ضيف المحور: جورج علم ما بين 13 نيسان 1975 .. و13 نيسان 2015 ورثة الدم يتصدّرون "لائحة الشرف"
أسماؤهم معروفة، عناوينهم أيضاً، و"لائحة الشرف" لا تزال محشورة بالأسماء الموصوفة بالأحمر القاني، ومن غاب، هو من أخذه الموت بمرفقه، أما البقية الباقية، المشرئبة الأعناق، المديدة العمر فهي تلك التي لا تزال "تملط" من ضرع المذهبيّة، وتغرف من معجن الطائفيّة، وتنهش من جيف الفئوية. أربعون سنة إنطوت من عمر الوطن، ما الجديد؟ منذ 13 نيسان 1975، إلى 13 نيسان 2015، ماذا تغيّر؟... لقد تغيّر الكثير.
دوليّاً، إنهار الإتحاد السوفياتي، سقط جدار برلين، توحّدت الإلمانيتين، توسّع الإتحاد الأوروبي ليضم الدول المنسلخة، ومارست الولايات المتحدة سياسة القطب الواحد، دخلت ملعب الشرق الأوسط من بوّاباته الواسعة، لتغيير التحالفات، وتأجيج صراع الحضارات.
إفتعلت إستخباراتها المركزيّة أحداث 11 أيلول 2001، كان الهدف إطلاق إستراتيجيّة قائمة على الإستثمار بدماء الآخرين ومعاناتهم. قبل هذا التاريخ كان الإرهاب مجرد كلمة منسيّة في قاموس اللغة، بعده تحوّل إلى ظاهرة استغلتها الدول المتمكّنة في الأمن، والسياسة، والاقتصاد والثقافة. شعوبها تشتغل في الفضاء، وشعوبنا تشتغل في السماء، هي تنتج، تخترع، تبدع، ونحن نشتغل بالدين، والمذهب، ونفرز الجنة حصصاً وعقارات، وفق اجتهادات مدّعيي الوكالة عن الأصالة، وفتاويهم، ومقارباتهم للدنيا وللآخرة. هم ينتجون الصواريخ، ونحن نتراشقها ما بيننا.. هم يخترعون آلة الدمار، ونحن نتباهى في أن نكون حقل الرماية. إنهم إكتشفوا من أي معدن نحن، وعلى أي مستوى من الجهل والهبل، أعدّوا لنا جدول أعمال، ورفعوا شعارات الحريّة، والديموقراطيّة، وحقوق الإنسان، ودفعوا بنا للتناحر، والتقاتل، والتذابح حولها، لأننا نؤمن بأن الشرف الرفيع لا يسلم من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم؟!.
لا أدري إن كان "الشيطان الأكبر" بدعة ربّانيّة، ام حبكة إيرانيّة، المهم أنه ملهم الثورات، والإنتفاضات، والصولات، والجولات، محرّض الشعوب، محرّك الأحاسيس، ملهب المشاعر، وزّع شياطينه في كلّ اتجاه بعدما أوكل إليهم عديد المهمات، كانت الغزوة الأولى بإتجاه أفغانستان بحجة أنها عرين "القاعدة"، وسرعان ما قاد جورج دبليو بوش الغزوة الثانية بإتجاه العراق عرين التاريخ، ومجمّع الحضارة، من شريعة حمورابي إلى "شريعة" كلّ "حمار أبي؟!".
رفع عالياً مظلّة وارفة بالإدعاءات الكاذبة، فنّدها بمواقف رسميّة تارة أمام الكونغرس، وطوراً أمام وسائل الإعلام، وفيها أن الهجوم غير المسبوق على العراق كان للقضاء على أسلحة الدمار الشامل، وإسقاط حكم الطاغية، وقيام الجمهورية الفاضلة، وتأمين العدالة الإنسانيّة والإنمائيّة، وتوزيع مردود الثروة النفطية بشكل عادل، وتوفير الرخاء، والبحبوحة الاقتصادية، والعدالة الاجتماعيّة... فماذا كانت النتيجة؟ ضرب الجيش في الصميم، أقاله من الخدمة، إنهى دوره، وسرّح ضبّاطه وجنوده، وأمسك بمفاصل الأمن والسياسيّة والاقتصاد، ونهب الثروة الوطنيّة، وقضى على أكثر من ثلاثة ملايين شجرة نخيل، ودمّر الثروة الزراعيّة، ووضع اليد على النفط، وإستنجد بمجلس الأمن الدولي لتبرير معادلة "النفط مقابل الغذاء؟!"... تصوّروا كيف يمكن أن يصبح الشعب العراقي جوعاناً معوزاً وهو الذي يموج فوق حقول النفط، ووسط الجنائن المعلّقة؟!.
