الفترة الاخبارية المستمرة يوميا من السابعة وحتى العاشرة صباحا
المواطن والقانون الجمعة 2.30 مع المحامي عبد الكريم حجازي
شباك المواطن مع ليال نصر السبت بعد موجز 10.30 صباحا
Like Us On Facebook : Sawt el Shaab
اشكاليات الاثنين 4.30 مع عماد خليل
الفترة الاخبارية المستمرة يوميا من السابعة وحتى العاشرة صباحا
صعبة العيشة هيك - كل تلاتا الساعة 4.30 مع فاتن حموي
حوار فاتن الخميس بعد موجز 4.30 والاعادة الاحد بعد موجز 11.30 مع فاتن حموي
البلد لوين مع الين حلاق الاثنين 5.30
عم نجم الاربعاء بعد موجز 3.30 والاعادة الاحد 6 المسا مع ريميال نعمة
عينك عالبلد مع رانيا حيدر الجمعة 4.30
Displaying 1-1 of 1 result.


رائع – حسين مروة في الجانب الآخر من حياته .. هناء مروة

هناء مروة

ذات يوم..  في 17 شباط  من العام 1987، حوالي الساعة الرابعة بعد الظهر، امتدّت يدُ الغدرِ والحقدِ لتزرعَ رصاصة بحجم حبةِ الزيتون، فتخترقَ رأسك وترديك بين يديْ زوجتك، فحرمتْكَ يومها بالذات لذّةَ الانتصار"لعائلتكَ الكبيرة" في تلك المعركة الوجودية.

ذات يوم،  منذ 28 سنة..  أُفْ..  يا إلهي كم يُعذّبني ذلك اليوم: لا أعرفُ حينها لماذا حضّرتُ، لوجبة الغداء، طبخةَ الملفوفِ المحشيِّ، دون أن يخطرَ ببالي أنكَ لا تستسيغها طعماً، لكنكَ، مع ذلك، تأكلها كرمى لي ولعائلتي وللوالدةِ طبعاً.. كم أذكرها بحسرةٍ بالغة تلك الظهيرة..

ذات يومٍ من التاريخ نفسه... أُفّ ياإلهي..  لماذا اختار القاتلُ المجرم تلك الساعةَ بالذات.. إذ كنتَ قد رجوْتَني  صباحاً،  أن أُحضِّرَ اللازمَ لنتشاركَ بهجةَ الانتصار، بالحدث - يومها-  مساءً، على أن أنزلَ لعندكَ من حيث سكني المؤقت للبدءِ بكتابةِ الجزءِ الثالث من موسوعتكَ، بعد شربِ شاي العصرِ طبعاً (وكانت مهمّتي وقتها مساعدتكَ في الكتابة بسببِ عجزكَ الطارىء عن الإمساكِ بالقلم) .  وبدأتُ فعلاً بتحضيرِ التبّولةِ وملحقاتها منتظرةً الساعةَ الرابعةَ لأحقّقَ رغبتكَ ... فحدثتِ الكارثة.. وضاعَ الحلم...   لقد قتلوكَ - حسين مروة -  ظنّاً منهم أنّهم بذلك، يُلغون المعرفة ويرتاحون من خطر  الفكر  المتنوِّر... 

28 سنة مضت.. وغاب جسدكَ  الضعيف الناحل.. تغيّرتْ حياتنا كلِّياً.. سُلِخنا من حضنكِ الدافيءِ الحنون والوديع لأقصى درجاتِ الوداعة .. لقد غاب الجنديُّ الذي حمل السلاحَ-القلمَ  لأكثر من نصفِ قرن،  يصوِّبه نحو الجهلِ،  ناشراً المعرفةَ والفكر، إلى جانبِ الحُبّ والمرحِ والتّفاؤل..

قتلتكَ رصاصةٌ حاقدةٌ  بِيَدِ مجرم سدّدها إلى رأسكَ بأعصابٍ باردة.. أُفّ.. كيف تجرّأَ..؟ !  ولماذا..؟ !

28 سنة.. مضتْ.. غبتَ أنتَ، وقد مضى على ولادةِ إذاعةِ "صوت الشعب"  17 يوماً..  سرورُكَ كان لا يوصَف:  لقد تحقّقتْ أُمنيتُكَ بهذه الولادةِ المنتظرة... كان بودّكَ المساهمةُ والمشاركة  في تطويرها والأخذِ بيدها كما يروقُ لكَ، فكريّاً ولغويّاً..  لكنْ.. غبتَ أنتَ وبقيَتْ هي، واستمرّتْ بعطائها المميّز في كلَّ المجالات..  لقد حُرمتَ أنت هذه المتعةَ،  وحرِمَت الإذاعة من قيمةٍ فكريةٍ إضافية، وحُرمتُ أنا متعةَ تحقيقِ رغبتكَ بتنفيذ خطّةِ المساهمة إياها...

