عربي: علي غريب سوريا بين مأزق الحسم العسكري وصعوبة الحلول السياسية
وتراوحت المبادرات بطروحات متباينة بين قيام مرحلة انتقالية تؤدي في نهايتها الى بناء نظام لا وجود للرئيس الأسد فيه وبين تسوية سياسية تلعب فيها المعارضة الوطنية دوراً ملحوظاً في صيغة سياسية تدخل فيها اصلاحات ديمقراطية على بنية النظام السياسي.
وفي غياب التوصل إلى الحلول السياسية طال أمد الحرب وكان من نتيجة ذلك تفاقم الأزمة الإنسانية بمزيد من إراقة الدماء والتدمير والتهجير للسوريين ودفع المزيد منهم للتشرد وأماكن اللجوء والمنافي حيث كانت حصة لبنان من ذلك العدد الأكبر من النازحين السوريين تجاوز المليون ونصف مليون نسمة على أقل تقدير.
حصل منذ العام الماضي تحقيق النظام والجيش انتصارات عديدة بمساندة مباشرة من حزب الله، تراجع على اثره الدور التركي الذي فشلت مراهنته على إسقاط النظام، ترافق مع انهزام المعارضة السورية المسلحة وتراجعها، وفقدان أملها بتدخل عسكري خارجي مباشر ما أدى بأطراف الصراع المعارضين المحليين والدوليين إلى إعادة تقويم الموقف وتقديم ما يمكن لمنع حصول هزيمة القوى المعارضة المسلحة. فتم إخراج داعش الى العلن، هدفت أميركا من خلالها الى بناء القوى المعارضة المسلحة وتطويرها من عمليات محدودة الى ما يشبه القوات العسكرية النظامية تم تزويدها بكافة أسلحة الجيوش، وسهلت لها انتصارات كبيرة على ارض العراق لتمكنها من الحصول على السلاح والمال عبر السيطرة على حقول واسعة من النفط وإفساح المجال لتسويقها في السوق العالمية. ما أدى الى خلق وقائع جيوسياسية على الأرض في كل من العراق وسوريا كُسرت فيها حدود اتفاقية سايكس بيكو بإعلان دولة الخلافة الإسلامية ترافقت مع اساليب إرهابية مروّعة واستهدافات مذهبية وأثنيه قاتلة تصب جميعها في خدمة المشروع الأميركي- الصهيوني للمنطقة.
هذا الواقع المستجد أضعف المعارضات المسلحة السورية التقليدية ووضعها بين خيار الإلتحاق بداعش وأخواتها من تنظيمات إرهابية، وبين الخروج من المعركة فإنكفأت أكثرية التيارات السياسية المعارضة الناطقة باسم المسلحين.
بما دفع مجدداً الى إعادة أحياء المبادرات السياسية ولا سيما على المحور الروسي للبحث عن حل سلمي ينهي الأزمة بعد مرور أربع سنوات على حرب كان الشعب السوري أول الخاسرين فيها. بينما كان المحور الدولي المعادي لسوريا يتجه الى تعزيز القوى الإرهابية لإيصال سوريا الى مزيد من تفكيك جيشها وتدميرها وتفتيتها وجرها الى المزيد من الحروب الأهلية وإطالة أمد الحرب لإضعافها بما يسمح في نهاية الأمر الى فرض حل سياسي مبني على وقائع جديدة تصب في خدمة المشروع الأميركي.
من هنا بدأت الإنعطافة الجديدة في الأزمة السورية، وكانت العملية الإسرائيلية الغادرة في القنيطرة التي أدت الى استشهاد مجموعة من حزب الله الى جانب ضابط ايراني كبير، والتي كانت لها دلالاتها ورسائلها المتعددة وفي المقدمة منها اعلان اسرائيل عن دخولها العلني على خط الأزمة السورية ومحاولتها تقديم كل الدعم لجبهة النصرة وإخواتها للسيطرة على منطقة تمتد من المناطق المتاخمة للجولان المحتل مروراً بشبعا ومناطق شرق البقاع وصولاً الى عرسال لعزل دمشق ومحاصرتها وفرض وقائع ميدانية جديدة. يتداخل فيها الوضع اللبناني بالوضع السوري ترافق ذلك مع إعلان أميركا تقديم كل الدعم لتجنيد ما يقارب الـ 5000 عنصر في مرحلة بدأ الكلام فيها عن حل سياسي للأزمة. بادرت اليه القوى الداعمة للنظام للوصول الى حل سياسي يفضي الى اصلاحات سياسية وقيام نظام تشارك فيه المعارضة الوطنية السورية وذلك عبر المحور الروسي بالإعلان عن مبادرات ما زالت تراوح مكانها دون أي تقدم يُذكر كما صرح بذلك وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف بأن هدف اللقاءات اليوم هو التلاقي لوضع أسس تسمح لاحقاً بقيام مفاوضات سياسية عملية بين النظام وبين المعارضة الوطنية بما يؤدي الى توحيد الموقف السوري عموماً من التنظيمات الإرهابية السلفية. هذه المبادرة ترافقت مع تحريك الجبهات العربية الأخرى ولا سيما منها الجبهة اليمنية بتقدم الحوثيين على الأرض، ما قد يدفع جميع دول المنطقة الى البحث فعلياً عن حلول سياسية تضمن المصالح والنفوذ وهذا ما نشهد له تداعيات على الساحة اللبنانية من فتح حوارات بين الأطراف السياسية المتنازعة لتهدئة الأوضاع ووقف التشنجات المذهبية انتظاراً لما قد ينتج عن المفاوضات السياسية الدائرة في المنطقة.
وفي المحصلة فإن السنوات الأربع الماضية على الأزمة السورية كرّست واقعاً يستحيل فيه الحسم العسكري كما استحال فيها إسقاط النظام السياسي وهذا ما يؤكد ان سوريا ما زالت في المأزق في ظل ابتعاد آفاق الحل العسكري وفي غياب أي أفق للحل السياسي في المرحلة المقبلة القريبة. والمنظور فقط هو اتساع الحرب واشتدادها وإطالة أمدها وتزايد مآسي الشعب في الجوانب الحياتية والأمنية كافة.