ضيف العدد: ابراهيم بيرم - حوار "حزب الله" – المستقبل ماذا يحمل من وعود؟
حوار "حزب الله" وتيار "المستقبل" الذي تحتضنه الرئاسة الثانية في مقرها الذي بدأ منذ كانون الأول الماضي، لم يكن بطبيعة الحال الأول من نوعه في تاريخ لبنان ما بعد اندلاع الحرب الأهلية في عام 1975، إذ ان الراصد للتاريخ المعاصر لهذا البلد يخرج باستنتاج فحواه ان المحطات الحوارية بين الأفرقاء اللبنانيين المتنازعين في داخل البلاد وخارجها هي سمة أساسية من سمات دورة الحياة السياسية فيه.
مواضيع هذه الجولات الحوارية تختلف نتائجها وتتباين ورعاتها يتعددون، ومحطاتها أكثر من تعد وتحصى، فمن لوزان الى جنيف في سويسرا الى الطائف مروراً بميدان سباق الخيل وبكفيا، وصولاً الى الطائف في أقصى الشمال السعودي. ولكن الجوهر واحد ان جذوة النزاعات والصراعات والخلافات في لبنان متقدة دوماً وتحتاج الى من يبردها بحوارات بين الأفرقاء.
تتعدد عناوين طاولات الحوار ولكنها تندرج في خانة أمرين اثنين:
الأول: خفض منسوب التوترات الأمنية والسياسية وتبديد حالات الاحتقان التي تكون بالعادة قد بلغت أوجها وساعتها تكون عملية ربط نزاع.
الثاني: البحث عن حلول ومخارج لإنتاج تسويات صيغ تسووية تعصم عن لبنان الذهاب الى الاحتراب الأهلي وتؤسس للانتقال من حال الى حال.
ومما لا ريب فيه ان المرحلة التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005 وما اكتنفها من انقسامات وصراعات وضعت البلاد في أحيان عدة على شفا حفرة من العودة الى الحرب الأهلية، هي أعادت الاعتبار الى موضوع طاولة الحوار بين الأفرقاء والتي بدأت في مجلس النواب ثم انتقلت الى قصر بعبدا بعيد انتخاب الرئيس السابق ميشال سليمان رئيساً في أعقاب اتفاق الدوحة في عام 2008.
وبناء على كل هذه المعطيات، فإن الحوار الأهم في لبنان منذ الشهر الأخير من العام الماضي، هو حوار عين التينة الذي يسبغ عليه رئيس مجلس النواب نبيه بري رعايته وينصب نفسه حارساً وحامياً له يبتهج مع كل جلسة ويتيأس بعد كل استهداف للحوار وخصوصاً من بيت التيار الأزرق الذي صار بمنازل كثيرة، قد صار الحوار المؤمل به وحوار الضرورة الذي بات طرفاه قاصران عن مغادرته والتحلل منه وهو ما أكدته تجارب وتحديات عدة مر بها هذا الحوار ورأى البعض انها تصويب عليه بقصد الاطاحة به.
أين موقع هذا الحوار من كل التجارب الحوارية التي سبقته وأي هوية يمكن اعطاؤها له؟
إن الحوار الذي قدر له ان يكون مدبراً وخصوصاً ان له دوراً إضافياً وهو ملء الفراغ السياسي الحاصل بفعل المراوحة والعجز عن انتخاب رئيس جديد، انه أيضاً حاجة ماسة لطرفيه لاقناع جمهورهما انهما لا يبغيان الذهاب الى حالات مواجهة وانهما يريدان تكريس استقرار نسبي في محيط مشتعل ووسط ساحات تذهب نحو مراحل احتراب أهلي أو ما شابه، وتنطوي على احتمالات مفتوحة منها تقسيم المقسم وتجزئة المجزء ولا سيما بعد استعار عصبيات مذهبية واثنية.
