قضية الأسس القانونية الدولية لمطالب الشتات الأرمني المحامي كسبار ديردريان
أتناول في هذا المقال الأسس القانونية من القانون الدولي العامة التي يستند إليها الشتات الأرمني من المهجّرين الأرمن من أرمينيا الغربية لمطالبة أرمينيا الغربية (الولايات الست في تركيا الشرقية) وبالتعويضات الأدبية والمادية والعينية.
إن الشتات الأرمني من المهجّرين من أرمينيا الغربية هم في طريق تنظيم منظمة لتحرير أرمينيا الغربية من الاحتلال التركي كممثلة شرعية وحيدة للشعب الأرمني في الخارج والداخل التركي للمطالبة بأرمينيا الغربية من محكمة العدل الدولية على أساس القانون الدولي العام على الأسس التالية:
- 1. حق الملكية التاريخية:
التاريخ يؤكد على أن الأرمن كانوا يشكلون دولة مستقلة فوق الولايات الشرقية من تركيا، منذ قرون طويلة ترجع إلى ما قبل المسيح بالمقارنة مع الأتراك الذين يعتبرون قادمين جدداً إلى هذه المنطقة في آسيا الصغرى، قادموا من آسيا الوسطى عن طريق الغزو والاحتلال والقانون الدولي العام يعترف للشعب الأرمني بـ حق الملكية التاريخية على هذه الأراضي الذي دعاه الرومان بحق " الممتلكات منذ أمد بعيد"
- 2. المادة 16 من معاهدة سان اسطفانو
في المادة 16 من معاهدة سان اسطفانو في 3 آذار 1878 بين روسيا المنتصرة وتركيا المهزومة، اعترفت الدولة العثمانية رسمياً بأن الولايات الشرقية من تركيا هي ولايات أرمينيا الغربية.
- 3. الإعلان – الإنذار عن الحلفاء في 28 آيار 1915
في الإعلان – الإنذار الصادر عن الحلفاء الثلاث بريطانيا وفرنسا وروسيا بتاريخ 28 أيار 1915 والموجه إلى الباب العالي العثماني (هذا الإنذار محفوظ في وثائق الخارجية البريطانية تحت الرقم (FO 371-2488) وصف الجرائم المرتكبة ضد الأرمن في أرمينيا العثمانية ( أي الغربية) وبالجرائم!
- المرسوم الثوري حول أرمينيا التركية
بتاريخ 11 كانون الثاني 1918 بعد انتصار الثورة الإشتراكية في روسيا، صدر في جريدة "برافدا" بتوقيع كل من ف.إ. لينين و جـ.ف.ستالين "المرسوم حول ارمينيا التركية" يعترف بحق الشعب في أرمينيا الغربية بتقرير المصير حتى الاستقلال التام ويعهد إلى المسؤول الإداري المفوض فوق العادة المكلف بشؤون القوقاز "استبان شاهوميان" بالتعاون مع شعب أرمينيا التركية في جميع المجالات من أجل تنفيذ بنود هذا المرسوم بتنسيق مع الجيش الروسي وتشكيل القوات الأرمنية على الفور مع الانسحاب التدريجي للقوات الروسية من أرمينا التركية. هذا المرسوم كان تعويضاً عن إفشال تنفيذ المادة 16 من معاهدة سان اسطفانو الذي قامت بها الإمبراطورية البريطانية آنذاك بالتواطؤ مع ألمانيا القيصرية في معاهدة برلين (13 تموز 1878) لأن بريطانيا كانت قد حصلت على جزيرة قبرص في المقابل باتفاقية التركي- البريطاني بتاريخ 30 أيار 1878!
- مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير
إن الشعب الأرمني في أرمينيا الغربية لم يهاجرها بإرادته الحرة بل أرغم على الجلاء منها من قبل الدولة المغتصبة لها وبالتالي له الحق في تقرير مصيره بالعودة إلى وطنه. والمادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الشعوب ( الجزائر 4 تموز 1976) تعطي الشعوب حق العودة إلى الوطن في حال طُردت من بلادها. وحق تقرير المصير تحميه الفقرة الثانية من المادة 1 من ميثاق الأمم المتحدة. وفي 12 كانون الأول 1972 قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 2955 والبند 7 منه أكد على حق جميع الشعوب في تقرير مصيرها و ذلك بتأيد 89 صوتاً ومعارضة فقط 8 أصوات وامتناع 18 عن التصويت. هل ينطبق هذا المبدأ على الشتات الأرمني الذي لا يملك دولة؟ نعم لأن ميثاق الأمم المتحدة لا يتحدث باسم الدول بل باسم الشعوب عندما يقول:" نحن شعوب الأمم المتحدة" مما يعني أن الشعوب هم موضوعات القانون الدولي العام (Subjects of International Low) أي لهم الشخصية القانونية الدولية وبالتالي يمكن للشعوب الحصول على حقوقها بموجب القانون الدولي العامة إذا فقدوا دولتهم بسبب الاحتلال الأجنبي أو التهجير الجماعي بالقوة.
- ملفات المحكمة العسكرية العثمانية العليا
رغم سياسة الإنكار التي تتبعها تركيا حتى اليوم هناك أدلة دافعة صادرة عن المحكمة العسكرية العثمانية العليا التي تشكلت عام 1919 من أربع جنرالات وكولونيل من الجيش العثماني التي نظرت في قضية جريمة إبادة الأرمن وتهجيرهم الجماعي فأصدرت القرارات المبرحة بحق المسؤولين عن الجرائم والقرار الإتهامي للنيابة العامة العثمانية محفوظة نسخة عنه في مكتبة الكونغرس في واشنطن إذا كانت الحكومة التركية قد أتلفت جميع ملفات هذه المحكمة وعددها 193 ملف!
- المادة 89 و 90 من معاهدة سيفر (10 آب 1920)
هذه المعاهدة الدولية تشكل من اهم الأسس القانونية لمطالب الشعب الأرمني في الشتات وأرمينيا الشرقية لكونها معاهدة دولية تحمل توقيع الدولة التركية الحديثة بذاتها!
المادة 89 من هذه المعاهدة تقول:" توافق تركيا و أرمينيا (القوقازية) والأطراف العليا المتعاقدة على رفع قضية رسم الحدود بين أرمينيا وتركيا وفي ولايات أرضروم وطرابزون وفان وموش وبتلبيس إلى التحكيم لرئيس الولايات المتحدة الأميركية والقبول بالقرار الذي سيتخذه مع أية شروط قد يقدمها فيما يتعلق بمنح أرمينيا منفذاً إلى البحر ونزع السلاح لأية بقعة من الأراضي التركية المتاخمة للحدود الجديد المذكور".
والمادة 90:" في حال رسم الحدود بموجب المادة 89 يشمل نقل كل أو جزء من الولايات المذكورة إلى أرمينيا، فإن تركيا تتخلى عن جميع الحقوق والملكيات بشأن الولايات المنقولة، وذلك اعتباراً من تاريخ صدور هذا القرار. إن الأحكام من هذه المعاهدة النافذة على الأراضي الأخرى التى فصلت عن تركيا ستطبق على الولايات المنقولة لأرمينيا"
أما الرئيس الأميركي حينذاك وودرو ولسون أصدر قراره التحكيمي مع الخريطة في 22 تشرين الثاني 1920 الذي أصبح نافذاً منذ ذلك التاريخ بموجب المادة 90 من معاهدة سيفر ووفق أحكام القانون الدولي المتعلق بقرارات التحكيم الدولية لأن تركيا وافقت على مبدأ التحكيم وشخص المُحكم رسمياً.
ومعاهدة سيفر نفذت جزئياً في بعض من موادها المتصلة بانفصال البلاد العربية عن الدولة العثمانية وذلك فوراً لسبب أنها من مصلحة الدول الإستعمارية مثل بريطانيا وفرنسا فالبلاد العربية وضعت تحت الانتداب البريطاني والفرنسي أي أصبحت مستعمرات بريطانية وفرنسية مثل العراق وفلسطين وسوريا ولبنان! بينما من الأسس الراسخة في القانون الدولي أن تنفيذ الجزء من المعاهدة يؤكد على صحة الكل!