آه  - حسين مروة – أعذرني:  كم لديَّ رغبة بالتّحدّثِ عن الجانب الآخر من حياتكَ: العائلة، الزوجة، الأبناء والأحفاد... الجانب الذي يجهله أكثر الأصدقاء والمحبّين..  أعذرني إنْ كشفتُ بعضاً من رسائلكَ الخاصة، بما فيها من ملامحَ لشخصيةٍ رائعةٍ  ونادرة، شخصيةٍ يفوح منها عطرُ الوداعةِ والشفافيةِ والإنسانيةِ المفرطة...

ما أروعَكَ - أبي -  في ماكتبتَ لزوجتكَ ، أثناء إقامتكَ البحثية الفكرية والعلمية  في موسكو: "... إنَّ نبعَ حبنا الأخضر الشابّ لايهرمُ أبداً، قد نهرمُ نحن ولكنه هو في شبابٍ دائم.. لا، لا ياعزيزتي، ونحن أيضاً لن نعرفَ الهرم والشيخوخة، لأنّ حبَّنا يمدّنا دائماً بحلاوة الحياة، وهذا هو الشباب..."  أجل لقد بقيَ هذا الحب بعد استشهادكَ راسخاً في قلبِ زوجتكَ إلى أن غادرتِ الحياة بعدكَ بثلاثِ عشرةَ سنةً، قضتها غارقةً بحسرةِ الفراق وألمِ الوحشة، فقد كنتَ، بالنسبةِ إليها، جبلاً راسخاً تستندُ إليه في حياتكما المشتركة ... 

لقد زار لبنان يوماً مدير المعهد الذي كنتَ تتابعُ فيه أبحاثكَ في موسكو والتقينا به في بيروت. كتبتَ يومها في رسالةٍ جوابيّة: "...وقد أُبلغتُ من مديرنا أخباراً سارّةً جداً عن انطباعاته التي حملها عنكم في هذه الزيارة، وأنه رأى ستّة  من أولادي وتصوّر معهم.. فوجدتُ في الصّوَرِ جميعاً متعةً وحسرة  لا توصفان.. لقد كان اجتماعنا مليئاً  بالأحاديث  الرائعةِ عن عائلتنا الكبيرة(ويعني بها الحزب الشيوعي).. كان يتحدّثُ إلينا عن ذلك بحماسةٍ عاطفيةٍ حارة، وباقتناعٍ وطيد أنّ عائلتنا الكبيرة تعيشُ مرحلة  مجيدة، وأبدى سروره من اجتماعه معكم ... "

ما أروعكَ ياوالدي..! كم أُقدّرُ فيكَ الجمعَ - دوماً-  بين عائلتكَ الصغيرة وبين حزبكَ والأصدقاء جميعاً.. كم كان قلبُكَ  كبيراً، كبيراً يتّسعُ لكلِّ هذا الجيشِ من الأصدقاء والأحباّء ومن الرفاق معاً..!

صعب   الحديثُ  عن  ملفٍّ  كاملٍ، كبيرٍ وكبير عن حياةِ حسين مروة الشخصيّة وعلاقتِهِ الإنسانيةِ العميقةِ بعائلته الصغيرة: الزوجة، الأبناء والأحفاد وحتى الأقارب... ملفٌّ هائلٌ من الرسائل لجميع أفرادِ هذه العائلة، تكشفُ فيها  جوانبَ مهمّةً عن شخصيةِ الزوجِ  والأبِ والجدّ..  ملفٌّ كاملٌ من الرسائلِ لابنته هناء - أنا – يَكبرُ بها قلبي وتدمعُ عينايَ كلّما قرأتُها..  رسائل على مدى ستّ سنواتٍ أمضيتها للدراسةِ  في موسكو بعيدةً عن الوطن.. ليت في وسعي نشرَ تلك الرسائل..  لكنّ الخصوصيّةَ  في أكثرها -ربما-  تمنعني... رائعٌ -أنتَ- حسين مروة  في الجانبِ الآخر من حياتكَ التي يُحسُّ بها الأقربون، ويجهلها الآخرون..

حياتكَ في منفاكَ المحبّب، البحثيّ- الفكري،  كانت ممتعةً جدّاً ومتعبة جداً في آنٍ معاً..  كنتَ تحنُّ  إلى عائلتكَ الصغيرةِ كما الكبيرةِ على السّواء، وهو ماعبّرتَ عنه في إحدى رسائلك بعد عودتكَ من سهرةٍ مع بعض الأصدقاء: "... أكتبُ  هذه الكلمات لكلِّ واحدٍ وواحدةٍ منكم بعد الثانية عشرة ليلاً.. كانت سهرةً لذيذةً، أحسست  فيها بحرارةِ الحياةِ العائليّةِ التي أنا في أشدّ الحاجةِ إليها هذه الأيام ..."  كنتَ تكتبُ لكلّ  واحدٍ منّا، وتعدّدُ اسم الزوجةِ  والأبناء والأحفاد:  "... لكل  نصيبه من قبلاتي بالعدل  والإنصاف مع أحرّ الأشواق ...". فتعودُ لتقول:  ".. أبدأُ هذا الصباح بالحديثِ الأسبوعيّ معكم قبل البدءِ بالعمل، وموسيقى " مايّاك " تصدحُ فتثيرُ في نفسي كل  نصفِ ساعةٍ ذكرى خاصّة لا يعرفُ تأثيرها بي سوى هناء وفخر... هذا النّغم ينتفضُ به قلبي حنيناً يكاد يُذيبُ هذا القلبَ المسكين في اغترابه المؤقّت..."  (موسيقى مايّاك تُبثّ من راديو موسكو الرسمي يومياً كلَّ نصفِ ساعة).

