ان "الجنرال" قرر خوض معركة الرئاسة حتى النهاية، وهو ابلغ الحلفاء والخصوم بقراره بعد ان فشلت المساعي التوافقية التي بذلها، خصوصاً مع تيار المستقبل، وبعد ان ادرك انه من الصعب او حتى المستحيل حصول توافق داخلي على الملف الرئاسي، وان الاهتمام الخارجي بهذا الامر مؤجل على الاقل، والأهم من ذلك ان هناك من يضع فيتو على وصوله شخصياً الى قصر بعبدا، يقابله فيتو آخر بمنع وصول العميد شامل روكز الى قيادة الجيش، مع اعتراف الجميع بمؤهلاته وكفاءاته، وعيبه الوحيد انه صهر العماد عون.
وانطلاقاً من هذه المعطيات تبدو البلاد أمام مرحلة جديدة من السجالات والخلافات وتعطيل المؤسسات، وهناك من يؤكد ان الأمور قد تصل الى تجميد عمل الحكومة اذا كان تطييرها غير مسموح، لأن ليس باستطاعة أي طرف تحمل مسؤولية ادخال لبنان في الفراغ الشامل، وبالتالي بالفوضى الشاملة، التي لن تكون لمصلحة أحد، وخصوصاً أولئك الذين يتقاسمون السلطة وما تبقى من مقدرات هذا البلد.
وانطلاقاً من هذا التعقيد في الوضع السياسي، من المستبعد حصول اي انفراج في الملف الرئاسي في وقت قريب، خصوصاً اذا أضيف اليها الكباش السعودي – الايراني الذي ستتصاعد وتيرته حتى نهاية حزيران المقبل، موعد التوقيع النهائي على برنامج ايران النووي، الذي تحاول السعودية عرقلته، وما مقاطعة الملك سلمان بن عبد العزيز لقمة كامب ديفيد التي انعقدت الأربعاء الماضي بين الرئيس الأميركي باراك أوباما وبعض المسؤولين الخليجيين، سوى إحدى وسائل الضغط السعودية على واشنطن لعدم المضي في هذا الاتفاق، رغم ان المعلومات تؤكد ان هذا الاتفاق اصبح ناجزاً ولن تؤثر عليه اعتراضات من هنا أو هناك، وان اوباما أبلغ الخليجيين ذلك، ولكن من باب التأكيد على التزام واشنطن أمن واستقرار دول النفط، وان هذا الاتفاق لن يكون على حسابها، وعليها ان تتكيف مع الواقع الجديد.
وعلى وقع هذه المعطيات تدور منذ أيام اشتباكات عنيفة في جرود القلمون السورية، في حين برزت مخاوف من أن يؤدي فرار المسلحين من التلال التي سيطر عليها الجيش السوري وحزب الله الى جرود عرسال الى انتقال المعارك الى الداخل اللبناني، وخصوصاً أن هؤلاء الذين وصل عددهم الى عدة آلاف، سيحاولون فك الحصار المضروب عليهم وسيلجأون الى القرى المجاورة، ولا سيما في البقاعين الغربي والأوسط وراشيا، وهنا تقع المسؤولية على الجيش اللبناني الذي اخذ على عاتقه مهمة حماية الحدود، وفضل عدم المشاركة في معركة القلمون الى جانب الجيش السوري وحزب الله، انطلاقاً من سياسة النأي بالنفس عن الازمة السورية، ونظراً لعدم وجود قرار سياسي بذلك.
والسؤال: هل باستطاعة الجيش اللبناني التصدي لهؤلاء المسلحين الارهابيين في حال حاولوا التمدد الى الاراضي اللبناني، او حتى تحريك الخلايا الارهابية النائمة التابعة لهم؟
مصدر عسكري أكد لـ "النداء" ان القوى الامنية وضعت سيناريوهات عدة لما يمكن ان يحصل ومواجهة المخاطر، وان لا داع للهلع، فالارادة موجودة وكذلك السلاح الذي يمكن بواسطته التصدي لاعتداءات من هذا النوع، والرهان الحقيقي يبقى على الشعب الذي له دور كبير في منع تسلل الارهابيين وايواءهم لأن في ذلك تعريض لبنان لخطر كبير في ضوء المخاوف من رغبة البعض في اثارة فتنة مذهبية، مع التأكيد ان عمليات ملاحقة الخلايا الارهابية هي عملية مستمرة ولا تدخل وفق أجندات وحسابات لدى هذا الطرف السياسي أو ذاك.
وفيما بدأت قوى الثامن من آذار حملة ضد الحكومة على خلفية اعتماد سياسة النأي بالنفس تجاه ما يجري في سوريا، رغم ان خطر الارهاب يدق أبواب جميع اللبنانيين، استغرب لجوء بعض القوى السياسية وبشكل علني الى التفريق بين تنظيم داعش وجبهة النصرة، واعتبار الاخيرة فصيلاً سورياً معارضاً متجاهلاً انها في الحقيقة الوجه الآخر لداعش والقاعدة معاً، وان الخلافات التي يمكن ان تحصل بينهما هي على تقاسم النفوذ وعلى كيفية ممارسة الارهاب، وانه في هذه الحالة يجب التخلي عن السياسة الكيدية التي من شأنها ان تدفع لبنان الى مخاطر كبيرة.
انطلاقاً من هذا الانهيار السياسي والخطر الأمني الداهم، فإن البلد بات بحاجة الى عملية جراحية لاستئصال مرض هذا النظام العاجز، الذي لم ينتج سوى الازمات، ولم تنبثق عنه إلا المؤسسات الدستورية والادارية الفاشلة. وعملية الانقاذ هذه تستدعي عقد مؤتمر تأسيسياً وطنياً غير طائفي، بالدرجة الأولى. يتفق خلاله على اعادة بناء السلطة ومؤسساتها على أسس قابلة للحياة بعيداً من التعصب والتبعية، وإلا سنبقى "كمن يعبي الماء في السلة"، فالبلد غير قادر على انجاز موازنة طوال 10 سنوات، ولا يستطيع اقرار سلسلة الرتب والرواتب لموظفيه، وهو غير مؤهل للاستمرار وغير قادر على فرض قانون السير أو اقناع المواطن بوضع "حزام الأمان" ولو كان لمصلحته.