سنوات طويلة من الإحتكار الأمني، والسياسي، والاقتصادي، خرج الأميركي بعدها من عراق مشظّى، وقبل أن يلتقط أنفاسه أطلق "الربيع العربي" في تونس، في مصر، في ليبيا، في سوريا والعراق... أهدافه واضحة، تغيير التحالفات، والإنطلاق بحروب لا تنتهي ما بين الأقليات والأكثريات، والطوائف والمذاهب، والحلل والملل... شعوب مقهورة، مغلوب على أمرها، هو يشتغل في الأرض والفضاء، ونحن نشتغل في السماء، ونختلف على جنس الملائكة؟!. ساحاتهم مراسم حريّات... وساحاتنا مراسم جنازات؟!.
إقليميّاً: إستلّ العرب سيوف الغضب، وخناجر الغدر والنحر. الأرض خصبة، والساحة مهيأة، وشيم المروءة تقضي بقطع الأرزاق والأعناق معاً، وكيف لا؟، "ويا دار ما يعزّك حدا.. ونفطك مسيّب عالمدا.. وخيلك ترقص عا صوات الحدا.. وشعبك عا سنّ الرمح مبيضا؟!"... لم يبق من العرب سوى خارطة سوداء مزركشة ببرك الدم القاني، أفرزت "الداعشيّة" مساحات لها، وتمددت ثقافة "التوحش" في ديارنا لتظلل حضارة القرن الواحد بعد العشرين، حيث يحاول الآخرون بناء حضارتهم على سطح المريخ، فيما نبنيها نحن بهمجيّة مستولدة من عفن التاريخ؟! لم يبق للعرب من أثر على خريطة الشرق الأوسط سوى "داعش"، ومشتقاتها، و"هلّي عالريح يا رايتنا العليّة..." فيما حلم الإمبرطوريات القديمة ينبعث من جديد، من إمبرطورية رجب الطيب اردوغان، وشدّ الحنين إلى سلطنة بني عثمان، إلى إمبراطوريّة علي يونسي الإيرانيّة وفق إدعاءات المستشار السياسي للرئيس حسن روحاني .. إلى أسباط بني إسرائيل؟!...
محليّاً، لا شيء تغيّر، "قائمة الشرف" عامرة "محشوكة" بورثة الدم. إتفاق الطائف لملم الميليشيات من الشوارع والأزقة، وعهد إليها بناء الدولة؟! تصوّروا أيّ إحتقار، وأي عار؟!. قبل 13 نيسان 1975 كانت المصطلحات السياسيّة على قدر وقيمة، حركة وطنيّة، رجعيّة، إنعزال، مارونيّة سياسيّة، فساد محتشم، طائفيّة خجولة، إنفتاح، ثقافة، إلتزام بالقضيّة الفلسطينيّة، والقضايا العربيّة المحقّة. كانت بيروت عاصمة الريشة والقلم، صحيفة الصباح، وقهوة الرصيف المطلّة على المدى العربي والدولي. كانت عاصمة العرب، وملتقى العرب، ومستشفى العرب، وجامعة العرب، ومنتجع العرب. كانت هناك أخطاء وخطايا .. لكنها أصبحت مغفورة مقارنة مع أخطاء وخطايا هذا الزمن البائس؟!
ماذا بعد أربعين سنة على 13 نيسان 1975؟!. "الشبيحة" يتصدرون "لائحة الشرف"، وأيضاً بعض الإقطاع، وبعض المنافقين، والفريّسييّن، وتجّار الهيكل؟!... قبل أربعين سنّة كنّا نتحدث لغة جبران، الآن نتحدث لغة الزعران. قبل أربعين سنة كنا نتباهى بالقوميّة، ونزايد في الدعوة الى الوحدة العربيّة.. اليوم نتغنّى بالمذهبيّة، والفئوية، والطائفيّة، والعنصريّة، مانشيت الصباح تفتيت، وعمود المساء تقسيم وتجزئة. قبل أربعين سنة كان الفساد محتشماً، الآن الفساد قدوة، وعقيدة، وديناً، ومذهباً، وحزب "النبلاء، والأشراف والسلاطين"، أما الآدمي فـ"بلكاد يحظى بشرّابة خرج؟!". قبل أربعين سنة كان للخارج دور وتأثير على الداخل، اليوم أصبح لبنان مقسّماً شقفاً على الخارج، كلّ محور له شقفة منه، وبإختصار شديد، هل "المجموعة الدولية لدعم لبنان" تريد أن يبقى هذا الكيان بحدوده، بتركيبته بنظامه؟، ولأي دور ووظيفة؟!.. الجواب حتماً ليس عند "لائحة الشرف".. إنهم مجرد دمى على طاولة الشطرنج الدوليّة - الإقليميّة... وتصبحون على خير؟!...