مع الحقيقة: سمير دياب أول أيار .. ينبوع أمل متجدد
عام 1907 ، احتفل عمال شركة المياه في ضبية بأول أيار، وزرعوا شجرة الحرية. وفي عام 1925 دعا حزب "الشعب" – الشيوعي إلى الاحتفال الجماهيري المهيب في بيروت – سينما كريستال – تحت شعار إصدار قانون العمل والضمان الاجتماعي.. وكبرت المسيرة الكفاحية العمالية على درب النضال والشهادة، حيث سقطت الشهيدة وردة بطرس (عاملة التبغ) وجورج عرو ( عامل الفنادق) وأنور العش ( عامل النجارة) وسواهم من شهداء الطبقة العاملة.
ولد الأول من أيار للنضال من أجل الغد المشرق، من أجل الخلاص من الاضطهاد والاستغلال وإحداث التغيير الاجتماعي.. من أجل الحياة والحرية والتقدم.
لا ترتفع رايات أول أيار في رحاب الأرض، لقدسية الرايات، أو لعبادة ألوانها، إنما لتجديد الأمل، وتحفيز العمل والنضال، لإرادة العطاء والحياة، إرادة المسيرة الثورية الدؤوب في طليعة القافلة البشرية إلى الأرقى والأنبل من حضارة الإنسان.
ترتفع رايات أول أيار، ورأس المال يصبح وحشاً، يأكل لحوم البشر دون شبع، ويفترس الثروات الطبيعية، ويزرع رعبه الإرهابي بأسماء مستعارة، وأوجه مزيفة. حروبه عامرة بالموت والدمار والخراب والاستغلال، وشعوبنا كبش الفداء والضحية، عارية، جائعة، تحكمها أغلال الأنظمة التابعة، وقيود القمع والاستبداد، وعشق هذه الأنظمة لتمزيق النسيج الاجتماعي، باستحضار عوامل التفرقة الطائفية والمذهبية والاثنية والقبلية.
هي أمراض مشبوهة تزرعها قوى الاستعمار، لتفتك فينا، لتنال من قيمنا وعزيمتنا وحبنا للحياة. هي قوى بقدر ما هي قوية ومتسلطة وخًداعة، لكنها تبقى مرعوبة من يقظتنا، ومن ثورات كادحينا وعمالنا وشبابنا. وكلما نال منها الذعر، تراها تزداد شراسة في افتعال الحروب وزرع الوساوس في عقول شعوبنا، مرة باسم ديمقراطية الأرض المشتعلة، وأخرى باسم خلق الإرهاب لمكافحة الإرهاب. إمبريالية الاستغلال لا تبالي إلا بمصالحها لتبني حضارتها من دم وعرق وقهر الشعوب.
هي معركة لا تخصنا وحدنا، إنما متصلة بنضال كل الشعوب، فالعدو واحد، وبديل الاستغلال هو التحرر، ونقيض الرأسمالية هي الاشتراكية.
في قلب المعركة الأممية ذاتها، ووسط الأزمات الوطنية والطبقية المتفجرة، تتحرك المعركة العربية التحررية التقدمية، وتتحرك الطبقة العاملة ، والطبقات الحليفة لها، من قضية فلسطين إلى مسألة الحق في الهواء والماء والنفس والعمل، قابضة بسواعدها القوية على رايات أول نوار، يوم العمال، يوم الطبقة العاملة، يوم الكادحين والمظلومين والفقراء، لا لتحرسها وتحمي نقاوة رسالتها التاريخية الثورية وحسب، بل لتنطلق انطلاقتها الموحدة، في طريق الكفاح الصامد والصاعد والثابت، لتحرير شعبنا من قيود التبعيات السياسية والاقتصادية والثقافية كلها، ولتشق له طريق الخلاص من عبوديات التخلف الاجتماعي والاقتصادي والفكري.. من تركة الاستعمار القديم، ومن مكائد الاستعمار الإمبريالي الجديد وأتباعه وعملائه: إقطاعيين جدد واحتكاريين وحكاماً ومرتزقة وخونة.
