ٳتفاق لوزان: فخ جديد أم انتصار أكيد؟ د. ماري ناصيف – الدبس
منذ الثاني من نيسان الجاري 2015، والحديث السياسي في لبنان والمنطقة الشرق- أوسطية منصبّ بشكل ملحوظ باتجاه البحث في محتوى الاتفاق الذي وقّع في لوزان بين الولايات المتحدة وإيران تحت اسم "الاتفاق – الإطار" أو "الاتفاق الأولي النووي"، على الرغم من كثرة التطورات الدراماتيكية المتسارعة في المنطقة العربية، من فلسطين المحتلّة إلى العراق وسوريا، وليبيا، إلى اليمن التي تعاني، اليوم، عدواناً سعودياً شرساً بالتزامن مع تحركات داخلية وإقليمية تهدد هذا البلد بالانقسام المذهبي وتطرح أكثر من علامة استفهام.
وفي الوقت الذي تحتفل فيه إيران، الرسمية والشعبية، بالانجاز الذي حققه وفدها المفاوض في لوزان وينبري فيه مسؤولون، لبنانيون وعرب، لهم وزنهم السياسي، لتفسير ما جرى بالقول إن الاتفاق إنما وقّع ليبعد شبح الحرب الإقليمية وبأن نتائجه الايجابية ستكون كبيرة جداً على الصعيدين السياسي والاقتصادي، لعل أهمها تحرير الرساميل الإيرانية في الخارج وزيادة إنتاج النفط، يرى الطرف الآخر، الأميركي، أن ما جرى ليس أكثر من بداية الطريق الذي من الممكن أن يكون طويلاً ومتعرّجاً. ذلك أن التوقيع النهائي على الاتفاق لا يرتبط فقط بما سيجري خلال الأشهر الثلاثة المقبلة على الضفة الإيرانية، بل كذلك بمسألتين أساسيتين تضمنتهما بعض الإشارات الواردة على لسان أنطوني بلنكن، نائب وزير خارجية واشنطن إبان جولته العربية... الأولى، وتتعلّق بكيفية معالجة خطر الارهاب عموماً، والثانية بما يمكن أن يقوم به نتنياهو الخائف من توقيع الاتفاق النهائي والمدعوم، في خوفه هذا، من قبل المتشددين الجمهوريين.
أسئلة لا بد من طرحها
هذه الإشارات، إضافة إلى مواقف بعض المتشددين داخل إيران الذين بدوا مستائين من الاتفاق، تدفع باتجاه طرح بعض التساؤلات المشروعة: هل أن إيران قد أدخلت (أو دخلت) ضمن دائرة الدول الإقليمية التي سيعتمد على إسهاماتها في إعادة ترتيب المنطقة العربية والشرق- أوسطية؟ وهل يعبر توقيع الاتفاق – الإطار عن تنازل من قبل إدارة باراك أوباما ينطوي على طلب ملاقاته إلى منتصف الطريق في مجال تسهيل إمرار بعض الحلول المتعلقة بالعراق وكذلك بالقضية الفلسطينية؟.
ولا ننسى السؤال الأهم في هذه العجالة: هل أن التساهل المفاجئ مع قضية إنتاج الطاقة النووية في إيران يدخل في خانة التوجهات السياسية الجديدة التي أقرتها إدارة الديمقراطيين، وما تمثل ومن تمثل، للانفتاح على خصوم الماضي تماماً كما جرى بالنسبة لكوبا، أم أن مشروع استمالة إيران وتخفيف الاحتقان معها إنما يدخل ضمن مخطط تكتيكي يهدف إلى تسهيل تنفيذ المرحلة الثانية من مراحل مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، المعروفة بمرحلة ترسيم حدود "الهلالين" (السني والشيعي) والتي تشكل المدخل الإلزامي للمرحلة النهائية، أي تفتيت العالم العربي وتصفية قضيته المركزية، القضية الفلسطينية، وتحوّل الكيان الإسرائيلي إلى "دولة اليهود في العالم"؟... وهكذا، وبينما تفتت اليمن على يد ملوك النفط وأمرائه المجتمعين في تحالف غير مقدس، الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى تقسيم السعودية وغيرها، تتوزع القوى في نهاية المطاف، وحسب المخطط المرسوم، تحت راية القوى الإقليمية الثلاث ذات الأوجه الطائفية العريقة: إسرائيل وتركيا وإيران... وإذا رفضت إيران الانصياع، فالعصا جاهزة.
بكل الأحوال، وبعيداً من الاختلاف في التفسيرات التي صدرت لاحقاً عن طرفي الاتفاق بالنسبة لمسألة رفع العقوبات (فورية أم تدريجية)، لا بد من التوقف عند أبرز بنود الاتفاق – الإطار كي نفهم بشكل أفضل الاتجاهات العامة لما جرى.
