مر الكلام: نديم علاء الدين
من العراق الى كل المنطقة ملامح انفجار واسع
أظهرت الأيام المنصرمة أن إعادة السيطرة على شمالي العراق أو "تحرير" المناطق التي خرجت عن السلطة المركزية وتطويقها مع كل التجييش الطائفي والاستنفار "الجهادي" أمر بعيد المنال. فالثابت الدائر على الأرض هو حرب المواقع، أو المعاقل، التي أدخلت العراق وسوريا وربما سائر دول المنطقة في عملية عسكرية وسياسية واحدة.
جاء ذلك بعد النجاحات التي حققها الجيش السوري على المعارضة المسلحة، التي أصابها التشتت والضعف وفقدان المبادرة، ومعها تراجع الخطر على النظام، فقد وسعت الولايات المتحدة ومعها حلفاؤه في المنطقة مسرح العمليات من سوريا إلى العراق، مع تطوير للأهداف. ففي حين كانت في سوريا إسقاط النظام لوضع اليد عليها وتغيير موقعها الاستراتيجي، فأنها في العراق تجعل من التقسيم مدخلاً لضربه وتعطيل دوره وموقعه، وبؤرة لمؤازرة المعارضة السورية، وتقطيع أوصال المنطقة وصولاً لاستنزاف قدرات إيران وفتح جبهة معها. إذ من غير الممكن عدم التوقف عند تصريح مسعود البرزاني الأخير، وإعلانه أنه "حان الوقت ليقرر الشعب الكردي مصيره وأن يقيم دولته المستقلة"، كما لا يمكن النظر للسيطرة على كركوك وإسقاط المادة 140 من الدستور العراقي المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها، إلا في سياق توسيع حدود الإقليم الساعي للاستقلال، في مسيرة تبدو رعايتها جلية من وزير الخارجية الأميركي ووزير الخارجية البريطانية اللذين زارا اربيل وتعاملا معها كأنها عاصمة لدولة مستقلة. وفي السياق عينه يعلن وزير خارجية العدو الإسرائيلي بأن "إسرائيل ستكون أول من يعترف بإقليم كردستان إذا أعلن قيامه دولة مستقلة".
استناداً إلى الوقائع الميدانية المستجدة في شمال العراق، والحراك الكردي، لم يعد السؤال الآن هل يقسم العراق أم لا، بل بات السؤال هل ينجح هذا التقسيم أو يمر؟
إن سيطرة تنظيم متشدد مثل «داعش» على منطقة ما في العراق وتأسيس حاضنة له هناك، فهذا معناه وجود جيب في العراق يخطط ويجهز ويرسل المقاتلين إلى إيران. لا يتهدد بحرب سنية ـ شيعية فقط، بل يتهدد بتحقيق المشروع الأميركي ـ الصهيوني الأصلي بتغيير مجرى الصراع في المنطقة بين العرب وإسرائيل إلى صراع بين العرب والفرس.
إن خروج منطقة واسعة من العراق، خصوصاً محافظة الأنبار، تقطع طريق التواصل مع سوريا ولبنان إلى حوض البحر الأبيض المتوسط، هو بمثابة دفن للطموح الإيراني بدور كبير في المنطقة، وتأسيس لمحاصرتها بالإضافة إلى حلفائها.
استناداً إلى كل ذلك، فإن طبيعة المرحلة تفرض على إيران التعامل مع مستجدات الوضع بشكل مختلف عن تعاملها مع الأزمة السورية. ففي سوريا اكتفت بمساعدة النظام على الصمود والوقوف في وجه الحملة التي استهدفته، إلا أنها في العراق سوف تعتبر نفسها في معركة دفاع عن النفس وعن مصالحها وعن حلفائها.
من هنا تبدو إيران الآن على المستوى السياسي مستعدة لنقاش أي حل سياسي يعزل السنة والعشائر عن «داعش» بحيث تكون هناك حكومة من جميع الأطراف حتى لو ضحت بالمالكي لكن شرط أن يكون ذلك أساساً لوحدة العراق، ومنع التقسيم، وإلا ستعمل على تعميم الأزمة لتطال كل المتورطين فيها من دول الجوار، خصوصاً السعودية، التي تعتبرها مسؤولة عما يجري.
وإذا كانت السعودية قد استنفدت معظم أوراقها في مواجهة إيران وحلفائها، إلا أن إيران لم تستخدم حتى الآن أياً من أوراقها المتاحة لردع السعودية وباقي دول الخليج.
من هنا تذهب المنطقة نحو تصعيد غير مسبوق يضعها أمام تحولات مصيرية تستخدم فيها كل أشكال الصراعات المذهبية والقومية وصولاً لإرساء موازين قوى جديدة وواقع جيوسياسي مختلف.
وختم علاء الدين مر الكلام يبقى السؤال عن لبنان والهجمة الداعشية الجديدة والواسعة عليه، فهل هي فقط للقيام بأعمال أمنية أم هي تحضير لتلك المواجهة المنتظرة؟