مر الكلام: نديم علاء الدين العدوان الإسرائيلي في القنيطرة بين الأهداف والتداعيات
توالت التحليلات خلال الأيام الماضية في إسرائيل وخارجها في تناول ابعاد هذه الضربة وتداعياتها، وتدرجت في تحديد اهدافها العسكرية والسياسية من القول مثلاً انها تريد إعادة الاعتبار إلى القوات الإسرائيلية برفع معنوياتها بعد البلبلة التي أحدثها كلام السيد حسن نصرالله في الشارع الإسرائيلي. إلى توجيه رسالة واضحة بان الخلافات الداخلية في اسرائيل لا يمكن ان تفوت فرصة للوصول إلى ما تعتبره صيداً ثمينا مثل قيادة المقاومة.
أما في السياسة، فقد أجمعت التحليلات على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى الى تعزيز شعبيته وحظوظه من خلال هذا النوع من العمليات الهجومية، عشية الإنتخابات الإسرائيلية منتصف آذار. حيث اعتبر القائد السابق للجبهة الجنوبية الإسرائيلية أن نتنياهو يريد الترويج لنفسه بانه واحد من أبرز القادة أو المسؤولين الحريصين على أمن إسرائيل. وصولاً لاعتبارها محاولة اسرائيلية لتخريب او التشويش على التقارب الأميركي - الإيراني في المفاوضات النووية والتعاون الأمني، بعدما أصبح ثابتاً حرص الرئيس الأميركي باراك أوباما على الوصول إلى اتفاق حول المشروع النووي الايراني.
كل تلك الأهداف صحيحة، لكنها في النهاية تبقى عوامل مساعدة وغير حاسمة. او للدقة أكثر يمكن لهذه العوامل أن تؤثر في توقيت العملية، او متزامنة معها، لكنها حكماً ليست المؤثرة في أساسها. كون ما حدث في القنيطرة ليس عابراً، سواء في مكان وقوعه ام في الدلالات الاستراتيجية التي يحملها. فقد سبق ان أعلنت إسرائيل انها شنت هجمات على قوافل السلاح لحزب الله على الأراضي السورية، وسبق أن تمّ تنفيذ عمليات عسكرية اسرائيلية استهدفت حزب الله في سورية، لكنّ ذلك لم يكن ليرفع من منسوب المخاطر الى حد الحرب الشاملة كما تنذر به تلك العملية. فما جرى في القنيطرة اكثر من رد روتيني على ما تعتبره إسرائيل محاولة من حزب الله إحداث خلل في التوازن القائم، إنه إشارة إلى تحسس إسرائيل بتحول استراتيجي على حدودها الشمالية، وهذا هو العامل الحاسم الذي جعل إسرائيل تتخلى عن كل المحاذير والإقدام على عمل يحمل في طياته مغامرة بانفجار شامل.
المخاطر الجيو - استراتيجية التي تعتبر إسرائيل أنها تطالها من خلال وجود حزب الله في الجولان، جعلتها تنفذ العملية مع معرفتها المسبقة بأن حجم الرد لن يكون بسيطاً. وقوّة الضربة الإسرائيلية في القنيطرة تعني أنها رسالة واضحة بأن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي حيال هذا التمدّد الاستراتيجي، في محاولة لتكرار التجربة اللبنانية واستنساخها. وبأن ذلك خطاً أحمر. وما يجعل من هذا التحليل مرجحاً هو مطالبة وزير الحرب الإسرائيلي موشيه يعلون بأن يشرح حزب الله ماذا يفعل في الجولان، ما يعني ان إسرائيل لا تحتمل مجرد التفكير بأن يكون في الجولان وضع شبيه بوضع الجنوب اللبناني. وبانها مصممة على التصدي عسكرياً لمثل هكذا خيار.
في المقابل، المنطق يقول إنّ حزب الله لن يسكت ولا يستطيع تمرير مثل هذه الضربة من دون ردّ يحافظ على صورته أمام جمهوره، من جهة، ولإثبات قدراته الرادعة، من جهة ثانية، فضلاً عن عدم الرضوخ واستمراره في تحضير جبهة الجولان السوري، من جهة ثالثة، من هنا فان الحزب ومعه إيران وسوريا سيدرسون بعناية نوع الرد ومكانه وزمانه، وذلك ضمن حسابات دقيقة تحافظ على موازين القوى الراهنة داخل سوريا وعلى مستوى المنطقة والتي يرون انها تصب في صالح محورهم. ما يعني عدم دفع الأمور نحو مواجهة شاملة غير مناسبة حالياً لأسباب عدّة، من أبرزها عدم تعريض الجيش السوري حول دمشق وعلى حدود الجولان إلى ضربة موجعة، وعدم الانشغال وإفراغ الجبهات الداخلية في سوريا، الى تجنيب لبنان مواجهات ودمار وصراعات تخلخل بنيته الداخلية وصولاً الى مراعاة دقة المفاوضات الإيرانية ـ الغربية التي لا تحتمل أي خضات امنية يكون لإيران دور فيها ما يفوت عليها فرصة الوصول الى اتفاق نهائي بشأن ملفها النووي.
من دون شك، هناك رد عسكري موجع أكبر من عمل امني، لكنه لا يرقى الى استدراج معركة شاملة، وللأيام المقبلة أن تحدد التوقيت والمكان ورد الفعل الإسرائيلي.