مع الحقيقة: سمير دياب
انتفاضة التنسيق النقابية المستمرة
لم تعد معركة هيئة التنسيق النقابية قضية مطلبية مقتصرة على إقرار سلسلة الرتب والرواتب لقطاع واسع من المعلمين والأساتذة والموظفين والمتقاعدين والمتعاقدين، بل أصبحت قضية حق في الحياة والكرامة، قضية الإصلاح، قضية ضد فساد النظام السياسي – الطائفي وحيتان المال، وضد الظلم والجوع والفقر.
دولة منهارة، مشلولة، مستقيلة من مسؤولياتها الوطنية والإنسانية. الفراغ ينتشر من رأس الدولة إلى كافة المؤسسات، وحده الفساد يتربع على عرش الحركة والنشاطية داخلها. لا شيء يسير بشكله الدولتي المنظم لانعدام التنظيم ولغياب المراقبة والمحاسبة..
خطر الأمن يتقدم بإرهاب التكفيريين، أما الأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي فخطره يتفاقم أكثر فأكثر بفعل ممارسات الإقطاع السياسي والطائفي المسيطر الذي يعطي من طرف اللسان حلاوة ومن مرارة التجييش الطائفي سلاحاً مسلطاً على رقاب الفقراء وتخويف كل طائفة من أخرى، حتى المجاهرة مجدداً بالفيدرالية الطوائفية، وهي اللعبة السياسية المفضلة لزعماء هذا النظام، يحترفون إتقانها لمنع المس بثوابت أسس " الصيغة " القائمة على قانون انتخابي طائفي واقتصاد ريعي وأحوال شخصية مذهبية، ثالوث مقدس، كتحالفهم المقدس.
بلد من دون موازنات، ومن دون منهجية أو خطة لتقليص الديون، أو للحد من حجم البطالة ونوعية الهجرة. بيانات وزارية مستنسخة عن سابقاتها، لا وصفات للعلاج لدى السلطات المتعاقبة سوى وصفة زيادة الضرائب على الفقراء، وتهديد الشعب اللبناني بلقمة عيشه وقيمة ليرته وطرده من منزله، وكأن الطغمة المالية معزولة عن الطبقة السياسية وخطة "باريس" الاقتصادية المدمرة، كمحاولة للتهرب من الإصلاح الاقتصادي والنظام الضريبي.
أزمة النظام تشتد، والمعركة النقابية الاجتماعية تشتد أكثر، وصراع أهل السلطة ضد هيئة التنسيق النقابية مفتوح على كل الاحتمالات، بعد أن فرضت هذه الهيئة حضورها، وكرست موقعها إلى جانب حقوق ربع الشعب اللبناني، وبعد أن أحبطت هيئة التنسيق كل المحاولات السلطوية الرامية إلى شق صفوفها وفك لحمة وحدتها التي أعطتها قوة سياسية ونقابية وشعبية، وقدرة على كسر حلقة لعبة التفريق الطائفي وبناء حلقة تواصل وطنية نوعية تؤسس لقيام حركة نقابية ديمقراطية وشعبية مستقلة تحمل مشعل قضية حقوق العمال والكادحين وفقراء كل الوطن.
انتفاضة هيئة التنسيق النقابية المستمرة، هي انتفاضة إصلاحية بامتياز، وهي معركة شعبية بامتياز. ولأنها كذلك، فإنه من الواجب الوطني مواكبة تحركاتها ودعمها ورفدها بكل مقومات الصمود والاحتضان السياسي والشبابي والطلابي والمدني، كونها معركة وجود حركة نقابية ديمقراطية موحدة في وجه تحالف السلطة والطغمة المالية الذي أرعبته قدرة هذه الهيئة على الحركة والتوسع وتغيير معادلة المواجهة معها، ولأن المعركة مفتوحة ومستمرة فإن أرباب النظام السياسي – الطائفي لن يوفروا تفصيلاً للتحايل على قيادة هيئة التنسيق أو يعدموا خطة للقضاء عليها، ليقينهم أنها ليست معركة سلسلة رتب ورواتب وأجور فحسب، بقدر ما هي مقدمة لمعركة إصلاح وطنية، روت هيئة التنسيق النقابية تربتها وغيرت معادلة غير محسوبة.
انتفاضة هيئة التنسيق النقابية، هي انتفاضة كل الشعب اللبناني، هي الصرخة في وجه الظلم والجوع والفقر. وهي انتفاضة الحق والكرامة والوحدة والإرادة الوطنية لشعب الصمود والمقاومة ضد كل أشكال الترهيب والتخويف والتبعية والارتهان والتطييف لنظام سياسي أمتهن حرفة توليد الأزمات لتأبيد سيطرتة ومنع التغيير الديمقراطي.