ملف العدد: قراءة سياسية واقتصادية للحرب على اليمن سيد وعشرة خدام توحدوا ضد اليمن
أصبح المشهد السياسي والأمني في سوريا مألوفاً ورتيباً، مع مرور الزمن، وإنعدام الحسم، وإنسداد أفق إنتصار طرف على آخر، أو محور على آخر. المعركة طويلة، والمعارك تتقدم على الحوار، والباقي يستمر على حاله فيما سوريا باتت من جهاتها خطوط تماس. لم يستطع الحشد الإرهابي الدولي والرجعي العربي والتركي مع الدواعش والنصرة والجيش الحر والمعارضات إسقاط النظام القائم ولا تطويعه، ولم يستطع النظام بدوره ومن يدعمه دولياً وإقليمياً من حسم الأمور. فالمعركة مستمرة ومسارها يرتبط بمسار الصراع في المنطقة وعليها.
ستاتيكو المشهد السوري النازف، تطلب نقل المشهد إلى "نقطة" ستشكل مرحلة ساخنة في حمأة الصراع الإقليمي والدولي، والتركيز على اليمن من خلال عاصفة الحزم التي ستغير المشهد في المنطقة وتنقله بالشكل إلى الضفة المذهبية بحجة حماية الخليج من الخطر الإيراني – المقصود الشيعي- وحماية المصالح الحيوية الإستراتيجية في باب المندب.
في الحسابات الميدانية، المحور الرجعي العربي والتركي والأميركي لم ينجح في القضاء على المحور المضاد على الساحة السورية. فيما الإيراني يتوسع حضوراً وقوة في المنطقة وصولأ الى أطراف الخليج أو داخل الخليج نفسه. إيران عبر دعمها لأنصار الله اليمنية وتقدم هذه الجماعة بشكل غير المسبوق بالتعاون مع جماعة الرئيس السابق علي عبد الله صالح من صعدة إلى صنعاء ثم إلى عدن باتوا من منظور السعودية العدو المحدق بهم، والخطر الذي يزعزع كيانهم. بينما الإيراني يتقدم في المنطقة ويفاوض الأميركي في الوقت عينه حول الملف النووي، ما يعني أن المخاوف السعودية تزداد تباعاً، بغض النظر عن نجاح أو عدم النجاح في التوصل إلى اتفاق نووي، لاعتقادها أن مجرد إعلان نوايا عن الاتفاق الأميركي – الإيراني يعني أن الأخير يقطف حصة من تسوية دولية تكرسه كلاعب إقليمي كبير على حساب السعودية.
حسابات المصالح الإقليمية والدولية لا مكان فيها لحق شعب هنا، في الحرية والديمقراطية والعدالة، أو قيمة لتفتيت هذا البلد أو ذاك. فالأمور لا تجري كما تريد الشعوب، لكنها حكما ستكون شريكة دون رأي، كون الشعوب تشكل وقود الحروب بشعارات مختلفة تستخدم لتحشيد الجماهير الشعبية وأخذها الى ساحات المعارك الداخلية أو الخارجية مرة باسم الديمقراطية وأخرى باسم الدين وثالثة باسم الشعب. ملوك ورؤساء وجنرالات ومراجع دينية تنغمس في تسويق ما تريد بالتعبئة والمال والسلاح والإعلام وشراء الذمم، وكل ما يمكن توظيفه في خدمه مصالحهم.
فكما الأميركي شغل العالم بوجود أسلحة الدمار الشامل كمبرر لإحتلال العراق، فإنه هو نفسه أوجد الدولة الداعشية باسم الجهاد من أجل الخلافة والدين. في المقابل، فإن أصحاب نظرية المؤامرة لا يشذون عن مبدأ فبركة تبرير وجودهم في هرم السلطة.
