فلسطين: ماري ناصيف – الدبس بالمقاومة الشاملة نحرِّر فلسطين والشعوب العربية
بالمقاومة الشاملة نحرِّر فلسطين والشعوب العربية
في أواسط صيف 2013، أطلقت الولايات المتحدة الأميركية عبر وزير خارجيتها جون كيري خطة جديدة أطلق عليها اسم "الاتفاق – الإطار"؛ وتضمّنت تلك الخطة، التي حازت على موافقة السعودية والأردن، حتى بدون الاطّلاع على تفاصيلها كاملة، نقاطاً خطيرة جداً تؤدي، في حال نجاحها، الى تصفية القضية الفلسطينية ووضع مشروع "دولة اليهود في العالم" على نار حامية.
ماذا كانت تلك النقاط التي لفتنا الى خطورتها في حينه؟
أولاً- التجاهل الكلي لقرارات الأمم المتحدة، وأهمها القرار194، المتعلّقة بمصير اللاجئين الفلسطينيين، وحقهم في العودة، والاكتفاء بالحديث عن "لم شمل" بعض العائلات.
ثانياً- تجاهل مصير القدس، بل ومصير كل المستعمرات (أو المستوطنات) الصهيونية المستمرة في التوسع والتفريخ بحيث باتت تحتل جزءاً كبيراً من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. وهذا يعيدنا الى ما كنا قد طرحناه في العام 1993، مباشرة بعد افتضاح اتفاق أوسلو، من أن ما يعطيه الاتفاق للشعب الفلسطيني ينحصر في "غزة وأريحا أولاً وأخيرا".
ثالثاً- الموافقة على شعار "تبادل الأراضي" الذي أطلقه أفيغدور ليبرمان.
رابعاً- الاعتراف، الشكلي، بمسألة الدولتين، كون "الاتفاق – الإطار" يقرّ للكيان الإسرائيلي بالحق في حماية أمنه على مستويين. الأول بواسطة نشر قوة عسكرية إسرائيلية على "الحدود الفاصلة بين الدولتين"، ولمدة تتراوح ما بين عشر سنوات، كحد أدنى، الى خمسة عشرة سنة. أما الثاني، فيعطي الكيان الإسرائيلي الحق بنشر أجهزة ثابتة ودائمة على طول وادي نهر الأردن الذي يفصل بين الضفة الغربية والأردن.
إلا أن الأهم من تلك النقاط هو ما جاء يومها على لسان بعض المصادر الأردنية المطلعة من أن الخطة حظيت بدعم رسمي أردني وحتى فلسطيني... والله أعلم.
واليوم نعود الى نقطة البداية.
فالمشروع الفلسطيني – العربي، الذي قدّم في 19 كانون الأول (ديسمبر) الماضي والذي عدّل بعض الشيء في 29 من الشهر نفسه، بعد المعارضة الشديدة التي ووجه بها، لا زال يتضمن الكثير من الثغرات والفجوات...
أول هذه الثغرات هو الحديث عن ضرورة التوصل الى "اتفاق ينهي الاحتلال الذي بدأ في عام 1967"؛ وكأني به يتنازل للكيان الصهيوني عن أراضي 1948 وعن المقيمين عليها والمهجرين منها، ناسيا – أو متناسيا – حتى حق العودة لجميع اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم، سنداً إلى القرار 194، الذي وان أشار إليه فإنما يشير بعبارة "حل متفق عليه" بكل ما يكتنف هذا الحل من غموض.
وثاني هذه الثغرات يكمن في المصطلحات (أو الاصطلاحات) المستخدمة، بدءاً بمصطلح "الصراع" العربي – الإسرائيلي الى "اكتساب الأراضي بالقوة"، الى "نبذ العنف والتحريض والإرهاب" (وهذا المصطلح الأخير يأتي بالأساس في سياق الحديث عن الارهاب المستجد وليس عن ارهاب الدولة الصهيونية الممارس منذ مجزرة دير ياسين الى يومنا هذا)، بينما تختفي كلمات من أمثال "العدوان" و"الاحتلال" كأنما يحاول المشروع المقاربة بين المعتدي والمعتدى عليه، أو بين الضحية والجلاّد.
كما نراه أيضا ينسى، أو يتناسى التأكيد على تفكيك المستوطنات، القديمة والجديدة. والأشد فظاعة من هذا وذاك هو عدم ذكر كلمة فلسطين ولو لمرّة واحدة، فيأتي النص ليشير الى تحقيق "الرؤية القائمة على وجود دولتين مستقلتين ديمقراطيتين تتمتعان بالرخاء، أي إسرائيل ودولة فلسطينية ذات سيادة وأراضٍ متصلة جغرافياً"، وليعمل على تجهيل الدولة الفلسطينية وعلى إضفاء صفة الديمقراطية على الكيان الغاصب!!!
