رأي: علي غريب - أوباما: سياسة جديدة أم مقايضة إنتخابية
في تصريح لكبير موظفي البيت الأبيض دنيس ماكدونو دعا فيه نتنياهو إلى "إنهاء احتلال مستمر منذ خمسين عاماً للأراضي الفلسطينية المحتلة"، والمقصود ـ الأراضي المحتلة بعد عام 67ـ وأضاف في تصريحه "أن الأزمة بين واشنطن وتل ابيب بشأن الدولة الفلسطينية لا تزال قائمة ولا يمكن لإسرائيل أن تستمر في السيطرة على شعب آخر إلى الأبد".
للمرة الأولى يصدر عن مسؤول أميركي في تصريح رسمي مثل هذا الموقف. فهل هو في إطار الخلاف الشخصي بين أوباما ونتنياهو؟ أم هو اعلان لإحتواء الموقف الفلسطيني الأخير الذي أعلن عن وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل والخيبة من المفاوضات العقيمة؟ أم انها رؤية سياسية تجاه القضية الفلسطينية مندرجة في سياق التطورات الراهنة في المنطقة العربية، سبقها مواقف عدد من الدول الأوروبية بالاعتراف بدولة فلسطينية عبر مجالسها النيابية (وليس عبر حكوماتها) وبالتالي ما الذي جعل هذا الموقف يخرج إلى العلن؟.
هذا يعيدنا إلى وضع إسرائيل نفسها، بدورها ووظيفتها، حيث كانت رأس حربة لأميركا والغرب في المنطقة، وحيث بُنيت ودعمت على أساس انها الدولة التي لا تُقهر وجيشها الذي لا يُهزم. كان ذلك زمن الحرب الباردة من القرن الماضي. وبعد انهيار المنظومة الاشتراكية أصبحت أميركا تتدخل مباشرة بجيوشها مع الناتو في كل انحاء العالم عدا عن أن الاستراتيجية العسكرية للكيان الصهيوني وضعت لمحاربة الجيوش النظامية وحين اصطدمت بالمقاومة الشعبية الوطنية والإسلامية كانت الهزائم تلاحقها لأكثر من مرة في حروبها على لبنان وغزه. فإسرائيل فقدت دورها ووظيفتها الأمنية وأصبحت عاجزة أمام أوروبا وأميركا لا بل أضحت هي بحاجة إلى تطمينات دائمة وتعهدات من الولايات المتحدة لحمايتها. كما أن حروب إسرائيل ومجازرها ضد الشعب الفلسطيني أصبحت محرجة للدول الأوروبية أمام شعوبها التي لم تعد على نفس الموقف من الكيان الإسرائيلي. ولم يقتصر الأمر على الأوروبيين بل وصل إلى اليهود انفسهم وليس عبثاً اصدار ما سُمّي (بنداء العقل) الذي وجهه أكثر من ثلاثة آلاف من يهود العالم من مفكرين ومثقفين ورجال أعمال عبر رسالة إلى نتنياهو بعد هزائم إسرائيل في العام 2006 والحرب على غزة، يطالبونه فيها" بوقف سياسة الاستيطان وضرورة الوصول الى حل مع الفلسطينيين باعطاء دولة لهم لأن إسرائيل أصبحت في خطر وجودي".
اذا كان هذا هو الواقع الإسرائيلي اليوم فما هي نتائج السياسة الأميركية في الشرق الأوسط والتي ربما كانت وراء مراجعة أوباما لمواقف أميركا السياسية؟
إن نتائج تدخّل أميركا في افغانستان وليبيا والعراق وسوريا كانت كارثية إضافة الى خيبتها بالمراهنة على حلفاء إسلاميين معتدلين، وفشل سياستها في سوريا وتعثر مشروعها في المنطقة وهذا ربما أوصل اوباما الى قناعة بضرورة انتهاج سياسة أميركية تؤدي الى تخفيف حدة العداء مع شعوب المنطقة العربية بالقيام بخطوة ايجابية تجاه الشعب الفلسطيني والتوصل مع إيران إلى نتائج ايجابية في المفاوضات الدائرة حول الملف النووي، لاسيما إذا تجاوز الاتفاق الجانب المتعلق بالسلاح النووي وشمل الجانب الاقتصادي الذي قد يرتاج له الشعب الأميركي.
هذه الخطوات في سياسة أوباما دفعت نتنياهو الى استمرار الخلاف معه خاصة بعدما صمدت سوريا ولم يسقط الرئيس الأسد، وتقدمت المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية في الملف النووي، مما أدى بنتنياهو إلى التشدد في مواجهة سياسة أوباما عبر عدد من المواقف أهمها:
- التصلب برفض إعطاء الفلسطينيين حقوقهم واستمرار سياسة بناء المستوطنات.
- تجييش صهيوني ضد أوباما والعرب الفلسطينيين مما ساهم في نجاحه في الانتخابات الأخيرة.
- تأكيد الصداقة مع الحزب الجمهوري بإفشاء السر والمعلومات لأعضاء الكونغرس عن المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية بشأن الملف النووي للحؤول دون إقدام أميركا على تغيير سياستها تجاه إيران.
- التحالف واللقاءات السرية مع قطر ودول الخليج والتنسيق معهم لمواجهة إيران.
فهل يستمر أوباما في صراعه مع نتنياهو؟ المحك هو في المواقف العملية لترجمة المواقف المعلنة. وعلى الفلسطينيين أن لا ينخدعوا بالعودة إلى المفاوضات والتنسيق الأمني بل الى المطالبة بتنفيذ المواقف وترجمتها عملياً عبر الرجوع الى القانون الدولي ومجلس الأمن، بمطالبة الولايات المتحدة بدعم القرارات الصادرة وطلب تنفيذها. وهذا وحده كفيل بكشف مصداقية اوباما. واذا ما حصل هذا الأمر فسوف يشكل تطوراً هاماً بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني وهزيمة لسياسة اليمين الصهيوني المتطرف.
وكي لا نقع في الأوهام من خلال معرفتنا التاريخية بسياسة الولايات المتحدة، ينبغي أن تبقى الخشية قائمة من أن يكون وراء مواقف أوباما احتمال التراجع عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة للمقايضة بين الحزب الديمقراطي، والأصوات اليهودية والصهيونية.