شؤون محلية - متى يشرب اللبناني مياهاً صحية ورخيصة؟ محمد عبدو
إنه فصل أمطار مقبول هذه السنة، بالمقارنة مع الجفاف الذي شهده العام الماضي، فنسبة المتساقطات من أمطار وثلوج بلغت ما يقارب الـ 800 مم كمتوسط، مما يعني أن حجم الأمطار التي هطلت على الأراضي اللبنانية البالغة مساحتها 10 آلاف كلم مربع تزيد بخمس مرات عن احتياجات الشعب اللبناني المقدرة بـ2200 مليون متر مكعب في السنة، حسب إحصائيات 2010 (قبل النزوح السوري الأخير).
أن قسماً كبيراً من هذه الثروة من الثلوج الذائبة يخزن في باطن الأراضي، والقسم الثاني يذهب في البحر (وهو القسم الأكبر). أما القسم القليل فيذهب بخاراً في الجو، وري بعض المزروعات . ورغم أن الكمية التي تذهب هدراً في البحر تزيد عن 4/3 كمية المتساقطات إلا أن قسماً كبيراً من الشعب اللبناني، وخاصة سكان مدينة بيروت، ما زالوا يعانون من تقنين المياه، إن لم نقل العطش. فما هو الحل، وأين هو البديل؟ البديل ممكن طبعاً!
لقد أقرَّت وزارة الطاقة والمياه التي تشرف على الثروة المائية، برنامجاً لإنشاء عدد من السدود على الأنهر اللبنانية، بلغت أكثر من عشرة سدود لم ينفذ منها حتى اليوم سوى سد شبروح في حين الخلافات تشتد حول بناء سد الجنة في كسروان، وسد حمانا في المتن، وغيرها.
أما سد بسرى فقد وضع على الرف وسد الدامور قيد الدرس وسد الليطاني قيد المتابعة... الخ.
وهناك مشروع آخر هو جر مياه نهر الأولي لمدينة بيروت الكبرى العطشانة، فقد وضع على سكة التنفيذ بتمويل من البنك الدولي.
أما لماذا التجاذبات حول بناء السدود المجمدة التنفيذ وخاصة سد حمانا وسد الجنة؟ فذلك لأن الخلافات تدور ضمن عدة حلقات:
الحلقة الأولى بين البلدات والبلديات، إذ أن كل طرف يسعى ليكون المشروع ضمن نطاق بلدته أو بلديته ولمصلحة الطبقة التي يتحكم بها الساسة.
والحلقة الثانية بين الساسة أنفسهم.
الحلقة الثالثة بين المتعهدين الذين يسعى كل حسب مصلحته ليكون المشروع من حصته وخبرته وإمكاناته، علماً أن السماسرة استطاعوا حسب اختصاصاتهم من وضع دفاتر شروط التلزيم حسب رغبتهم وإمكانياتهم الفنية والمادية والقانونية (أي رغبة المتعهدين). وهذا ما رفع منسوب السمسرة والفساد في عملية التلزيم.
هذه الموجة من الفساد التي عمت كل مظاهر الحياة في لبنان من الغذاء إلى الدواء إلى الهواء، فكيف بالماء، أي كيف يتجلى ذلك؟ ومن ثم كيف ينعكس الفساد في قطاع المياه على المواطن اللبناني المستهلك لهذه المياه، والذي يدفع فاتورته أضعافاً مضاعفة لتأمين حاجاته المتعددة من المياه؟
يجب الاعتراف أولاً أن قطاع المياه في لبنان هو قطاع تسوده الفوضى، نظراً لتعدد المرجعيات والمسؤوليات والجمعيات المحلية والبلدية والحكومية الخاصة والعامة من لجان ومؤسسات رسمية موزعة على المحافظات والبلديات والأفراد. ويوجد في لبنان أيضاً، وهذا بيت القصيد، أكثر من مئة شركة خاصة تقوم بتعبئة المياه وبيعها للمواطن، ومعظم هذه الشركات يقوم بسرقة مياه المؤسسات الحكومية وتعبئتها في زجاجات خاصة، وبيعها للمواطن على أنها مياه معدنية صافية (هذه الفاتورة المزدوجة) تسرق مياه المواطن وتبيعه ما هو ملكه. ومعظم هذه الشركات معروف ومدعوم من الساسة. وهذه الشركات لا تدفع ضرائب للدولة، ولا تخضع، بمعظمها، لفحوصات مخبرية لتأمين جودة المياه. فعندما تبدأ الدولة بالترخيص لهذه الشركات وتحدد لها أسعار المياه وتفرض عليها الضرائب تكون قد بدأت بالحل الصحيح.
وعندما تصبح مادة ترشيد استخدام المياه في البيت والمدرسة والمجتمع، يكون اللبناني بدأ يشرب مياهاً نظيفة، ورخيصة، وصحية، ويدفع ماله من عرق جبينه، بعيداً عن السماسرة وفساد الساسة على اختلافهم.