مع الحقيقة: سمير دياب الزواج المدني المشنوق
بدل أن نتقدم خطوة إلى الإمام في حقوق الزواج المدني والمرأة والمواطنة، وبدل الدفع بإتجاه تفعيل وقوننة ما تم تحقيقه من إنجازات فرضتها نضالات المرأة اللبنانية وهيئات قوى المجتمع المدني من أجل تكريس رفع الغبن والتهميش والتمييز اللاحق بالمرأة وتحقيق المساواة التامة. نعود خطوات إلى الوراء: إلى سياسة لحس المبرد، وإلى نغمة الطائفية والمذهبية.. وهكذا، فما تم انجازه في معركة حق إنشاء الزواج المدني وتسجيله في لبنان في وضح النهار، حاول وزير الداخلية نهاد المشنوق أن يحكم عليه بالشنق في الليل، وتعليقه على خشبة الطائفية والمذهبية، والحكم على أحلام الشباب اللبناني بالموت.
وما جاء في مقابلة الوزير مشنوق التلفزيونية رداً على موضوع الزواج المدني، قال: "لا أشجع على هذه المسألة في لبنان. قبرص ليست بعيدة. إذا كان سيكون هناك تسجيل، ينبغي أن يكون التسجيل واضحاَ هذا الشخص من أيّ طائفة، من أيّ مذهب"...
وللحقيقة، أن المسألة لا تتعلق في رد أو تصريح. ولو كانت كذلك، لقلنا لمعالي الوزير أن لبنان أقرب من قبرص، وأحق للدولة اللبنانية أن تمارس سيادتها الكاملة غير المنقوصة بدل أن تتخلى عنها لقوانين الغير. لكن المسألة تتعلق ببنية هذا النظام السياسي وطبيعته الطائفية، وعدم إعترافه لحد الآن بحقوق المواطنين وترقيتهم إلى رتبة المواطنة.
يتمتع لبنان، ببنية نظام سياسي وطائفي مشوه، ويمتاز بدستور ملتبس. يقدم نفسه على أنه "نظام ديمقراطي برلماني" لكن أرباب النظام رسبوا منذ "الصيغة" لحد الآن في تقديم النموذج الدال على اسمه، ومارسوا أفظع أنواع التشويه والتعذيب في مضمونه. فالنصوص شيئ، والتطبيق شيئ آخر. عالمان مختلفان ومتناقضان حتى المزاجية والاستنسابية بغرض إبقاء السيطرة الطبقية جليه وواضحة، والعامل الطائفي له حضوره وهيبته وقوته، وهو الفزاعة المرعبة التي تُغيّب كلياً بناء المواطن، وقيام دولة "المواطنة"، وهي الفزاعة التي تخفي وجهها الطبقي الحقيقي تطمس في آن كافة الحقوق الوطنية. خاصة وأنها تحولت إلى "وجه" يحكم باسم الدستور. وإلى قاعدة تبني مواطناً ينتمي إلى جزء من الوطن وفقاً لطائفته أو مذهبة. وهكذا بوجود 18 طائفة يتعايشون وفق تعدد الإنتماءات الطائفية، يتفقون على ما يسمى النظام الديمقراطي البرلماني، والمعروف باسم النظام السياسي – الطائفي.
ولأن قضية "المواطنة" معقدة في النظام السياسي اللبناني، فإن قضية حقوق المرأة والتمييز اللاحق بها، تشكل جزءا لا يتجزأ من الحل الوطني، كونها قضية وطنية، ومن صلب عملية الصراع السياسي - الاجتماعي بين ثقافتين متناقضتين: هما ثقافة التخلف وثقافة التطور والتقدم.
معركة الزواج المدني مثل غيرها من المعارك يجب التقدم أكثر بها نحو تكريس ما تحقق من خلال معركة الشابين نضال وخلود (كمثال)، ومن خلال كل الاعتبارات القانونية التي تجيز ذلك ومنها المادتين السابعة والتاسعة من الدستور اللبناني، والقرار 60 ل.ر لعام 1936، وإباحة القانون اللبناني تسجيل عقود الزواج الجارية خارج الأراضي اللبنانية، وتفسير محكمة التمييز المدنية اللبنانية لعام 1972. هذه النصوص الدستورية والقانونية دالة على أحقية الزواج المدني في لبنان، وعلى أحقية تشريعه قانوناً دون إبطاء أو تردد أو تسييس أو تطييف من أحد.
ما زلنا نعيش عصر دستور "الطائف" الطائفي. والطائفية هي المرض الخبيث المنتشر في أجسادنا وعقولنا وثقافتنا، وهو مرض لا يرحم الوطن والمواطن، ويساهم في تفكيكه وشرذمته وتحويله إلى كيان هش وضعيف. هذا المرض يجب مكافحته ومقاومته بقوة وعناد وصلابة من أجل إستئصاله من جذوره، لإنقاذ الوطن، وتكريس سلمه الأهلي، وتحصين لحمته الشعبية الوطنية، والشروع في عملية الإصلاحات الوطنية الديمقراطية الملحة، وأولها إقرار قانون للإنتخاب يعتمد لبنان دائرة إنتخابية واحدة على مبدأ النسبية وخارج القيد الطائفي، مع حق مشاركة المرأة في نسبة مرحلية ومؤقته 30 % من عدد المقاعد.. وتخفيض سن الاقتراع إلى 18 سنة، وإقرار القانون المدني الموحد والإلزامي للأحوال الشخصية وترسيخ مبادئ الحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية كأساس في بناء "المواطنة". والبداية مع رفع التحفظات عن المادة 9 من الإتفاقية الدولية للقضاء على أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) المتعلقة بحق المرأة المساوي للرجل في إعطاء الجنسية لأولادها. والمادة 16 من الاتفاقية المتعلقة بالأحوال الشخصية. وصولاً إلى بناء الدولة الوطنية الديمقراطية.
******
لا تكمن الآن، مشكلة الزواج المدني المشنوق في مقولة وزير الداخلية نهاد المشنوق. إنما في تأبيد أحكام دويلات الطوائف على دولة المواطنة بالاعدام شنقا.