الملف النووي الإيراني بين آمال الحل وشيطان التفاصيل - وسام متى
لعلّ قراءة سريعة في أبرز التصريحات المرافقة للجولة التفاوضية الثانية عشرة، والتي استضافتها مدينة جنيف السويسرية، تعكس بشكل أو بآخر نقاط التموضع التي اختارها فرقاء التفاوض، وعوامل الكبح والدفع التي تسلكها عربة الحل السلمي للملف النووي المثير للجدل، والذي تتوقف عنده ملفات كثيرة في المنطقة العربية.
وعلى الجانب الإيراني، كان التناقض واضحاً في سقف التوقعات بين رئيس الدبلوماسية ظريف، الذي أعرب عن أمله في أن "تساعد اللقاءات في التوصل إلى اتفاق نهائي"، وبين رئيس مجلس الشورى الإسلامي علي لاريجاني الذي أعرب عن أسفه للسلوك الذي انتهجه الغرب في المفاوضات بعدما "أظهر انه ليس مؤهلاً لتسوية هذه القضايا"، حتى أن لاريجاني ذهب بعيداً في التهديد بأن البرلمان الإيراني "قد يوصي بتخصيب اليورانيوم بأي نسبة" في حال فرضت الدول الغربية عقوبات جديدة على الجمهورية الإسلامية.
أما على الجانب الأميركي، فقد كان ملفتاً إشهار الرئيس الأميركي سلاح "الفيتو" الرئاسي ضد أي قرار يتخذه الكونغرس لفرض عقوبات جديدة على إيران، باعتبار أن "لا حجة لمحاولة تقويض المفاوضات قبل أن تنتهي"، خصوصاً أن "فرص التوصل إلى اتفاق دبلوماسي مع إيران هي أقل من خمسين في المئة"، وهي نسبة ليست بالقليلة، إذا ما أخذت في الحسبان التعقيدات المرافقة لهذا الملف المعقد.
وبين الموقفين الإيراني والأميركي، كان الموقف الأوروبي أكثر دقة، من الناحية التقنية، وقد عبّر عنه الوزير الفرنسي لوران فابيوس حين أشار إلى أن "هناك مسائل مهمة يجب حلها بشأن المفاوضات النووية".
أما التوضيح الأدق لعبارة "مسائل مهمة يجب حلها"، فقد قدّمه ظريف بعد انتهاء جولة التفاوض، حين أشار إلى أن "البحث يدور حاليّاً على التفاصيل الدقيقة، وهو ما يجعل الأجواء أكثر جدية"، في الاجتماعات الماراثونية التي تبدو "صريحة للغاية"، وفي بعض الأحيان "تأخذ طابعاً حادّاً وأكثر جدية".
وبرغم التطلعات المتبادلة إلى تسوية الملف النووي، وهو ما عبّر عنه الطرفان في أكثر من مناسبة، فإن الشيطان يكمن في التفاصيل، وإلى جانب القضايا التقنية، التي تضفي تعقيدات جمّة على المفاوضات التقنية، والتي يبدو أنها تدور حول "مقدار الطرد المركزي"، وفقاً لما قاله ظريف في إشارة إلى درجة تخصيب اليورانيوم، فإن تعقيدات أخرى غير مرتبطة بالملف النووي مباشرة، وأبرزها تشابك المصالح وتضاربها في آن بين إيران والغربيين، توحي بأن المسار التفاوضي ما زال طويلاً.
في العموم، فإن الاجتماعات الأخيرة، وبرغم التعقيدات، خلصت إلى تقدم ما، يمكن البناء عليه في الجولات المقبلة.
ويبني المتفائلون في إمكانية التوصل إلى اتفاق نووي بحلول المهلة المحددة في تموز المقبل رأيهم على أن ثمة رؤية أوروبية تتم بلورتها في هذا الإطار، وهي تختلف عن الرؤية الأميركية، وربما تلقى استحساناً من روسيا والصين، بما يجعل حظوظها كبيرة في أن تتحول إلى إطار عام للمفاوضات النووية خلال الأشهر المقبلة.
ويعكس انكسار حدة اللهجة الفرنسية خصوصاً، إزاء الملف النووي - بعدما كانت باريس الطرف المعطل لجولتي التفاوض السابقتين - تحولاً كبيراً في موقف الأوروبيين، بعد انتقال ظاهرة الإرهاب الجهادي إلى أراضيهم (هجوم "شارلي ايبدو")، وبعدما تبين لهم عقم سياسات التشدد إزاء الخصوم (روسيا وإيران على وجه الخصوص).
لكن ثمة من يرى أن التفاؤل ليس فرضية يمكن البناء عليها في التبوء بنهاية سعيدة لهذا الملف الشائك، فجولة التفاوض الأخيرة لم تختلف عن سابقاتها، إلا في بعض الأمور الشكلية، والتباين ما زال شاسعاً بين ما ترغب فيه إيران وما تريده الدول الست،وهي نقاط فاصلة تعرقل الوصول إلى اتفاق نووي، خصوصاً في ما يتعلق بنسب تخصيب اليورانيوم، وتلك قضية لا تحل إلا ببناء الثقة بين الطرفين، وهو ما ليس ممكناً في ظل تضارب المصالح على المستوى الإقليمي، وما يتعلق بالمطلب الإيراني برفع العقوبات والحظر الدولي، وهو ما يلقى معارضة شرسة من قبل الجمهوريين في الكونغرس، ناهيك عن إشكاليات التفتيش الدولي للمنشآت النووية، والتي ترى فيه الجمهورية الإسلامية محاولة غربية لاختراق منظومتها الإستراتيجية.
علاوة على ذلك، فإن ثمة أطرافاً عدة ستعمل، كل على طريقته، في كبح أي تقدم في مفاوضات الحل، بدءاً بصقور الكونغرس الجمهوريين وصولاً إلى متشددي مجلس الشورى الإسلامي المحافظين... فيما تبدو إسرائيل مستعدة لإشعال برميل البارود في المنطقة لنسف المفاوضات من أساسها، وهو ما يعد أحد التفسيرات للهجوم الجوي في القنيطرة.