الحدث: مصطفى العاملي عدوان القنيطرة: شرارة حرب.. أم تغيير في قواعد الصراع؟
سيبقى العدوان الإسرائيلي الذي استهدف عدداً من كوادر حزب الله وعميد في الحرس الثوري الإيراني في منطقة القنيطرة السورية، الحدث الأبرز لبنانياً وإلى حد بعيد إقليمياً لفترة غير قصيرة. لأنه من غير الممكن تجاوز أهدافه و تداعياته.
فالعدو الإسرائيلي الذي اختار توقيت عدوانه وهدفه أراد توجيه رسائل في اتجاهات عدة من خلاله ووضع المنطقة على شفير حرب مدمرة يحاول استدراج الآخرين إليها.
ما هي الأهداف الإسرائيلية من وراء هذه العملية؟
جاءت بعد أيام من الخطاب الذي ألقاه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. وأكد فيه أنه يحق للمقاومة الرد على أي عدوان إسرائيلي على سوريا. وهذا الموقف هو الأول من نوعه أثار حفيظة القيادة الصهيونية التي اختارت التحدي واستهدفت مجموعة للحزب داخل الأراضي السورية، لتضع الحزب ومعه إيران وسوريا أمام وضع صعب للغاية. إذ أن تمرير العدوان من دون رد يفقده مصداقيته أمام جمهوره وأمام العالم. وفي الوقت نفسه فإن أي رد بالمستوى نفسه سيضع المنطقة أمام مغامرة حرب واسطة. قد تكون إسرائيل مستعدة لها ودفعته أليها مع حلفائه.
إن الغارة تتزامن مع حمأه الصراع داخل القيادة الصهيونية قبل أيام من الانتخابات. وقد أراد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تجسيدها في معركته الانتخابية. وهذه عادة صهيونية قديمة، إذ أن انتخاباتهم تجري عادة على وقع الدم العربي فلسطينياً أم لبنانياً أو سورياً. من الطبيعي أن تسعى إسرائيل إلى عرقلة أو تعطيل بداية التقارب الأميركي الإيراني . فضلاً عن التقدم الذي حصل على صعيد الملف النووي الإيراني. كشفت هذه العملية مدى إنخراط العدو الإسرائيلي في الأزمة السورية والتعاون القائم بينه وبين المجموعات الإرهابية عسكرياً وأمنياً وإستخباراتياً.
في المقابل ما هي خيارات حزب الله؟ وهل هو قادر على كسر قواعد الصراع القائم في الجنوب منذ عام 2000 وتكرس في العام 2006. بإعتقاد المصادر المتابعة، أن حزب الله الذي يدرك طبيعة التوازنات العسكرية في المنطقة عموماً، لن يلجأ إلى مغامرة غير محسوبة النتائج. رغم فداحة الخسارة. ولذلك يُرجح أن يختار هدفاً أمنياً إسرائيلياً بعيداً عن الحدود اللبنانية من جهة، ومن دون الإعلان رسمياً عن مسؤوليته. وبذلك يكون حافظ على مصداقيته أمام جماهيره، وفي الوقت نفسه على معادلة الصراع مع العدو. إلا إذا كان صراع المحاور الإقليمية والدولية وصل إلى نقطة اللاعودة وفي هذه الحالة تكون الغارة الإسرائيلية الشرارة التي ستشعل الحرب. وعندها ستسقط كل الحسابات والانقسامات المحلية. خصوصاً وأن بعض القوى السياسية اللبنانية ترى في هذه العملية فرصة لفرض التنازلات على حزب الله في الداخل.
وفي انتظار ما ستحمله الأيام المقبلة من تطورات على هذا الصعيد، لا بد من التذكير بالتفجير الإرهابي الذي استهدف منذ أيام منطقة جبل محسن وأدى إلى استشهاد عدد من المواطنين الأبرياء وكاد يشعل فتنة مذهبية خصوصاً بعدما تبين أن منفذي التفجير هما انتحاريان من حي المنكوبين المجاور؛ لولا وعي أهالي الضحايا ومسارعة فعاليات طرابلس إلى لملمة الوضع واستنكار الجريمة وفضح أهدافها.