إن رايات الأول من أيار، ترتفع اليوم فوق وطننا لبنان، إنما ترتفع فوق غيوم الفراغ الدستوري، والخلاف الحكومي، والاضطراب الأمني ، وتفشي السرطان الطائفي والمذهبي، وتفتيت العمل النقابي، وتراجع الحركة السياسية والشعبية، وانتصاب تحالفات سياسية طائفية لأرباب السلطة. وترتفع أيضا، وسط أزمة وطنية متفجرة – العدو الصهيوني والإرهاب المنتشر - واجتماعية خانقة من بطالة وهجرة وتهجير وجوع وعوز.. كل هذه الغيوم التي تكشف عن ظلامها الثقيل في سمائنا، خافقة بضياء الأمل يفتح لأعيننا ووعينا مسالك الرؤية الى بعيد.. رؤية الطبقة العاملة موحدة حركتها النقابية، حاشدة صفوفها، مشتبكة سواعدها بسواعد حلفائها والقوى الوطنية والتقدمية كلها، سائرة على طريق الديمقراطية الحق، ديمقراطية الجماهير الشعبية، تمهيداً لانتزاع مطالبها النقابية والاجتماعية وحقها في الحياة بكرامة، ثم دفع الحركة السياسية قدما نحو إجراء الإصلاحات الوطنية، على طريق التغيير الديمقراطي.
هذا الدور، بحاجة أكثر إلى الحضور والتظهير على المستويين النظري والعملي، بعد أن أثبتت الطبقة العاملة مجدداً حضورها في الميادين والساحات متقدمة بأشواط على نقاباتها وأحزابها، حيث احتكمت في حراكها إلى قانون التناقض، وفجرته ثورات اجتماعية في وجه أنظمة تابعة، مستبدة ومتخلفة، سعياً وراء استعادة حقوقها وحقوق الأجيال اللاحقة في الحرية والديمقراطية والحياة بكرامة.. هذا التطور النوعي بقدر ما يؤسس لمرحلة جديدة في الصراع ضد الإمبريالية العالمية ومشتقاتها وملحقاتها من أنظمة ومؤسسات.. بقدر ما يضع قوى التحرر والتقدم والديمقراطية أمام مسؤوليات كبيرة، ومهام جديدة تواكب نبض الطبقة العاملة، لأن الرهان على التغيير الديمقراطي طريقاً إلى الاشتراكية لا يمكن أن يكون إلا من خلال نضال الطبقة العاملة كأساس، واحتضانها ومواكبتها ودفعها للتنظيم النقابي، ولتوحيد قواها، دفاعاً عن حقوقها ومصالحها الطبقية، بصفتها الطبقة المنتجة والقادرة على إحداث التغيير الجذري.
وهذا ينسحب أولاً، على دور الحزب الشيوعي ووظيفته في تقدم الصفوف، لإعادة فرض معادلة ميدانية إلى جانب الطبقة العاملة، وتحقيق وحدة الجدلية في الصراع؛ ما بين النضال الوطني والطبقي. بصفته الحزب الذي يرفع راية التغيير الديمقراطي منذ تأسيسه عام 1924، كما تقدم الصفوف في المقاومة الوطنية لأجل التحرير.
*****
عيد الطبقة العاملة، عيد الأمل العظيم، أمل الإنسان بحياة كريمة وحرة.. عيد النضال الأنبل في سبيل أن يصبح الآمل حقيقة، عظيمة كالإنسان، مضيئة كأسماء النقابيين المناضلين منذ بداية القرن الماضي، أسماء لشهداء الحركة النقابية والنضال الديمقراطي والمقاومة الوطنية، كتبت بأحرف من نور وأمل، لنحيا بالنور والأمل ونقضي على الظلام والاستغلال وعبودية التخلف وإرهابه لصناعة غد أفضل، تحت خيمة نظام وطني ديمقراطي مقاوم.
إلى الذين خلقوا عيد العمال بدمائهم، والى السواعد العمالية التي ينبع من عرقها كل الخير، إلى الطبقة العاملة اللبنانية والعربية والعالمية، تحية انتماء وكفاح ونجاح..