- 8. تقرير لجنة الأمم المتحدة حول جرائم حرب
بتاريخ 28 أيار 1948 تبنت لجنة الأمم المتحدة حول جرائم الحرب تقريراً نهائياً حولها، تسجل تحت الرقم (E/CN+/W.20/MAY 28,1948) والفصل الثاني منه يتعلق بالتطورات الحاصلة خلال الحرب العالمية الأولى والبند الأول من هذا الفصل عنوانه:" المذابح ضد الأرمن في تركيا". مما يثبت بأن الأمم المتحدة تعتبر جريمة إبادة الأرمن أولى جرائم الحرب، الحرب العالمية الأولى والفقرة الأولى من هذا البند الأول تشير إلى الإعلان – الإنذار الصادر بتاريخ 28 أيار 1915 عن الحلفاء الموجه إلى الباب العالي العثماني فأوردت نص الفقرة الأساسية منه باللغة الفرنسية.
خلاصة القول أن الجرائم المرتكبة بحق الشعب الأرمني تعتبر اليوم في عداد 1) الجرائم ضد الإنسانية 2) جرائم الحرب 3) جريمة ضد الأجناس والشتات الأراضي يمكنه إقامة الدعوى ضد تركيا على أساس الأوصاف الثلاثة معاً!
- مبدأ عدم تقادم الجرائم الدولية
في 26 تشرين الثاني 1968 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في مادتها الأولى. ومحكمة نورمبرغ أوضحت في خلاصة حكمها على النازيين أن طبيعة حكمها بخصوص جريمة الإبادة العرقية ( Genocide) كانت إعلانية (Declaratif) وليس تأسيسية (Constitif) أي أن المحكمة لم تسن قانوناً جديداً بل أنها أعلنت الأحكام الموجودة أصلاً في القانون الدولي منذ نشأة الخلق في وجدانه. من هنا عدم تقادم جريمة إبادة الأجناس (الجينوسيد).
10. اتفاقية كانون الأول 1948
هذه الاتفاقية حول "منع الجينوسيد ومعاقبتها" في حوارها 1- 2- 3- و4 عددت الأعمال الإجرامية التي تشكل جريمة الجينوسيد فالحكومة الاتحادية ارتكبت جميعها وبل انضمت إلى هذه الاتفاقية (الحكومة التركية الحديثة) بتاريخ 31 تموز 1950 فلا تتمكن الحكومة التركية الحالية من التهرب من أحكامها.فهذه الاتفاقية تعطي الحق ليس فقط للشتات الأرمني لإقامة دعوى ضد تركيا أما محكمة العدل الدولية بل لكل الدول حتى إذا لم تكن من أطراف هذه الاتفاقية .. شرط أن الضحية لا تصمت بل تطالب بحقوقها والأرمن لم تصمت حتى الآن طيلة ماية عام!
ونحن نتناول في هذا العرض الموجز فقط بعض الأسس فهناك أسس أخرى مثل الإعلان العالمي لحقوق الشعوب (4 تموز 1976) و الحكم الصادر عن محكمة الشعوب الدائمة (16 نيسان 1984) ومعاهدة لوزان 1923 التي قالت أن تركيا هي وريثة الإمبراطورية العثمانية وتمثل شخصيتها القانونية حتى اليوم وبالتالي مسؤولة عن موجباتها وديونها (Borel تقرير بورال) مثلها مثل روسيا الاتحادية التي هي استمرار للاتحاد السوفياتي بعد اقتسامها إلى دول جديدة والمبدأ القانوني الدولي القائل "لا يمكن أن ينشأ حق عن باطل" والقانون الدولي يرفض منح ملكية قانونية على الأراضي المحتلة عن طريق الحرب أو عن طريق معاهدة سلام تفرضها الدولة القوية المنتصرة على الدولة المهزومة...