ايجابيات مبدئية مقابل سلبيات عملية؟
الاتجاه الأول، ويكمن في أن الاتفاق قد جعل من إيران عضواً معترفاً به في نادي الدول النووية، وإن كانت عضويتها حتى الآن غير مكتملة الصلاحية كإسرائيل وباكستان مثلاً اللتين يحق لهما امتلاك السلاح النووي كونهما تشكلان – كما قال هنري كيسنجر، منذ بضع سنوات، في مقابلته الشهيرة مع جريدة "لوموند" الفرنسية – جزءاً مكملاً للسياسة الأمنية الأميركية على الصعيد الدولي. وهذا الاعتراف، رغم النقص المشار اليه، يعني انتصار التوجه القائل بحق كل الدول في امتلاك القدرة النووية التي لا يجب أن تبقى حكراً على أصدقاء أميركا، خصوصاً وأن السعودية وتركيا أعلنتا عن نيتهما دخول النادي النووي، الأمر الذي يعيد طرح المعادلة كالتالي: إما توازن الرعب في المنطقة... أو منطقة خالية من الطاقة النووية.
الاتجاه الثاني، ويكمن في تجميد العقوبات المفروضة من فبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، من جهة، وكذلك في أن جميع قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالعقوبات "سترفع يشكل متزامن مع إتمام إيران للخطوات التي تطمئن جميع المخاوف الرئيسية"، بدءاً من التخصيب وانتهاء بالأبعاد العسكرية المحتملة، من جهة ثانية.
غير أن هذين الاتجاهين، الايجابيين، لا يخفيان السلبيات الكثيرة، التي نذكر من بينها: موافقة إيران على تأخير برامجها النووية المختلفة مدداً تتراوح بين عشر سنوات وخمسة عشرة سنة، وكذلك على تخفيض كبير لمخزونها من اليورانيوم وعدم بناء أي منشأة جديدة لتخصيب اليورانيوم. ناهيك عن خضوعها لشرط تحويل منشأة فوردو إلى الأغراض السلمية فقط، وإزالة ما يقارب ثلثي أجهزة الطرد المركزي والبنى التحتية في تلك المنشأة وغيرها... وصولاً إلى نزع هذه الأجهزة بالكامل ووضعها تحت الرقابة الدائمة للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ولا ننسى، كذلك، الشروط المتعلقة بتدمير بعض المفاعلات وعدم تصنيع الوقود النووي المستنفد ولا كذلك تلك التي تسمح لمراقبي الوكالة الدولية بالدخول والخروج ساعة يشاؤون وكيفما يشاؤون.
هذا، إلى جانب التوجهات المتعلقة بالماء الثقيل وغيرها... بما يعني تفريغ الايجابيتين اللتين سبقت الإشارة لهما من محتواهما، خاصة تلك المتعلقة برفع العقوبات، كون نص الاتفاق قد أعطى الولايات المتحدة، ومعها الاتحاد الأوروبي، الحق في فرض هذه العقوبات من جديد إذا ما اعتبرت أن إيران قد أخلّت ببند من بنود الاتفاق النووي عموماً.
فهل تنسف هذه الشروط، ومعها التفسيرات والتأويلات التي صدرت في الآونة الأخيرة، اتفاق لوزان؟ أم هل سينسفه من يطلق عليهم اسم "الصقور" و"المتشددين" في الدولتين؟ وإلى ما ستؤدي صفقة الصواريخ الروسية الأخيرة في ظل إبقاء الولايات المتحدة، في سائر الأحوال، على العقوبات المرتبطة بالصواريخ الباليستية؟.
أسئلة كبيرة ومتشعبة لا تزال الإجابات عن بعضها يكتنفها بعض الغموض. إنما من السهل التبؤ بما يمكن أن تنطوي عليه في ظل ميزان القوى الحالي دولياً وإقليمياً، خاصة وأن منطقة الخليج ومن ضمنها إيران لا تزال تحتل موقع الصدارة في السياسة الأميركية لما تحتويه من مصادر أساسية للطاقة تحتاجها واشنطن للخروج من أزمتها الاقتصادية الخانقة. وهذا يعني عدم انتظار حصول انفراجات فعلية في منطقة الخليج على المستويين القريب والمتوسط.
بعض ما جاء حول مرحلة الاتفاق الفعلي
■ لمدة 15 سنة، ستحدّ إيران من المكونات الإضافية لبرنامجها النووي. على سبيل المثال، لن تبني منشآت جديدة للتخصيب أو مفاعلات تعمل بالماء الثقيل وستحد من مخزونها من اليورانيوم المخصّب، وستقبل إجراءات شفافية معززة.
■ ستستمر إجراءات التفتيش والشفافية لما بعد 15 سنة، مع التزام إيران بالبروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرّية التزاماً دائماً يشمل موجباتها المتعلقة بالشفافية. إن التفتيش الدقيق لمنظومة التزوّد النووية ستدوم لـ25 عاماً.
■ حتى بعد انقضاء مدة القيود الصارمة على البرنامج النووي الإيراني، ستبقى إيران عضواً في اتفاقية عدم الانتشار النووي، والتي تمنع إيران من تطوير أو حيازة أسلحة نووية. ويطلب منها الحفاظ على إجراءات الأمان الخاصة بالوكالة الدولية للطاقة الذرّية