محور العدد: 28 عاماً على استشهاد المفكر الشيوعي حسين مروة سمير دياب
حسين مروة .. يكلمنا
مرة بعد مرة، ونعيد الكرة، بأن حسين مروة علمنا أن الفكر ليس للتصفح، أو للحفظ الغيبي، بل أنه يخضع لمنهج علمي، ولآليات تحليل لواقع التاريخ، وإعطائه الشكل والمضمون، ليقينه أن البعد المعرفي ليس مطلقاً، وليس واحداً، لأنه متعدد حسب تعدد الايديولوجيات في المجتمعات الطبقية. وكل أيديولوجية ترتبط بمصالح طبقتها.
من فهمه العلمي، َجدَ المفكر حسين مروة في البحث عن ثورته الفكرية الماركسية بقاعدتيها المادية، التاريخية والجدلية، كفلسفة للطبقة العاملة في ممارستها النضالية الثورية من أجل عدالتها الشاملة واشتراكيتها. محاولاً خوض معركة الإشكاليات الفلسفية الأساسية من مكان موقعه الفكري وإنتمائه الطبقي، للمساهمة في فتح نوافذ جديدة لدخول أشعة شمس الحقيقة وفق منهجية علمية باحثاً في العلاقة بين الفكر والوجود، وفي البعد العلمي لفهم العالم بسيرورة تطوره، وفي تحليل نظرية المعرفة التي أستولدت التناقض الأساسي، بكل أبعاد الصراع الطبقي وتحليلاته المادية الجدلية أو الماورائية.
من هنا كانت مقاربة المفكر حسين مروة حول التراث، وحول التعاطي معه، من زاوية التحليل المادي التاريخي، انطلاقاً من العلاقة الجدلية بين الحاضر والماضي، ليؤكد لنا في إنتاجه الموسوعي المعرفي الرائع " النزعات المادية في الفلسفة العربية - الإسلامية" أنه لا يمكن قراءة الماضي وحركته من دون الالتفات الى البنية الطبقية الاجتماعية التي أفرزته، وإلا فإننا سنقع في السرديات والغيبيات التاريخية، وأفخاخ الطبقة المسيطرة التي تحاول تجويفه وتشويهه لـتأبيد سيطرتها وتكريس أيديولوجيتها.
تحرير التراث العربي – الإسلامي من سكونه وخضوعه، وتوظيفه في خدمة حركة التحرر الوطني العربية. يعني في إنتاج المفكر مروة "تحرير العقل"، ويعني "إخضاعه للنقد". ولأن باب النقد موصداً أمام " فكر النقل" تم أستهداف هذا "العقل" برصاصات كاتمة للصوت أصابت جسد هذا الشيخ الشيوعي الجليل، الذي أغمض جفنيه داخل فراش منزله في السابع عشر من شباط من العام 1987، لبرهة، يستيعد فيها ذاكرة شريط كتاب "تهافت التهافت" لابن رشد، وينام مطمئناً إلى تناسل موسوعة نزعاته الفكرية المعرفية، وإنتشارها مهما حاول غلاة التعصب والتطرف المتسترين وراء عباءة الدين، من اللجوء إلى أعمال العنف والاغتيال والقتل، وإلى ممارسة كل أنواع الترهيب الفكري والسياسي الظلامي والعدائي ضد الفكر التنويري العقلاني، وضد رموزه من أهل ثقافة الإبداع والنقد والعلم والتقدم في بحور الفلسفة والسياسة والأدب والفنون..
أخذ حسين مروة الطريق الصعب، وكان مدركاً لخطورته، لكنه سلكه بجرأة ثورية، ليقدم برهاناً علمياً جديداً أن العقل أقوى من النقل، وأن الفكر لا يموت كما المادة لا تفنى. وأن القراءة في النور أوضح منها في الظلمة، وأن تسيد الجهل فكرة خبيثة لا تولّد سوى التخلف والتبعية والإحباط، وأن حركة التاريخ الإنسانية ستمشي قدماً إلى الأمام مهما تشدد المتشددون المنغلقون في محاولاتهم الرجعية لتغييب العقل والوعي، ومهما حاصروا الشمس في كهوفهم المظلمة وعصورهم الحجرية من الشروق إلا أنها شمس الحقيقة الثورية ستشرق حتماً.
*****
إذا كان حسين مروة لم يغب يوماً، إلا أن الحاجة إلى فكره اليوم مع تفريخ الأصوليات الإرهابية وانتشارها في الوطن العربي بسكاكينها التكفيرية، ومشروعها التدميري الذي يتواءم مع مشروع الشرق الأوسط الإمبريالي –الصهيوني – الرجعي العربي الجديد، يصبح أكثر من ضرورة وطنية، لمواجهة هذا التصحر الفكري والثقافي من جهة، ولبعث نبض الحياة في مشروع حركة التحرر الوطني العربية، يعني الإنتصار لمشروع الحياة والتطور والتقدم.
كم نحتاج اليوم الى إعادة الغوص في ثقافة حسين مروة وكتاباته المتنوعة: من زاوية "مع القافلة"، "وقضايا أدبية"، و"دراسات في ضوء المنهج الواقعي" و" قراءة جديدة لوجوه قديمة"، إلى مجموعة دراسات "تراثنا كيف نعرفه " إلى آلاف المقالات في الطريق، والثقافة الوطنية، والحياة، والأخبار، وإلى عموده " الوطن المقاتل " في جريدة "النداء" الذي شكل خبز الصمود اليومي إبان الحصار الصهيوني لبيروت في العام 1982، وشكل قطرات الحياة للمقاومة الوطنية دفاعاً عن الكرامة والحرية والقضية.. القضية الوطنية اللبنانية والفلسطينية، من أجل التحرير.
ما أحوجنا اليوم الى إعادة التبحر في موسوعته العلمية المتمثلة في كتاب "النزعات المادية في الفلسفة العربية – الإسلامية". مرة.. وألف مرة.
هذه هي ثورة هذا المفكر المبدع الطيب والمحاور، وهذه ثروته التي تركها، ليقينه القاطع بأن الفكر العدمي هو فعل التخلف والبقاء في ظلمته، وأن الفكر العلمي هو فعل التقدم والارتقاء به. ولتأكيده أن منبع المعرفة المادية العلمية هو المنبع الصالح لبناء حضارة الإنسان خارج سيوف الظلم والاضطهاد، وخارج بنادق الاستعمار والاستغلال الوطني والطبقي.
ميراث المفكر الشيوعي حسين مروة، فكر، لن ينضب، طالما التصق بقضايا التحرر والتقدم، وبفلسطين القضية والشعب والتحرير، وبحرية الشعوب العربية وحقوقها، وبالاشتراكية.
يكلمنا حسين مروة اليوم، ويذكرنا، بوصيته، للإغتناء من ميراثه الفكري المادي والثقافي الوطني لتحقيق ثورة تقدم شعوبنا، ويصرخ فينا "زيدوا ثقافتكم".
*****
تحية الى الشهيد الكبير حسين مروة في الذكرى الثامنة والعشرين لاستشهاده. وتحية الى كل شهداء الفكر والمقاومة والحرية والكلمة والنضال الديمقراطي.