مر الكلام: نديم علاء الدين من الفشل في اليمن الى التعويض والانتقام
لم يشكل إعلان السعوديةعن وقف ما أسمته «عاصفة الحزم»، وقفاً للحرب في اليمن، بل يتبين من الوقائع اليومية أن العدوان لم يتوقف، وأن الغارات والقصف المدفعي من البر والبحر مستمر وفق برنامج هدفه فرض وقائع ميدانية وسياسية فشلت الحملة الأولى من الغارات الجوية في تحقيقه.
لا تستطيع القيادة السعودية الادعاء بأنها حققت أي من أهدافها المعلنة العسكرية أو السياسية عند انطلاق العدوان، فهي لم تنجح في الحدّ من القدرات الهجومية للجيش أو لأنصار الله، ومنعها من التقدم بالمئات من الآليات وآلاف الجنود نحو محافظات الوسط والشرق والجنوب. كما فشلت في استدراج الجيش اليمني وقوات "أنصار الله" إلى اشتباك حدودي سريع يخلط الأوراق ويطمس طبيعة العدوان الذي تكشف عن قتل آلاف المدنيين وتدمير البنية التحية أكثر مما أصاب البنية العسكرية. مثلما لم تستطع اعادة الرئيس هادي الى اليمن وهو الذي خيضت الحرب من أجله.
كما أظهرت التطورات تفككاً وارتباكاً في حلف "عاصفة الحزم" السعودي من خلال قرار البرلمان الباكستاني بالوقوف على الحياد ومواقف كل من اردوغان والسيسي واوباما الداعية الى حل سياسي، مع ما يعنيه ذلك بالنسبة الى السعودية، التي تدرك جيداً ان العمليات الجوية مهما بلغت لا يمكن ان تحسم معركة او تعدل في موازين القوى على الارض، ان المعركة البرية باتت من مسؤوليتها وحدها وهذا بطبيعة الحال أمر تعجز عن القيام به عدا عن نتائجه العكسية عليها.
حتى الآن لم يتبين ان هناك مبادرة سياسية او اتفاق ما كان خلف الإعلان السعودي بوقف الحملة، بل يبدو ان الإعلان قد جرى استجابة لضغوط او اتصالات من قبل حلفاء السعودية أدت الى نزولهم عن الشجرة بالإعلان عن الانتصار وتحقيق الأهداف وبالتالي زوال الخطر عن المملكة من خلال تدمير القدرات والترسانة الحوثية.
ما يمكن استخلاصه بالمحصلة، هو أن العدوان، وبسبب خطأ في الحسابات، تحول بعد قرابة شهر من القصف العشوائي إلى مأزق عسكري وسياسي وأخلاقي، وبالتالي فإن بقاءه تحت نفس الصيغة والعناوين سيكون كارثياً على السعودية. خصوصاً في ظل الحديث عن تباينات داخلية حول افق الحرب وأهدافها. فلا بد بالتالي من اجراء تعديل في الخطة السعودية ووسائلها وادواتها.
ترتسم في هذا المجال صورة سوداوية من التصعيد ستشهدها المنطقة ممتدة من اليمن الى سوريا الى العراق، هي عبارة عن محاولات تعويض وثأر وانتقام لإحداث توازنات جديدة تبدد قلق السعودية وتزيل عنها الشعور بالخطر الإيراني المحدق بها. وتثبت زعامتها وقيادتها في المنطقة.
مهلة الشهور الثلاثة لتوقيع التفاهم النهائي، حول الملف النووي الإيراني، بقي منها شهران، ستكون لرسم تلك التوازنات.
اليمن سيدفع الثمن الأول لتلك التوازنات وهو ما بدأت ملامحه تظهر من خلال الخطة السعودية الجديدة، حيث استطاعت المملكة استغلال الحساسية الموجودة لدى أبناء "الجنوب" تجاه «الشمال»، وزجت بالقبائل وبالحراك الجنوبي وبأنصار عبد ربه منصور هادي في مواجهة الجيش والحوثيين، مستفيدةً كذلك من نفوذها لدى القاعدة التي أصبحت أيضاً جزءاً من العمليات القتالية بعد سيطرتها على محافظة حضرموت. فالملاحظ أنّ وتيرة القتال في الجنوب ازدادت مع إعلان «انتهاء العاصفة» لتتحول العمليات الجوية نحو المناطق الجنوبية والسواحل الغربية بهدف دعم تلك القوى وتمكينها من تثبيت مواقعها، تمهيداً لتقطيع أوصال الجيش والحوثيين في تلك المناطق وعزلها عن العمق اليمني، في سياق تهيئة مكان ما لإعادة الرئيس هادي وحكومته، والانطلاق منه لتحرير بقية المناطق اليمنية.
في السياق ذاته من التصعيد ستكون سوريا ثاني المستهدفين لإحداث خلل في التوازنات القائمة تسمح اما بالمقايضة مع اليمن، وفق ما جرى تسريبه عن مبادرة سعودية، تم رفضها، تدعو للاقرار بنفوذها في اليمن مقابل وقف دعمها للمجموعات المسلحة في سوريا، واما إعادة تهديد النظام بعد ان حقق تقدماً خلال الأشهر الماضية، وهو ما تجلى في الهجوم على مدينة ادلب وجسر الشغور في ما يبدو خطة تهدف للسيطرة على كامل المحافظة والانطلاق منها نحو كامل الشمال السوري.
من المؤكد أنّ الوضع الميداني في إدلب يتجاوز مسألة الكرّ والفرّ المُعتادة في الحروب، لأنّ وقع سقوط المحافظة بكاملها، عدا عن انعكاسها السلبي على معنويّات النظام السوري ستكون نقطة انطلاق باتجاهين، الأول باتجاه محافظة اللاذقية التي تعتبر منطقة ثقل النظام وخطه الخلفي، والثاني باتجاه حلب حيث يخشى من التأثير على معنويات الجيش السوري في حال تمكّن مُسلّحو المُعارضة من قطع خطوط الامداد بين مدينتي حلب واللاذقيّة، الأمر الذي قد يُعرّض مواقع الجيش في حلب لخطر شديد، بعد أن كان هو صاحب المُبادرة هناك.
لا شك في ان معركة الشمال السوري الآن تشكل مفصلاً في المواجهات الدائرة في سوريا منذ اكثر من اربع سنوات وربما عليها يتوقف مسار الاحداث المقبلة.
بإنتظار جلاء معارك الساعات المقبلة في ادلب، وبالتوازي معها، يمكن توقع ان تشهد سريعاً منطقة القلمون معارك حاسمة بهدف السيطرة عليها، لا لاقترانها بموعد بداية فصل الربيع الذي جرى الحديث عنه، بل ارتباطاً بضرورة تحرير قسم كبير من الجيش السوري والمقاتلين لاستخدامها في الشمال السوري او المزيد من تحصين المنطقة الجنوبية والعاصمة اللتين لن تنجوان أيضاً من تصعيد العمليات العسكرية فيها.
هل يجب ان يستعد لبنان لارتدادات قد تصيبه في أمنه واستقراره وتتسبب بمزيد من التوتر الداخلي، بالتأكيد نعم.
�ين تفخر بهم شعوب روسيا الاتحادية واتحاد جمهوريات الدول المستقلة، على الرغم من بعض التشويش السياسي الحاصل بين فترة وأخرى في بعضها.