المطلوب واحد... إنقاذ على قاعدة التغيير الديمقراطي افتتاحية النداء 241/ بقلم د. خالد حدادة
المطلوب واحد... إنقاذ على قاعدة التغيير الديمقراطي
افتتاحية النداء 241/ بقلم د. خالد حدادة
بالتزامن مع جريدة السفير
ووصل المخطط الأساسي، ومتفرعاته، إلى المستوى الأخطر، فيما نسميه المرحلة الانتقالية الخطيرة والطويلة في منطقتنا. وما مشروع داعش وخلافتها إلاّ تعبير عن هذا المستوى من التفتيت والتعفن في إطار المنطقة وإلى المستوى الأعمق من الخلاف، ما بين المشروع الأميركي- الصهيوني وبين طموحات الشعوب العربية ومصالحها...
سبق وناقشنا أسباب هذه المرحلة، المشروع الأساسي وظروف تبلوره في إطار "سايكس- بيكو" الثاني أو "الشرق الأوسط الجديد" وتآمر الأنظمة العربية وبشكل رئيسي طرفي "الدكتاتوريات" الملكية في الخليج والجمهورية خارجه مع هذا المشروع، المولّد بذاته، ولخدمته، المشاريع الفطرية المتلاحقة وبشكل خاص مشاريع الطوائف والمذاهب التي تخدم أول أشكال الأصوليات والدول الأصولية ونعني بها الدولة الصهيونية.
وكذلك ناقشنا سابقاً ونؤكد على مسؤولية ما يسمى "المشاريع المواجهة" وبشكل خاص تلك التي تحمل مواصفات مذهبية وطائفية تلاقي المشروع الأميركي أو مشروع داعش، ونعني بذلك بشكل واضح ما يشبه الممارسات العراقية التي كانت وليدة المشروع الأميركي واستمرت معه وبالتنسيق مع إيران... مسؤولية هؤلاء في تأمين البيئة الحاضنة في العراق لمشروع "داعش".
اليوم، لن نستعيد النقاش في هذه الجوانب، بل نشير لها لنقول بأن لهذه المرحلة انعكاسات خطيرة، على الكثير من شعوب المنطقة.. فالتيار الأصولي سيرى بهذه التطورات، دعماً لمخططاته في كل بلد عربي وهذا ما سيترك آثاره في العديد منها ويهدد تطورات إيجابية حصلت في مصر وتونس وغيرها من المناطق ويزيد من المخاطر على دول أخرى، يكفي أن نشير إلى انعكاساتها الخطيرة على فلسطين وقضيتها وعلى لبنان تحديداً.
ففي فلسطين نشهد في هذه الفترة بداية حرب حقيقية ومجرمة على غزة مترافقة مع عدم تبلور لمشروع فلسطيني مقاوم، ينهي مهزلة المفاوضات ويحسم مع مقولة "الوسيط الأميركي".. هذه المقولة التي تستعيد الثعلب المكلف قسمة الجبنة وترتكز عليها السلطة الفلسطينية، كما الحكومة العراقية...
*************
أما في لبنان، الذي يعيش استمراراً لأزمته، فالوضع وصل إلى مرحلة فائقة الخطورة. الفراغ ضرب كل المؤسسات من رئاسة الجمهورية إلى الحكومة إلى مجلس النواب...
وإذا كان الأمر واضحاً بالنسبة لفراغ الرئاسة والمجلس النيابي فإن سياسة "التوافق الحكومي" تعلن فراغاً على مستوى السلطة التنفيذية التي تشترط لعملها إجماعاً شبه مستحيل على كل قضايا البحث من صغيرها إلى كبيرها...
هذا الفراغ الذي يطال مصالح المواطنين وبشكل خاص، وضعهم الاقتصادي والمعيشي، والممارسة تجاه مطالب وحركة هيئة التنسيق هي الأشرس من قبل تحالف البرجوازية اللبنانية وأمراء الطوائف...
وحدها الأجهزة الأمنية وتحت تأثير التوافق الإقليمي الطارئ والمؤقت الذي أنتج الحكومة الحالية، لا زالت قادرة على ممارسة دورها في التخفيف من تأثير هذا الفراغ على الوضع الأمني، مقدمة من أجل ذلك عدداً من الشهداء ومحققة انجازات حقيقية في مواجهة الإرهاب وانعكاسات الوضع في المنطقة...
ولكن هذه المرحلة، مهددة بالانتهاء، لأن الغطاء السياسي لعمل الأجهزة الأمنية بدأ بالتفكك واحتمالات انكشافه الكامل هي احتمالات جدية وموضوعية، تشي بإمكانية انعكاس الفراغ السياسي، خللاً أمنياً، يهدد حياة المواطنين، كما يهدد الوحدة الهشة، للوطن الذي يعاني حكم الدولة الفاشلة...