الحوثيون مواطنون يمنيون قاموا من أجل حقوقهم المهمشة منذ عقود من الزمن، وهي حقوق مشروعة جداً. وإذا كان من غير المقبول أن تحرم أقلية طائفية من حقوق المواطنة الكاملة فإنه من غير الجائز أيضاً أن تصبح الأقلية هي المسيطرة على الأكثرية الساحقة، هكذا معادلات تحكمها الحروب الأهلية والتدخلات الخارجية المستمرة، خصوصاً في ظل غياب المشروع الوطني الذي من شأنه أن ينهي سلسلة الحروب اليمنية وينهض بالدولة الوطنية الديمقراطية الواحدة والمستقلة في اليمن أو غيرها .
كان يمكن للحوثيين أن يقلبوا الطاولة كقوة في الداخل اليمني ويتجهوا الى الحوار بعد تمركزهم في صنعاء، لكن إعتماد السياسات المغلقة تسمح بدورها لأطراف الصراع المتداخلة في اليمن وعليها، الى إستغلال الوضع والبناء عليه لتدعيم فلسفة التدخل الخارجي بحجة الخطر الفارسي الآتي من اليمن إلى باب المندب والخليج. بغرض تغيير قواعد اللعبة وفق حسابات ومصالح الأميركي.
مشروع الشرق الأوسط الجديد، واضح جداً، لم نكتشفه نحن، إنما الأميركي أفصح عنه. عندما يقول الأميركي ديمقراطية يعني داعش، وعندما يقول وحدة العراق يعني الكيانات .. وهكذا نحن في قلب تنفيذ هذا المشروع رضينا أم رفضنا أو اختلفنا. كل المواقف الأميركية تؤكد على أمن إسرائيل، ونادراً ما يتحدث مسؤول أميركي عن حق القضية الفلسطينية. كل السياسات الأميركية المتعاقبة تتبع النهج ذاته، وأنظمتنا مصرة على التعاطي مع أميركا، الحامي الوحيد على مصالح الطبقات المسيطرة وليس على مصالح شعوبنا. الامبريالي الأميركي يقدم نفسه المنقذ في جميع أدوار الحرب والسلم. ما يخيف الأميركي حقيقة هو استشعاره بوجود مشروع جذري نقيض لمشروعة التفتيتي. هذا المشروع وإن لاح بريقه في المقاومات العربية ضد الاحتلال الصهيوني والأميركي، وفي ثورات شعوبنا العربية، فإنه سعى وسيبقى يسعى من أجل القضاء على هذا البريق قبل أن يتشكل كمشروع تحرري شامل، عبر تأجيج وخلق البدائل الطائفية والارهابية التي تخدم مشروعه الشرق أوسطي وإبعاد شبح الخطر الاستراتيجي عليه من مشروع حركة التحرر الوطني العربية. وهذا ما فعله في العراق، والبحرين وليبيا ثم في سوريا، ثم عاد ليطرح نفسه المنقد عبر التحالف الدولي ضد إرهاب داعش.. وهذا ما يفعله اليوم عبر عاصفة الحزام في اليمن.
العصبية الطائفية والمذهبية والقبلية والاثنية في أعلى منسوبها، فيما العصبية الوطنية وما فوقها في أدنى مستوياتها. والحروب في المنطقة تنتقل من ساحة الى ساحة ومن بلد الى آخر، ولم ينقص المشهد العربي سوى تحشيد أساطيل الجو والبحر من سيد أميركي وعشرة خدام من الدول بقيادة سعودية لهجوم إستباقي على اليمن.
لعبة مصالح الأمم واقعة علينا، على أوطاننا وشعوبنا. ولا حياة في جميع المشاريع الطائفية والمذهبية، إنما الموت والدمار والخراب والتقسيم لخريطة أمبريالية صهيونية جديدة.
يبقى الحوار الوطني في اليمن أو غيرها في منطقتنا العربية هو الملجأ الوحيد للحل، وتبقى فلسطين الوجهة والبوصلة نحو التحرير.