لماذا قتلوكَ -حسين مروة-.. لماذا أوقفوا هذا القلبَ النّابضَ  بالحبّ والصدق  والعشق  للعطاءِ، والعملِ المضني -لكنْ المحبّب لكَ  أبداً؟.. منْ أرسلكَ أيها القاتل السفّاح؟.. ماذا تقول حين تسمع الأب يكتبُ لأبنته هذه الكلماتِ الرقيقة: ".. ياهنائي الحبيبة، هاكِ قبلات الصّديقِ الأب  والأبِ الصديق... هاكِ قلبي تريْ  فيه صورتكِ لا تفارقه، وتريْ فيه روحكِ في كلّ نبضةٍ ينبضُ بها...". ويتابع ليقول: ".. أتذكرين رقم  28 تشرين أول؟! ذلك الرقم الذي فصَل بيننا  في مطار موسكو  منذ شهرٍ كامل، بعد ليلٍ ساهرٍ حافل، رغم أننا لم نكن نزيد عن أربعة أشخاص! ..  ولعلّ  دنيايَ  تلك الليلة كانت أحفَلَ ماعرفتُ في الدنيا احتفالا  واحتشاداً..  أربعة  كنا..  لكنّ كلَّ واحدٍ من الثلاثة الآخرين كان حشداً من الحياةِ والناسِ والمشاعرِ في وجودي، وكنتِ أنتِ بينهم دنيا بذاتها، دنيا سخيّة العطاءِ النفسيّ لقلبي، لمشاعري رغم كلّ ماكان يزدحمُ في نفسي وقلبي ومشاعري من أشخاضٍ وأشياءَ ومشاغل أنتظرُ لقياها في مساءِ يومٍ مقبل  بعد ذلك اللقاء الساحر في غرفةِ الفندق المسكوبي العزيز، على تلك المقاعد:  السرير والصوفا والأريكة ... لا أزالُ أذكرُ السرير الذي تقاسمناه، أنتِ وأنا،  والصوفا التي كان ينام عليها فخر،  والأريكة التي ناءَتْ بعزيزنا ماجد" (يقصد محمد دكروب). والرسالة تطول وتطول لتنتهيَ بكلماتٍ زادتني تعلّقاً بك: "... أَشَهرٌ  كاملٌ ولا أكتبُ لكِ؟ .. ما أقسى ماصنعْتُ!..  ما أدهَشَ ما جاهدْتُ شوقي وذكرياتي وحبّي! ..  ما أعجَبَ صبريَ  الجاحد! .. ياهنائي الحبيبة..". ماأروع هذه المشاعر تبثّها لابنتكَ، وأنتَ بالطبع تحمل مثلها لكلّ فرد  من أبنائكَ..

إنها  صُوَرٌ مصغّرةٌ عنكَ   - حسين مروة -  في جانبكَ الآخر، الجانبِ الإنسانيّ الذي يجهله الكثيرُ من الأصدقاءِ والرفاق... الجانبِ المحبّبِ عنكَ،  أبي، والذي يعتزّ به كلّ أفراد عائلتكَ الصغيرة.. الجانب الذي يكشفُ كمّا  هائلاً من المشاعرِ التي تفيضُ حباّ وحناناً... أما الجانب الفكري فلا يجهله أحدٌ من الأصدقاء وحتى الأعداء.  لأصلَ، أخيرا، إلى العدوّ  والمخطّط  والمنفّذ  للجريمة، لأقولَ له: ويحكَ، أيعقلُ أن يطاوعَكَ قلبكَ وتصوّبَ رصاصتكَ إلى دماغ هذا المفكّر الإنساني الكبير الوديع، الإنسان المحبّ لكلّ الناس، مهما اختلفتْ آراؤهم  وأفكارهم... إلى هذه الطاقةِ الهائلة التي جمعت جوانبَ مختلفةً من ألوانِ الحياة ..

ما أروعكَ -حسين مروة- وأنت تنظر إلى الحياة  "بتفاؤل  الماركسي وقلبِ المفكّر وحبّ الفيلسوف.." (وقد استعرتُ هذا التوصيف من إحدى حفيداته الرائعات)

حسين مروة .. حزبك َ يناديك َ ويردّد باعتزاز:  منمشي ومنكفّي الطريق... فعلاً منمشي ومنكفّي الطريق بالوجوه الشابّة التي  ستحمل راية الحزب وراية الجيل المؤسّس، الجيل الذي على طريقه مشى ويمشي المخلصون..

   ... أحيّيكَ  - حسين مروة -   بمحّبةٍ وإجلال.


Displaying 1-1 of 3 results.
Displaying 1-4 of 4 results.
- مجلة النداء - موقع الحزب الشيوعي - دار الفارابي - مجلة الطريق