وإذا ما أضفنا الى كل ما تقدم ما جاء في الفقرة الأولى من البند الثاني حول الاتفاقات المحدودة والمتكافئة لتبادل الأراضي، لقلنا أن المشروع الفلسطيني – العربي يحتوي على العديد من أوجه الشبه مع سلفه مشروع "الاتفاق – الإطار" الذي أطلقه كيري. بما يعني أن المخطط الهادف الى تصفية القضية الفلسطينية مستمر وان اختلفت أشكال تمظهره.
زد على كل ذلك ما هو مطروح في آخر بند من بنود الفذلكة الذي يقدّر "الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة في الفترة 2013 – 2014 (أي فترة السعي لوضع مشروع كيري موضع التنفيذ) لتسيير المفاوضات بين الطرفين" (أي لجعل الطرف الفلسطيني يعود الى المفاوضات دون شروط مسبقة وبينما يعلو جدار العزل العنصري وتنتشر الوحدات الاستيطانية بالآلاف)... علماً أن الإشادة لم تفد المدّاحين كثيرا، إذ أن التنازلات المجانية المقدمة غير كافية على ما يبدو، فكان أن صوّتت الولايات المتحدة ضد المشروع ومنعت انتقاله الى المرحلة التالية، أي مرحلة الإقرار.
هذه التجربة الجديدة التي تمر بها القضية الفلسطينية، بينما تزداد عدوانية الكيان الصهيوني، ومن هم وراءه من قوى امبريالية، ضد فلسطين ولبنان وسوريا، وتتمدد أذرعه الأخطبوطية الى العراق والسودان والمغرب العربي والخليج، تؤكد أن المشروع المعد لا يتوقف عند حدود فلسطين، بل سيطال كذلك قسماً من الأراضي اللبنانية والسورية المتاخمة للحدود مع فلسطين المحتلة، بما يسمح لإسرائيل - في حال اقتصرت المجابهة على العامل الفلسطيني لوحده - وضع اليد على منابع المياه في الجولان والمرتفعات اللبنانية، من جهة، ومواقع النفط والغاز الممتدة من شواطئ غزة إلى المياه الإقليمية اللبنانية، من جهة ثانية.
من هنا يرى الحزب الشيوعي اللبناني، أولاً، الأهمية القصوى المتمثلة بتوحيد الحركة الشعبية والقوى السياسية الوطنية الفلسطينية في مواجهة المخطط الإسرائيلي... خاصة وأن هذه الوحدة قد أعطت ثماراً ايجابية واضحة في المواجهات الأخيرة في غزة؛ مع ضرورة الإشارة الى أن الدور الواضح لقوى اليسار في مقاومة العدوان، وما نتج عن ذلك من تغيرات في ميزان القوى الدولي لصالح الاعتراف بالدولة الفلسطينية، يؤكد إمكانية إحراز تغيير نوعي في مسار القضية الفلسطينية، في حال تم تبني خيار المقاومة وعدم التنازل عن الحقوق المشروعة.
كما يرى، كذلك، أن مواجهة العدوانية الصهيونية يجب أن تستكمل بمواجهة الامبريالية وحلفائها من الأنظمة الرجعية. بما يعني أنها مواجهة شاملة لا تنحصر في بلد عربي دون الآخر، لذلك ومنذ انطلاقة الثورات والانتفاضات في البلدان العربية حذر الحزب من القوى المضادة للثورة، ودعا، مع اللقاء اليساري العربي، إلى ضرورة قيام جبهة مقاومة وطنية عربية، فالعدوانية الامبريالية الأميركية وأدواتها الصهيونية والدينية والفاشية لا تقاوم إلا عبر بمشروع وطني ديمقراطي تحرري مقاوم.
وفي هذا المجال، أستعير الفقرة التالي نصّها من التعميم السياسي الصادر عن الحزب في أواخر شهر كانون الثاني الماضي: "إن شروط قيام جبهة مقاومة وطنية عربية تتقدم أكثر فأكثر، خصوصاً بعد انكشاف مشاريع القوى الدينية السياسية (الإخوان المسلمون في مصر، والنهضة في تونس)، المضادة للثورة، وازدياد العدوانية الامبريالية، لذلك فإن الحزب الشيوعي اللبناني يضع أمامه، في المرحلة الراهنة، مهمة الاستفادة من تجربة قيام جبهات يسارية في أكثر من بلد عربي، وما حققته من نجاحات في مواجهة القوى الدينية السياسية وفلول النظامين السابقين في كل من مصر وتونس، للتأسيس عليها نحو توحد اليسار العربي على برنامج نضالي للتغيير الديمقراطي الجذري، يشكل مدخلاً إلى توحد النضال على الصعيد العالمي ضد العدوانية الامبريالية التي تستهدف شعوب العالم بأسره، وهي مهمة يضعها الحزب أمام الاجتماع الخامس للقاء اليساري العربي".