وبالاجمال الحوار بين التيار الأزرق والتيار الأصفر هو بشكل أو بآخر دليل عمل كل من طرفيه على انهما في طور طي صفحة من القطيعة والعداء والمواجهة على ألوانها بينهما امتدت عملياً منذ عام 2005 وكانت لها محطات مشهودة وأيام معدودة، وجربا فيها كل أنواع الأسلحة، فضلاً عن فيض من الرهانات على تطور دراماتيكي في تلك الساحة أو على سقوط مدو لنظام في تلك.
عندما قرر تيار "المستقبل" الذهاب الى هذا الحوار أسبغ عليه وصفين الأول ربط نزاع ليس إلا، والثاني انه لا يرمي إلا الى خفض منسوب الاحتقان منعاً لانفجارات محتملة.
وفي العموم، كانت عودة التيار الأزرق الى التحاور مع من رفعه الى مقام الخصم اللدود مسقطاً كل "حيطان العمار" معه، صعبة وشاق عليه تسويقها، فيما تعامل الحزب معه على أساس انه "مكسب" سياسي من دون ان يمضي بعيداً في الرهان على نتائجه، فإذا كان الآخرون يريدون الصورة فأهلاً وسهلاً، واذا أرادوا أكثر من ذلك فنحن لهذه المهمة "مجندون" ذلك كان لسان حال قيادة الحزب لدى تبريرها عملية التحاور مع من شهر سلاح العداء طويلاً في وجه الحزب.
تسع جلسات متتالية انتجت وبإقرار الطرفين جملة مكاسب، وحققت مجموعة انجازات وإن كانت قاصرة عن بلوغ مرحلة التفاهم التي تنتج تسوية على القضايا والملفات الكبرى المعلقة كمثل انتخاب رئيس جديد للبلاد. فثمة اجراءات أمنية في العاصمة ومحيطها نفذت، وهناك خطة أمنية في البقاع الشمالي مررت أيضاً، وهناك عملية "تفكيك للامارة الإرهابية" في سجن رومية قد تحققت وثمة أيضاً وأيضاً عملية تفعيل ولو محدودة للحكومة قد حصلت.
وأولاً وأخيراً ثمة حالات استرخاء مشهودة في مناطق في بيروت والشمال كانت على الدوام تؤدي دور المؤجج والمستعد للتأجيج والشحن على نحو سمح للمراقبين بالقول إن ما بعد جلسات حوار عين التينة ليس تماماً كما قبلها، وان التصميم على الدفع بالحوار قُدماً أمر لا مفر منه، بدليل ان مسارعة "المستقبل" الى تأييد "مغامرة" السعودية في اليمن باعتبارها خطوة حكيمة وجريئة ومعارضة الحزب لها ووصفها بـ"العدوان" الموصوف لم يفسد للحوار قضية، إذ أكدا، وكل منهما يجاهر بموقفه هذا، الحرص على الذهاب الى جلسة الحوار الموعودة في 2 نيسان الحالي.
وحيال ذلك، فإن السؤال المطروح ماذا يختزن هذا الحوار من وعود وآمال غير "صون الاستقرار" بخفض الاحتقان؟
كلا الطرفان يؤكدان ان الحوار لم يعد وحسب "ربط نزاع" فقد صار لزعيم التيار الأزرق يمثل معبراً ليعود الى سدة الرئاسة الثاني يقيناً منه ان قطيعته للحزب حاجز أمام بلوغ هذا الهدف الذي لم يعد خافياً يوم تنضج تسويات المنطقة الآتية ساعتها ولا ريب.
وفي المقابل يريد الحزب ساحة لبنان مستقرة ولا يريدها مضطربة تستنزفه وتمنعه من الانطلاق الى ما هو أكبر في نظرة وقنطرة العبور الى ذلك مراضاة التيار الأكثر تمثيلاً للساحة السنية وتهدئة خواطره وتبديد هواجسه دانة العدوان، والابتعاد عن منطق القوة الطائفية أو القبلية، والشروع في حوار وطني داخلي حقيقي يمثل كل أطياف المجتمع اليمني السياسية والاجتماعية من أجل بناء دولة وطنية ديمقراطية موحدة ومستقلة. قبل أن تدخل اليمن والمنطقة في نفق الموت الطويل.