اتسمت الحملة الدعائية للانتخابات التشريعية والرئاسية التونسية بكثرة الوعود وبسيل جارف من المغالطات، حيث أصبح الليبرالي يتباكى على خبز الفقراء مثل الباجي ونداء تونس في حين أصبح المتستّر بجلباب الدين ديمقراطياً ومدنياً مثل حركة النهضة، فاز النداء التجمعي والنهضة الدينية بالمراتب الأولى بعد أن دفعوا البلاد إلى شفى هاوية التقاتل والحرب الأهلية "هذا بمئذنة يصيح وذا بتلفزة يردّ" من أجل تكريس الاستقطاب الثنائي كأمر واقع، فكفّر النهضاويون النداء وأرهب الندائيون النهضة، وما إن انتهت الانتخابات واستقرّ منصب الرئاسة عند النداء بقيادة الباجي قايد السبسي حتى هدأت النفوس وعاد الحوار الرّصين وتمّ تغليب المصالح والتحالفات والاقصاءات والمحاصّة الحزبية لتتحكم في دواليب اللعبة. فما عدو إلاّ العدو الطبقي، أما الاختلافات الأيديولوجية فمقدور عليها، فتمّ إقصاء الجبهة الشعبية اليسارية صاحبة البرنامج الاجتماعي والاقتصاد الوطني، وتحالفات قوى رأس المال أصحاب البرنامج الليبرالي وتوريط البلاد في مزيد من المديونية والغرق في التبعية لدوائر رأس المال العالمي وضرب أسس استقلالية القرار الوطني الذي عماده بناء اقتصاد وطني مستقل وتحقيق الاكتفاء الذاتي.

كُلِّفَ السيد حبيب الصيد من قبل رئيس الحزب الفائز نداء تونس بتشكيل الحكومة أساسها تقاسم المناصب ومقاعد الحكومة من وزراء وكتّاب الدّولة دون الحديث عن برنامج لإيجاد حلول للملفات الحارقة التي تعاني منها البلاد التونسية وتتمثّل أساساً في الملف الأمني والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

الاختبارات الحقيقية للحكومة كانت ملف المفاوضات الاجتماعية مع أساتذة التعليم الثانوي حيث دخل الأساتذة في إضراب عن إجراء الامتحانات والأمر قد يتطوّر أمام تعنّت الحكومة إلى إضراب مفتوح قد ينجر عنه مرور سنة دراسية بيضاء (سنة دراسية دون إتمام برنامج ودون نتائج). وفي ما يبدو أن تعنّت الحكومة يدخل في تمشي عام تسعى من خلاله إلى "هيبة الدّولة" على حساب المواطن، أي هيبة الدكتاتورية من جديد، فالأمر تعدى ملف المفاوضات الاجتماعية ليشمل مجال الحريات.

أما الجانب الأمني لأن نجح بعض الشيء في محاصرة بعض الخلايا الارهابية النائمة وتفكيك بعضها وحجز بعض مخازن الأسلحة فالأمر لا يعدو أن يكون ذر رماد  على العيون، لأن المفتاح الحقيقي لبناء أمن جمهوري ووفاء الحكومة بتعهداتها ووعودها الانتخابية يبدأ بكشف ملف اغتيال الرفيقين أبناء الجبهة الشعبية الشهيد شكري بلعيد والشهيد محمد البراهمي. لكن بوصلة الواقع تشير إلى غير ذلك، إذ نجد أن محافظ الشرطة علي الوسلاتي الذي حذّر من اغتيال الشهيد شكري بلعيد قرّر الاستقالة من وزارة الداخلية على خلفية ما يتعرض له من إرهاب نفسي وتهديدات تمسّ حرمته الجسدية.

أما بخصوص الملف الاقتصادي فقد تركّز مع الحكومة الجديدة كما سالفاتها على المديونية فقام نواب البرلمان (نوّاب الشعب) بالتصويت على قرض قال عنه النائب عن الجبهة الشعبية الاقتصادي فتحي الشامخي: التصويت لن يكون على قرض بـ: 300 مليون اورو بل التصويت سيكون على بيع البلاد بـ: 300 مليون اورو.