إن صفة "الدولة الفاشلة" تخطت إطار التحليل والتوقع السياسيين. لتشكل صفة واعتراف من قبل السلطة وأطرافها، رغم محاولاتهم المستميتة للإنقاذ والمصطدمة، بأن الإنقاذ غير متوفر لهم وهم دائماً بحاجة إلى التدخل الخارجي لرسم خرائط الطريق في الأزمات الماضية، ومجدداً اليوم هم بحاجة لتدخل غير متوفر بسبب ما تعاني منه الأوضاع الإقليمية...
**************
إن أصواتاً كثيرة من داخل التحالف الحاكم، بدأت تتحدث عن إعادة بحث بأسس النظام اللبناني مؤكدة فشل هذه الصيغة وبغض النظر عن جوهر المشاريع، فالكتائب والقوات وقوى 8 آذار كلها عبرت بشكل أو بآخر عن حاجة لبنان إلى صيغة سياسية جديدة ولأنها جميعها من منبت طائفي ونتاج تحالف البرجوازية مع قوى الطوائف، فاقتراحاتها تراوحت ما بين، إصلاحات شكلية للنظام الطائفي تتناول تعديل أسس المحاصصة القائمة أو بين الذهاب إلى أطر جغرافية- طائفية، تجذّر الواقع الطائفي وتزيد من الاحتقان المذهبي والطائفي.....
ليس خارج هذا التقييم، الطرح الأخير، الذي قدمه العماد ميشال عون تحت مسمى "المبادرة الإنقاذية".... إيجابية وحيدة وصادقة في هذه المبادرة. اعتراف جديد من قوى النظام بفشل الدولة والحاجة إلى إنقاذ حقيقي ينطلق من توصيف واقعي لأزمة النظام والدولة، توصيف يمتلك جرأة الإشارة إلى أن أزمة لبنان الحقيقية نابعة من ائتلاف مصلحة البرجوازية مع الطبيعة الطائفية للدولة والنظام. وأي حل لا ينطلق من نفي هذين السببين يبقى ناقصاً وغير قادر على الحل.
عدا ذلك لم نلمس طابعاً إنقاذياً جدياً لهذه المبادرة... فمن حيث الشكل أتت هذه المبادرة، بعد وضوح مأزق الصلات العونية - الحريرية، والرفض السعودي الواضح لترشيح العماد لرئاسة الجمهورية وهذا يضع المبادرة في إطار ردة الفعل، الذي سرعان ما تضيع في أي تطور على هذا المستوى. وكذلك التوقيت الذي لا يشي بجدية هذه المبادرة .
أما من حيث المضمون فالوضع أخطر بكثير، ففي ظل هذه الاندفاعة المدعومة أميركياً وخليجياً، للفكر الأصولي وفي ظل تعمق الحالات "الداعشية"، يأتي الواقع الطائفي لهذه المبادرة "رغم إعطائه الطابع المؤقت"، ليزيد من واقع الداعشيات اللبنانية الممتدة في كل الطوائف والمذاهب، بما يعني المزيد من التعصب فبينما يدفع منطق المواجهة إلى الذهاب باتجاه المواطنة والعلمنة والديمقراطية، فإن جوهر المبادرة، يعمق المنحى المذهبي والطائفي ويزيد من خطورته..
ينطبق هذا الانطباع بشكل خاص على اقتراح "القانون الأرثوذكسي" كما ينطبق على الشكل المقترح على دورتين لانتخابات رئيس الجمهورية، إن أية مبادرة، لا تصيب جوهر النظام الطائفي وبالتوازي سياسته الاقتصادية الاجتماعية، هي مبادرة عاجزة ومن ضمن ثوب النظام في أحسن الحالات ..
إن خطورة الوضع، داخل لبنان، وربطاً بالوضع الإقليمي، تستوجب اتجاهاً حقيقياً، شعبياً بالدرجة الأولى، للضغط باتجاه انتخابات نيابية ذات طابع تأسيسي، تنطلق من قانون للانتخابات، خارج القيد الطائفي وعلى أساس النسبية وفي الدائرة الواحدة. انتخابات تنتج مجلساً نيابياً يقوم بمهمة إعادة صياغة دستور جديد... نعم لقد سقط اتفاق الطائف منذ عام 2005 وسقط ملحق الدوحة مع انتهاء ولاية الرئيس سليمان ولم يعد لبنان قادر على تحمل انفجارات أخرى ينتج عنها ملاحق طائفية جديدة، لن تنقذ النظام ولن تخرج الدولة من فشلها...
أما الجانب الاقتصادي – الاجتماعي، فلا يمكن فصل النضال بإطاره عن المهمة الأساسية. وربما تكون الخطوة الراهنة والملّحة، هي دعم هيئة التنسيق بكل مبادراتها وباتجاه فرض مطلبها وكذلك دعم حركتها من أجل دولة الرعاية الاجتماعية، هذه الحركة الدافعة باتجاه تكوين التحالف الشعبي النقابي الذي يقدم صورة حقيقية ورافعة حقيقية للوطن الديمقراطي البديل.