أبعد من اليمن - منذر بو عرم
تؤشر التطورات الميدانية المتسارعة في اليمن، المصنفة من الدول الأكثر فقراً في العالم إلى أن هذا البلد العربي بموقعه الجيو – استراتيجي الهام على باب المندب، مقبل على ربيع ساخن ربما يعاد تدويره لسنوات لتكون النتيجة تحويله إلى أشلاء وتدمير كل مقومات الدولة فيه، فعلى إيقاع تمدد الحوثي المدعوم بالوحدات الموالية للرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح، من صعدة إلى صنعاء وصولاً إلى أطراف عدن، العاصمة السياسية للرئيس العائد عن استقالته، عبد ربه منصور هادي، أطلقت السعودية ما سمته بعاصفة "الحزم" بالتعاون مع 9 دول عربية أخرى، وبدعم سياسي باكستاني – تركي، بهدف استعادة نفوذها التاريخي في البلد الذي شكل على مدى عقود حديقتها الخلفية في مواجهة التمدد الإيراني غير المسبوق في المنطقة، وصولاً إلى اليمن.
هذا التحرك من قبل السعودية بدعوى حماية خاصرتها الجنوبية عمل، ولا يزال، على تدمير الآلة العسكرية للحوثيين، وأنصار صالح، وإيجاد نوع من التوازن الاستراتيجي بينهم وبين القبائل المؤيدة للرياض، وإذا أخذنا بعين الاعتبار صعوبة التدخل البري الواسع لصعوبة تضاريس اليمن وطبيعة شعبها المقاتل، بناء على التجربة المصرية في ستينيات القرن الماضي، يمكن أن ندرك أن ما يجري حالياً هو مقدمة لحرب بالوكالة بين أبناء البلد الواحد تحت خيمة الصراع الإقليمي الإيراني – السعودي، وفي سياق المشروع الأميركي لإدخال المنطقة في صراعات طويلة الأمد، وهذا ما يشير إليه الإعلان عن محور مذهبي يمتد من باكستان حتى المغرب العربي، في مواجهة التمدد الإيراني بطابعه المذهبي أيضاً.
وإذا كانت وسائل الإعلام قد اعتبرت أن الموقف الأميركي من عاصفة "الحزم" جاء فاتراً فإن لهذا الفتور مبرراته الإعلامية، فواشنطن المنشغلة بالمفاوضات النووية مع إيران ليست بعيدة عن توليد عاصفة "الحزم" وما بعدها لاستخدامها كورقة ضغط على طهران في المفاوضات النووية، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، فإن واشنطن تدرك بأن التدخل السعودي يصب في نهاية الأمر في طاحونة مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، وفي السياق يؤكد سفير الرياض في واشنطن أن بلاده أجرت مشاورات على مدى شهرين مع الإدارة الأميركية قبل تحركها العسكري في اليمن، ما يعني أنها ليست بعيدة أصلاً عن إخراج هذا التدخل وإدارته، إدراكاً منها بأنه يفعل الصراع، ويزيد من حدة الصراعات المذهبية ويعطيها نطاقاً شاملاً، ليس فقط على مستوى التنظيمات الشعبية بل على مستوى الدول، وهذا ما يخدم في النهاية، خارطة الطريق التي وضعتها خلية الأزمات عام 1999 وجرى تسريبها، وفيها تقسيم واضح لدول المنطقة على أسس مذهبية وقومية، والهدف تبرير قيام دولة إسرائيل اليهودية المزعومة وإدارة الصراعات بما يخدم مصالح الرأسمال المعولم في مصادرة الثروات النفطية للأمة العربية ودول الشرق الأوسط قاطبة، وإغراق المنطقة في حروب قد لا تنتهي خلال عقود.
في ضوء هذا المشهد الذي تُّوج بإعلان جامعة الدول العربية عن قرار بتشكيل قوة عربية مشتركة للانخراط في الصراع الإقليمي المقبل بعيداً من فلسطين وحقوق شعبها، يبدو واضحاً أن الضحية الأولى للتدخلات الخارجية السعودية والإيرانية في اليمن، وما نتج عن هذه التدخلات من احتدام داخلي وإقليمي للصراع، هو الشعب اليمني الذي استدرجت قوى السلطة الرياح الخارجية لتجتاحه. وفي هذا السياق يبدو لافتاً زواج المصلحة بين الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، وزواج المصلحة أيضاً بين منصور هادي والقوى السلفية والإسلامية للفوز في المواجهة على حساب الشعب اليمني ووحدته ومقومات التنمية فيه على المدى المنظور والبعيد، دون أن ننسى أن هذا الشعب سيدفع من دماء أبنائه وبناه التحتية ثمن حرب هي أبعد من اليمن، وهذا ما يتطلب من القوى الديمقراطية اليمنية، وعلى رأسها الحزب الاشتراكي والحزب الناصري بناء مشروع وطني جامع لمواجهة قوى الفتنة الداخلية المؤججة للصراعات المذهبية القبلية، والمستدرجة للتدخلات الخارجية، للوصول بالبلاد إلى بر الأمان وإحياء الحوار الداخلي للخروج من الأزمة وبناء الدولة على أسس ديمقراطية عابرة للمذاهب والقبائل، وإبعاد كل القوى التي أسهمت، ولا تزال، في إفقار اليمن وشعبها وضرب نسيجه الوطني وعلى رأس هؤلاء القوى الدينية السياسية المتطرفة والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، الذي تُشير التقديرات إلى أنه بنى ثروة تتجاوز الـ 60 مليار دولار، عبر نهب مقدرات الشعب اليمني وعمّق الانقسامات الجهوية بإبعاد الكادرات الجنوبية عن المؤسسة العسكرية والأجهزة الإدارية بعد حرب عام 1974 وتنكر للوحدة الوطنية التي وضع أسسها مع رئيس اليمن الجنوبي السابق، علي سالم البيض، مسلماً كل مقدرات الدولة لقبائل حاشد، وعلى رأسهم آل الأحمر الذين انقلبوا عليه فيما بعد، وللقوى المهيمنة في ما يعرف اليوم بإقليم آزال، الممتد من صعدة حتى صنعاء مروراً بعمران وحجه والجوف وزمار، مهملاً المناطق الأخرى إن على مستوى التنمية أو على مستوى المشاركة السياسية والأمنية، ودون ذلك فإن اليمن لن يكون إلا ساحة من ساحات الصراع الدموي الذي تمهد دماء أبنائه أسوة بساحات العراق وسوريا وليبيا والدول العربية الساخنة الأخرى لإعلان انتصار مشروع الشرق الأوسط الجديد التفتيتي.