مر الكلام: نديم علاء الدين ملامح في المشهد الإقليمي
تترقب المنطقة خلال الأشهر المقبلة جملة من المتغيرات والأحداث تشي بمعظمها بموجة جديدة من التصعيد مسرحها العديد من دول المنطقة، وإذا كان الملف النووي الإيراني الذي ينتظر موعداً حاسماً له في شهر آذار المقبل يشكل محوراً من محاور الضغط الأساسية، ومعه عموم النفوذ والدور الإيراني في المنطقة، فإن الرسائل المتبادلة بين إسرائيل وحزب الله حول الجولان السوري تشكل زخماً إضافياً لعملية التصعيد تلك، والتغييرات التي طالت القيادة السعودية ونظرتها الجديدة للأوضاع في المنطقة ستشكل الرافعة لتلك التطورات ولمنظومة العلاقات فيها.
فالتغيير الذي طال المملكة العربية السعودية، والذي اتفق على تسميته بالانقلاب، يبدو ان مجاله لا يقتصر على الأشخاص والأدوار والمواقع في السلطة، بل يطال أيضاً رؤية جديدة للأولويات وترتيبها في المنطقة ولكيفية التعامل معها، مع ما يستتبعه ذلك من سياسات وتحالفات مختلفة عن تلك التي استقرت عليها السعودية في السنتين الأخيرتين. فالقيادة الجديدة ترى أن إيران ما زالت تمثل الخطر الأكبر على المملكة وعلى دورها الإقليمي، وهو ما تجلى في معظم ساحات المواجهة الإقليمية بين العدوين طهران والرياض، سواء في العراق أو لبنان أو اليمن أو سوريا. وهي التي يزداد خطرها بشكل أكبر إذا ما توصلت الى اتفاق مع الغرب بشأن ملفها النووي، ما يخفف عنها الضغوط والحصار، ويجعلها في وضع مريح وأكثر حراكاً.
جوهر التغيير هنا يتطلب التحالف مع تركيا وقطر، وهذا إن حصل، لا يشكل فقط حشداً في مواجهة إيران، بل يتقاطع مع تخفيف الخطر الثاني المتمثل بالإرهاب، حيث يرتفع منسوب المواجهة السنية الشيعية من جهة، ويجري تلطيف العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين، بدل حظرها كما فعل الملك عبد الله، من جهة ثانية، بما يؤدي الى تحييدها كعائق أمام تمتين التحالف الجديد.
ثمارها العسكرية فستكون حتماً مزيداً من التصعيد بدءاً من الوضع العراقي الذي سيزداد تعقيداً بإضافة صعوبات سياسية إلى الصعوبات العسكرية التي يعانيها في مواجهة داعش، إلى سوريا التي سيساهم هذا التحالف برفع وتيرة المواجهات العسكرية فيها بين النظام والمعارضة بخلافات أقل وزخم أكبر على أمل إحداث خلل في موازين القوى العسكرية تؤسس لعودة طرح اسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، وصولاً إلى تفجير الوضع في اليمن وانفراط العملية السياسية فيه. مع ما يستتبع ذلك من إغراء وتشجيع ودعم للإخوان المسلمين في مصر على مزيد من المواجهة والتصعيد الميداني وكذلك العسكري.
لبنان ليس ببعيد عن التأثر بتلك المناخات وما تحمله من عناصر تصعيد في المنطقة بعودة التشنج السياسي والتوترات الأمنية هنا وهناك، ولا حتى عن المخاطر التي تمثلها المجموعات الإرهابية على حدوده الشرقية.
وفي هذا المجال لا بد من لحظ ما تحضر له إسرائيل على جبهة الجولان السوري بعد الرسائل المتبادلة بينها وبين حزب الله، حيث باتت القيادة الإسرائيلية مقتنعة تماماً، في ظل عجزها عن القيام بحرب جديدة، ان لا خيار أمامها لمنع استنساخ تجربة المقاومة في لبنان ونقلها الى الجولان سوى اطلاق يد المجموعات الإرهابية بتعزيز الحزام الأمني وتمكينه من التصدي لما تعتبره خطراً وجودياً عليها، إضافة الى اذكاء الحرب داخل سورية، وصولاً الى ما تؤكده معلومات متقاطعة من ان إسرائيل تعد خطة مع هذه المجموعات تتجاوز فيها حماية حدود إسرائيل إلى السعي لمحاصرة إمداد حزب الله عبر الحدود السورية اللبنانية، وقطع التواصل بين الجنوب والبقاع من خلال تمدد هذه التنظيمات من القنيطرة الى الزبداني، عبر الداخل اللبناني من شبعا الى البقاع الغربي فالمصنع، وهو ما تنبهت له قيادتا حزب الله وسوريا، وما العمليات العسكرية في منطقة الزبداني سوى عملية استباقية لضرب هذا السيناريو.