فالجماعات الإرهابية سعت من خلال هذه العملية الإجرامية إلى التذكير أولاً بوجودها في المنطقة. بعد الضربات الموجعة التي تلقتها من الجيش اللبناني الذي استطاع إسقاط محاولتها إقامة إمارة لها في شمال لبنان على غرار المناطق التي تسيطر عليها في سوريا والعراق وتكون امتداداً لها وجزءاً من الدولة المزعومة..
كما أرادت الرد على العمليات الإستباقية التي قامت بها الأجهزة الأمنية على اختلافها وأدت إلى كشف وإعتقال العديد من عناصر الخلايا الإرهابية المنتشرة في غير منطقة لبنانية وأيضاً الإنتقام لبعض الرموز الإرهابيين الذين تجري محاكمتهم ولا سيما شادي المولوي ومنصور ثم أن هؤلاء الإرهابيين لن يتوقفوا عن السعي لهز الإستقرار الأمني في البلد؛ وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء والعبث بأمن البلد ككل، وبرغم هذه النكسات التي أصيب بها الإرهابيون في لبنان فإن خطرهم ما زال قائماً. وفي يدهم العديد من أوراق القوة أو بشكل خاص العسكريين المخطوفين حيث يمارسون من خلالها عملية ضغط وإبتزاز على الحكومة اللبنانية التي ما زالت تفتقر إلى رؤية واضحة في التعاطي مع هذه القضية التي ما زالت موضوع خلاف بين القوى السياسية رغم مرور أكثر من خمسة أشهر؛ في حين يعيش الأهالي من جهة تحت ضغط الإرهابيين بإعدام أبنائهم؛ ومن جهة أخرى وعود السلطة غير الواضحة بالإفراج عنهم.
في غمرة هذه التطورات فتحت العملية التي نفذت في سجن رومية وأدت إلى إسقاط " إمارة الموقوفين الإرهابيين" التي كانت تدار منها عمليات التفجير والإغتيالات السياسية. الباب أمام الشروع في توسيع تنفيذ الخطة الأمنية، التي بدأت من طرابلس وتجري الإستعدادات لتنفيذها في البقاع. بعد أن رفع الغطاء السياسي عن كل المخالفين والخاطفين وسارقي السيارات. ويحلو للبعض أن يطلق على ذلك صفة الإنجازات ويعزوها إلى الحوار الثنائي الذي انطلق بين حزب الله وتيار المستقبل؛ وتجري التحضيرات ليشمل التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية.مع العلم أن مثل هذه الحوارات التي تتخذ الطابع المذهبي الطائفي، لا زالت قاصرة عن ملامسة المشاكل الأساسية التي يعاني منها البلد، وبالأخص إعادة بناء الدولة التي إنهارت مؤسساتها على وقع الخلافات بين المتحاورين بشكل خاص.
وفي هذه الإطار من المفيد التذكير بأن الفراغ في رئاسة الجمهورية بلغ شهره الثامن وليس في الأفق ما يشير إلى قرب التواصل إلى تسوية تنتج رئيساً جديداً. مما يعني إستمرار الشلل في باقي المؤسسات مع ما يستتبع ذلك من تجاهل لقضايا الناس ومطالبهم، وإرتفاع منسوب الفساد على كافة المستويات، من دون أن يغيّر في هذه الحقيقة الحملات" المتوازنة" لبعض الوزراء. تحت عنوان مكافحة الفساد الإداري والمالي والغذائي. حيث شاهد اللبنانيون على شاشات التلفزة الفضائح المنتشرة في كل الإدارات وشموا رائحة الصفقات والتهرب من الضريبة والإحتيال وسرقة المال العام. ولكنهم لم يشاهدوا أي من هؤلاء المرتكبين في السجن. وهذه مفارقة عجيبة ينبغي أن يلاحظها فرسان مكافحة الفساد قبل أن يصح فيه المثل القائل " نسمع جعجعة ولا نرى طحناً".