مر الكلام: نديم علاء الدين حروب أميركية بالوكالة
تدخل عملية "عاصفة الحزم" التي تقودها المملكة العربية السعودية ومعها حلفها العربي ضد اليمن اسبوعها الثالث، مخلفة آلاف الضحايا من المدنيين، وتدميراً هائلاً في البنى التحتية والمرافق العامة دون احراز أي تقدم يذكر،او ان تلوح في الأفق اية بوادر لنهاية هذه الحرب اليمنية المفتوحة داخلياً على حرب أهلية مدمرة،وعلى حرب خارجية اكثر تدميراً، لا شك في ان نهاياتها ستترك انعكاسات وتداعيات على الساحتين العربية والإقليمية، وبشكل خاص على المسارات الميدانية والسياسية في كل من سوريا والعراق وليبيا.
من المعروف ان القيادة الجديدة في المملكة العربية السعودية التي تسلمت زمام الأمور بعد وفاة الملك عبد الله باشرت العمل لقيام حلف واسع يمتد من دول الخليج الى مصر وصولاً الى تركيا وباكستان بهدف مواجهة ايران ومحاصرتها باعتبارها الخطر الرئيس في المنطقة.
من هنا وجدت المملكة بالتمدد الحوثي في اليمن فرصة مؤاتية لها لتكريس هذا الحلف وتظهيره بشكل واقعي ودفعها الى الامام تحت قيادتها بحجة مواجهة الخطر الذي يتهددها على حدودها الجنوبية مع اليمن.
انطلاقاً من ذلك يمكننا القول، ان التدخل العسكري للتحالف الذي تقوده العربية السعودية، هو نوع من هجوم معاكس رداً على ما تعتبره تمدداً ايرانياً في كل من العراق وسوريا رغم ما يعانيه البلدان من تمزيق واقتتال ودمار وخراب، ومنبع القلق هو التقدم الذي بدأ يحرزه العراقعلى الأرض في مواجهة داعش باستعادة تكريت والتوجه نحو الرمادي، او الجيش السوري في الجنوب بتقطيع اوصال المعارضة وابعاد الخطر عن العاصمة دمشق فضلاً عن سقوط النظام، حتى جاءت احداث اليمن لترفع من درجة الخوف لدى المملكة من السيطرة الإيرانية المباشرة او غير المباشرة على حدودها مع اليمن، وعلى باب المندب. معطوفاً على ذلك ما يحمله التوصل الى اتفاق الاطار حول الملف النووي الإيراني مع الدول الغربية من ترييح للوضع الإيراني سياسياً واقتصادياً. كل ذلك جعل السعودية في حال من فقدان الاعصاب امام شعورها بتراجع مكانتها ودورها الإقليمي، او ما يمثله من خطر عليها ومن مدخل لتغييرات سياسية داخلها.
ان المغامرة التي أقدمعليها حكام السعودية بالعدوان على اليمن لابعاد المخاطر عن مملكتهم، او لاثبات تفوقهم وقدرتهم على فرض ارادتهم، تشير الوقائع الميدانية والتطورات السياسية لدى دول التحالفالى انها تسير عكس ما حلموا به، او راهنوا عليه، فلا الضربات الجوية أدت الى حسم المعركة، رغم الدمار الكبير الذي ألحقته، ولا الى تعديل ميزان القوى على الأرض رغم مرور ثلاث أسابيع، اذ استمر التحالف الحوثي ـ الصالحي بالتقدم والتوسع، بل اخذت الحرب البرية تنتقل الى السعودية نفسها وان كانت محدودة حتى الآن، لحسابات خاصة، لكنها حكماً مرشحة للتوسع مع استمرار العدوان، باعتبارها نقطة القوة لدى اليمنيين، والسبيل لردع العدوان السعودي واقامة التوازن معه،ما يحول العملية برمتها الى مأزق للسعودية اذا لم تتداركها دول التحالف الأساسية بقوات برية تحتاجها لحسم الأوضاع سواء على أرض اليمن او على الأراضي السعودية.
يتعمق المأزق الميداني بالتردد والاحجام الذي ابدته كل من باكستان وتركيا ومصر، وهي الدول التي عولت السعودية على استخدام جيوشها في الحرب البرية،فقدتلقت صفعة قوية من هذه الدول، اولاها كانت من باكستان التي اتخذ برلمانها قراراًبالوقوف على الحياد، في حين تراجعت تركيا خطوة إلى الوراء بتحديد مساهمتها بالدعم اللوجستي إذا طلب منها ذلك، وإعلان أردوغان من طهران عن رغبته برؤية حلّ سياسي قريباً في اليمن، وإبداء اهتمامه بالتعاون مع إيران لهذا الغرض،ولا يقل الموقف المصري غموضاً عن الموقف التركي الذي لا يزال في اطار الدعم اللفظي والمشاركة الرمزية لعدد من الطائرات، وحصر اهتمامه بالمخاطر المترتبة عن اغلاق مضيق باب المندب. كل ذلك يعني تحول الحلف الذي تقوده السعودية إلى حلف متواضع، عبارة عن حشد عدد من الحكومات العربية التي تعتاش على التمويل السعودي، كيافطة للحرب، لكنها عاجزة عن إحداث تغيير في الخريطة العسكرية في اليمن.
من هنا يمكن القول بان الازمة اليمنية التي ورطت السعودية نفسها فيها، او جرى توريطها، سيان، تشبه الى حد بعيد، من حيث النتائج، مع بعض الفروقات التي لا يمكن انكارها،بما حصل مع الرئيس العراقي صدام حسين في المصيدة الكويتية، هي اليوم عاجزة عن الخروج منها مهزومة، وأعجز عن حلها عسكرياً، حتى لو أدت الى اغراق اليمن في بحر من الدماء والاحتراب الداخلي، وصولاً الى استنتاج عجزها عن فرض شروطها السياسية ايضاً،ما يجعل نتائج المواجهة الراهنة تنفتح على احتمال ارتدادها على السعودية نفسها، او تتجه نحو تصعيد شامل في المنطقةلن تسلم من شظاياها كل دولها.
موضوعياً لا يمكن النظر الى تلك الاحداث والمواقف والتحولات بمعزل عن الدور الأميركي، فلا القرار السعودي مستقل، ولا استفاقة كل من باكستان وتركيا على مصالحهما وتجنب المخاطر أعلى من الإرادة الأميركية، رغم الاعتبارات الداخلية والإقليمية القوية وراء موقفهما.كما لا يمكن القول ان الولايات المتحدة غير قلقة من النفوذ الإيراني، لكن ذلك لا يعني ان الاميركيين لا يستخدمون الورقة الإيرانية لخلق حالة من الرعب الدائم والمتجدد لدول الخليج.لان ذلك يعني بالاقتصادي المزيد من الهيمنة على الثروات النفطية والغازية، وتعميق العلاقات العسكرية، لجهة تجديد وتصدير الأسلحة إلى دول الخليج وعلى رأسها السعودية. فعين الولايات المتحدة على 2000 مليارموجودة كفوائض مالية لدول الخليج في صناديق سيادية مستثمرة في الغرب والهدف الاستيلاء عليها، والحروب في المنطقة وبين دولها هي اقصر الطرق لتحقيق هذا الهدف. ما يحقق توجهات أوباما بعد الانسحاب من العراق بان الولايات المتحدة لن تخوض حروباً بعد اليوم، بل ستعتمد على اصدقائها.