حدث ورأي: منذر بو عرم اللجوء السوري... ليس بالعنصرية تعالج المشكلة
في خضم ما تشهده المنطقة من تصدعات وصراعات في أكثر من دولة عربية، تحت خيمة التفتيت الأميركي للكيانات الوطنية بالعالم العربي في إطار مشروع " الشرق الأوسط الجديد" تبقى قضية اللجوء السوري إلى دول الجوار وما هو أبعد، إحدى أبرز التداعيات السياسية والإنسانية للصراع الدامي في سوريا، والذي يأخذ أبعاداً دولية وإقليمية وبطبيعة الحال فإن لبنان وهو الأقرب إلى سوريا يتحمل مليون و300 ألف لاجئ، مسجلين في مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، يوازيهم نحو 500 ألف غير مسجلين.
وبمعزل عن الأرقام ومدلولاتها، تبقى هذه القضية إنسانية بامتياز، وعلى هذه القاعدة يجب التعامل معها، لا على قاعدة العنصريات الطائفية اللبنانية المتناحرة، والمستهدِفة لإنسانية اللاجئ السوري، وحقوقه في الحياة.
دون أن يعني ذلك إغفال البعد السياسي الاستراتيجي لنتائج التهجير وخصوصاً أنه يندرج كما يبدو واضحاً في إطار إعادة ترسيم الخارطة الديمغرافية السورية تمهيداً لتقسيمها على أسس طائفية وقومية، بدأت ترتسم معالمها بوضوح، وهذا ما يرجح تدفق أعداد جديدة من اللاجئين هرباً من جحيم العنف. علماً أن نسبة النزوح السوري، الداخلي والخارجي، هي الأكبر بالتاريخ بعد الحرب العالمية الثانية نسبة إلى عدد سكان سوريا.
اللاجئ السوري في لبنان، بات يعاني الأمرّين نتيجة تسييس قضيته، واستهدافه بزعم الحفاظ على الأمن وكأنه المسؤول عن تسلل المسلحين من سوريا إلى جرود عرسال، ليتم مداهمة المخيمات، لا بل إحراق بعضها على يد مسلحين منفلتين فيما يعمل الجيش اللبناني على حماية هذه المخيمات من هذا الحقد الأعمى.
أما الذروة في هذا النهج فهي ترسانة المراسيم التي أصدرتها حكومة إدارة الأزمة في ظل الفراغ الرئاسي، وأبرز ما فيها فرض تأشيرة دخول على اللاجئين وإلزامهم بالحصول على كفلاء للإقامة في لبنان، والأدهى توقيع المواطن السوري على تعهد بعدم العمل مقابل البقاء في لبنان، أما في الواقع فتستمر عملية الاستغلال المنظم للعمالة السورية بحرمانها من الضمانات الاجتماعية والصحية لتوفير مزيد من الربحية لطواغيت المال.
وإذا كان وزير الداخلية، نهاد المشنوق، قد أقر وبالفم الملآن بأن إجراءات حكومته العتيدة لا تمنع المسلحين من التسلل إلى لبنان قائلاً أنهم يستطيعون الدخول والخروج دون تأشيرة. فالسؤال الذي يُطرح هنا للوزير المشنوق، وحكومة سلام بكل تشكيلاتها، ضد من إذاً توجه هذه الإجراءات؟. وأين حقوق الإنسان في روزنامة عمل هذه الحكومة؟، ولماذا يتحمل اللاجئ السوري جريمة ممارسات الجماعات الإرهابية التي وجدت حاضنتها في النظام السياسي اللبناني، وباستفحال الخطاب الطائفي بين قوى هذا النظام المسؤول حصراً عن استفحال واقع الانكشاف الأمني وتمدد الجماعات الإرهابية، ومعها قوى الأمن الذاتي على حساب الوطن ومصيره.
وفي المحصلة فإن تحميل اللاجئين السوريين وحدهم مسؤولية الواقع اللبناني الهش ما هو إلا ضرب من خيال، فالحل لقضية اللاجئين لا يكزن بترسانة الإجراءات الأمنية والإدارية بعد أن أرفقت الحكومة سياسة النأي بالنفس المزعومة بتعامل غير مسؤول عبر آلية استيعاب اللاجئين ، والتغافل عن ضرورة وضع استراتيجية تحصن السلم الأهلي الداخلي ربطاً بعملية التنمية وتحفيز معدلات النمو الاقتصادي عبر دعم القطاعات المنتجة، ما يؤمن خلق فرص عمل ويخفف من معدلات الفقر والبطالة، وهذا ما يسهم من ناحية في إضعاف البيئات الحاضنة للمجموعات الإرهابية، ومن ناحية أخرى يتيح توفير الاستقرار الاجتماعي والسياسي والأمني، وهذه الاستراتيجية كفيلة في حال تطبيقها استيعاب ملف اللاجئين دون تحميلهم مسؤولية الأزمة الاقتصادية ومعها عدم الاستقرار الأمني، علماً أن نهج أطراف السلطة الشعبوي لتعزيز العصبيات هو من يرفع من وتيرة الاصطفافات الطائفية والمذهبية ويهدد السلم الأهلي، فضلاً محاولة الزج بقضية اللاجئين في أتون هذه الاسقطابات، خدمة لنظام ما هو إلا كونفدرالية مقنعة في أفضل حالاته.