مشاركة مصر في الحرب ما بين شعارات التبرير والأزمة الشاملة عصام شعبان
لا يمكن فهم موقف مصر وقواها السياسية من المشاركة في الحرب على اليمن إلا في إطار فهم جدلية علاقة أزمة مصر نفسها وتأثيراتها على طبيعة وموازين العلاقات الخارجية والتحالفات القائمة، الأمر الذي يشكل في محصلته. موقع مصر من تلك التحالفات، فداخلياً تحاصر قوى الثورة المضادة المجال العام لتكرس هزيمة الثورة وتحد من أي حراك اجتماعي أو سياسي، وتنزع معظم القوى السياسية وعلى تنوع اتجاهاتها إلى مواقف تتسم بالميوعة والتخبط والرعونة، وتثبت السلطة في ذات قدميها وتحكم قبضتها على الحكم وتكسب رضى الحلفاء المحليين المتمثلين في رجال الأعمال والدوليين وفي مقدمتهم دول الخليج، وتخدم السياسات الاقتصادية والمواقف السياسية تحالف السيسى ودوّل الخليج، فالتضييق على الحريات والحراك يتيح إفشال الثورات والانتفاضات العربية التي ظلت هاجساً مرعباً لدول الخليج خوفاً من تمددها على أراضيها، خاصة وأن أغلب هذه الدول تعيش خارج إطار الدول التي تملك أطراً سياسية تسمح بالتنافس وأغلبها يفتقد حتى شكل المؤسسات السياسية والمدنية التي تميز الدول الحديثة
وعلى الصعيد الدولي فالمنطقة ومن ضمنها مصر تشهد إعادة تشكل بطرق شتى لكن الثابت في هذه التحالفات أن دول الخليج ورغم التناقضات الثانوية فيما بينها إلا أنها حريصة على أن تقف صفاً واحداً للحفاظ على مصالحها وحتى وإن استخدمت الحرب والتدخل المباشر من أجل استمرار أمنها واستقرارها.
وفي هذا السياق تأتي مشاركة مصر في حرب اليمن الثانية، ونظراً لتغيير وتبدل المواقف من محاولات الاستقلال إلى التبعية، ومن الكرامة والقيادة والدور المركزي إلى مهانة الالتحاق، فإن مصر بعد أن كانت في مقابل السعودية في الستينيات أصبحت تأخذ المقابل الآن، ولا تتلقى التقدير والشكر على ما تقدمه على اعتبار أن الحساب قد دفع مقدماً، كما تتنبر علينا صحف وكتاب الخليج، ويبدو أن المساعدات الاقتصادية والتبرعات لم تكن لدعم نظام سياسي تقليدي شبيه لمبارك إبان حرب الكويت فقط، وإنما أيضاً لتشكيل قوة ردع عسكرية تكون مصر جزءاً أساسياً فيها أمام التوسع الإيراني في المنطقة ولحماية دول الخليج الأمر الذي عبرت عنه السلطة في بيانها الرسمي الخاص بالمشاركة في حرب اليمن، وقد أضافت مصر إلى هذا الهدف شعاراً آخر كثيراً ما ترفعه السلطة ألا وهو (الحفاظ على الأمن القومي) وهو شعار دوماً ما يوظف حتى يقطع باب النقاش أو الاحتمالات أو يوضع كستار لإخفاء حقائق وتفاصيل عن الشعب من منطلق أن قرار السلطة سيادي ومرتبط بالأمن القومي ودور مصر لا يمكن أن يطّلع عليه عموماً الشعب ولا ينشر بصحفه ولا بوسائل إعلامه لكن يمكن أن تنشر تفاصيله بصحف الكويت والإمارات والسعودية!
ومن منطلقات السلطة إلى مواقف القوى السياسية التي وافقت في اغلبها على خطاب السيسى بالمشاركة في الحرب واتفقت منطلقاتها واستخدمت بعضها أبعاداً طائفية مثل حزب النور وحزب المؤتمر ولم يختلف حزب الدستور والكرامة، وبعض الأحزاب صمتت كالعادة ولم توضح موقفاً رسمياً، أصوات قليله من الشباب والتنظيمات السياسية غير التقليدية هي التي عارضت الحرب من منطلق أنها حرب تساق ضد شعب فقير يستخدم فيها الجيش المصري لحماية السعودية والخليج وأن دور مصر يقف عند حماية حدودها والمساهمة في التفاوض.
أما النخب السياسية الملتحقة بالسلطة فقد أيدت الحرب بشدة منهم محمد حبيب النائب السابق للمرشد العام للإخوان المسلمين الذي رأى أن الحرب على شعب اليمن خطوة هامه للحفاظ على الأمن القومي بل ورأى أنها الحرب تحد من أطماع إسرائيل وأميركا في المنطقة العربية، ولم يختلف عمرو موسي عن حبيب حيث أيد بشدة مشاركة مصر تحت قيادة السعودية في ضرب اليمن بل وكان من الداعين إلى التدخل العسكري في ليبيا لكن دعوته لم تجد صدى في حينها، وبهذه الصورة لم تتشكل قوى معارضة للحرب بشكل حقيقي واكتفى الاحتجاج بصفحات تحمل عناوين مصريين ضد الحرب على اليمن، وبهذه الصورة نجد أن معظم مواقف القوى السياسية تنطلق من التبرير أو التأييد المطلق بدون تقديم رؤية مستقلة عن السلطة ودون فهم أو موقف مرتكز لوعي حقيقي، لذا ستجد أن كل التصريحات أو البيانات الرسمية على قلتها تنطلق من شعارات مبهمة كالحفاظ على الأمن القومي المصري دون إيضاح للمفهوم وطبيعة المخاطر ودور مصر، وتتشابه هنا السلطة وأحزابها، فالأحزاب تخرج من خيارها بإخراس الآخرين بشعارات السلطة ذاتها (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة) حيث تستخدم شعارات مشابهة كضرورات الأمن القومي.
محصله الحروب دوماً سيئة طالما لا تسعى إلى تحرير الأرض أو مقاومة الاستعمار، والحروب التي تخوضها بالنيابة عن آخرين جروحها أكبر وخسائرها أعظم، والحروب التي تقتل الفقراء وتلاميذ المدارس تشعرك بالمهانة وبؤس الاختيار، لن تكون نتائج الحرب على مصر طيبه بأي حال، قد تقوي علاقة السيسي بدول الخليج لكنها لن تصنع أو ترسخ لدولة مستقلة ولن تعيد دور مصر الذي سبق وأن كان في قيادة المنطقة.
ستتبخر الشعارات في نهاية المطاف وتبقى حسبة الأرقام وكم تكلفت مصر وشعبها من هذه الحرب، وسيقف أطراف الصراع في اليمن يتقاسمون السلطة ما بين "الحوثيين" و"الإخوان المسلمين" و"أنصار علي" تحت رعاية ومظلة السعودية وتعود مصر إلى كرسي الانتظار في مسلسل إعادة ترتيب المنطقة مطامحها في الحرية والتقدم،حتى في ظل اختلال التوازن الدولي