مع الحقيقة: سمير دياب حكومة نداء تونس.. إلى الوراء در
لقد هَرِمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية. جملة أطلقها مواطن جليل إختصرت في معانيها معاناة الشعب التونسي على مدى عقود، حتى عاش لحظة فرح الحرية والشغل والكرامة الوطنية.
لم يفطن هذ المناضل الرائع، أن الذئاب ستحاول أن تنهش قلب الثورة، وتغتال روحها، لتسرق مضمون هذه اللحظة – الثورة، وتحولها إلى لحظة قلق جديدة، مرة عبر الاغتيالات، ومرة عبر لعبة الاحتكام إلى صناديق الاقتراع. ما بين لحظة الإنتصار هذه والذكرى الثانية لاغتيال المناضل شكري بلعيد، تعيش تونس مخاض ولادة الحكومة السادسة، ومرحلة ولادة الحكومة الثانية لحبيب الصيد بعد أن ولدت حكومته الأولى ميتة بامتناع "النهضة" والجبهة "الشعبية" عن تزكية الحكومة، ما أعاد خلط الأوراق وفتاوى التحالفات من جديد، وخروج الدخان الأبيض بإعلان تشكيل حكومة من 42 وزيراً وكتاب دولة بالشراكة مع النهضة والحزب الوطني الحر وآفاق تونس أي ما يعادل إلى جانب نداء تونس الحصول على أغلبية 179 نائباً من أصل 217 نائباً يمثلون المجلس التشريعي.
الأوضاع في تونس إلى مزيد من التبعية والترهل والقضاء على أهداف الثورة، خصوصاً بعد مغازلة النداء لحركة النهضة والإستجابة لشروطها في إختيار الحبيب الصيد كرئيس توافقي للحكومة، وتحييد وزارات السيادة وتعيين وزير داخلية له علاقة بالنهضة بغرض عدم فتح ملفات حكمها من سلسلة الإغتيالات ( بلعيد – البراهمي) والقمع في سليانة والتواطؤ مع أنصار الشريعة وصولاً إلى الفساد السياسي والمالي والإداري.
عاش التونسيون لحظة أمل جديدة بالتصويت لنداء تونس في الرئاسة والبرلمان، للتخلص من تجربة مريرة وقاسية مع حكم "إخوان النهضة" بغرض استعادة روح الثورة وإكمال مهامها. لكن نداء تونس سرعان ما كشف عن قناعه المزيف، وخان أصوات ناخبيه، كما تنكر لبرنامجه الانتخابي في الإصلاح ضارباً عرض الحائط ما ورد في الدستور. وبشراكته مع النهضة في أول حكومة له، يتحول نداء تونس إلى ذئب آخر، ينهش بأنيابه ما تبقى من أمل في الإصلاح داخل تونس، وإلى حمل وديع ينفذ إملاءات وشروط مفكرة الخارج كما أسلافه دون أن يحيد عن الخطوط المرسومة لمصالح القوى الإمبريالية والرجعية.
تونس مع عمال وشباب ونساء الإنتفاضة، مع عشاق الحرية وشهداء التحرر والتغيير. وعلى تناقض مع أحلام الشعب ونضاله من أجل الحرية والشغل والكرامة الوطنية والتغيير الديمقراطي.
حكم "نداء تونس" ومن أولها، اختارت وضعية إلى الوراء در، في ظل حكومة مؤقتة – هجينة، على تناقض تام مع شعب تونس الثورة، مع
ثنائية نداء تونس والنهضة في الحكومة يعيد تونس إلى المربع الأول، إلى المربع الهش المعلق على تحالف لا أمل مرجو منه في تنفيذ البرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعي الموعود. فحكومة الصيد التي تنتظر موافقة المجلس النيابي، سبقتها إشكاليات كثيرة، وردود فعل سلبية من داخل نداء تونس، عدا عن اهتزاز الثقة بهذه الحكومة قبل أن تباشر عملها بفعل تركيبتها العجيبة وإسقاطها تحت حجة الضرورة الوطنية.
*****
لعل مناسبة الذكرى الثانية لإغتيال المناضل شكري بلعيد التي ستبدأ فعالياتها في السادس من شباط الحالي تكون في ذات الوقت مناسبة للقوى اليسارية والديمقراطية التي فرضت احترامها وحضورها السياسي والشعبي، وواكبت وما تزال تواكب مهامها من أجل إكمال مهام الثورة الشعبية. أن تعلن حالة الطوارئ في صفوفها لتقليص مساحات الاختلاف فيما بينها، ووقف الإتهامات المتبادلة فيما بينها، والعمل على تجميع صفوفها. فتونس اليوم، بحاجة وطنية ماسة لقوى التغيير، ولوحدتها، ولإعلان ميثاق يتضمن برنامجاً وطنياً شاملاً، وخارطة طريق لمواجهة ذئاب الثورة، كمهمة وطنية تاريخية من شأنها، إعادة الإستدارة بتونس نحو التقدم خطوات على طريق أهداف الثورة التي حلم بها الملايين، والتي عبر عن لحظتها هذا المواطن التونسي الذي نطق باسم شعب تونس، وباسم شعوب العالم المضطهدة.
هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية، وعلى اليسار مسؤولية تاريخية في إستعادة هذه اللحظة في أجل بناء تونس الدولة الوطنية الديمقراطية العلمانية الحقيقية.