لا شك أن المنطقة تعيش حال إعادة تكوين لخلق كيانات دينية ومذهبية ترسم على أساسها الحدود من جديد، أو رسم حدود داخل الحدود القائمة، في إطار المشروع الامبريالي المسمى "الشرق الأوسط الجديد"، وإعادة الرسم هذه، على وقع تفريخ الجماعات الفاشية وتقويتها، تعطي للكيان الصهيوني فرصة لتحقيق حلمه الديني العنصري، إقامة "دولة اليهود في العالم" على أرض فلسطين المحتلة.

ما يجري في المنطقة والمشاريع المروج لها بالحروب وقوى الإرهاب، تتعامل معه البرجوازية اللبنانية في تجمعي آذار، قوى الثامن والرابع عشر منه، على أساس انتظار ما ستؤول إليه الأوضاع في المحيط، وفي انتظاريتها أنهى الحوار بين "حزب الله" و"تيار المستقبل" جولته الثالثة على قاعدة عدم بحث الملفات الخلافية بينهما، وورشة تحضير لحوار آخر بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية". في هذه الأجواء الحوارية بين أركان النظام السياسي – الطائفي، مبدأ جامع هو الحفاظ على النظام القائم وعلى الوضع المفروض إلى حين تمرير كلمة السر من الخارج، القريب منه والبعيد.

في المقابل هناك تحالف راسخ بين أطراف البرجوازية اللبنانية في التجمعين الآذاريين، على الاستمرار في السياسات الاقتصادية – المالية – الاجتماعية المفروضة على لبنان منذ اتفاق الطائف، التي نتائجها التدميرية تزداد، فمعدل الدين العام إلى الناتج المحلي لامس الـ 140%، معدل البطالة بين الشباب 34% والهجرة إلى ازدياد، تراجع نسبة الصادرات الصناعية 8.8% مقارنة بالعام الماضي، يقابلها ازدياد سيطرة رأس المال المالي على مفاصل الاقتصاد الوطني وضرب للقطاع العام، إمعان في ضرب التنمية الاجتماعية لصالح المال السياسي الريعي، الشركات الاحتكارية لها الكلمة الفصل في تحديد الأسعار...الخ

هذا الواقع السياسي – الاقتصادي- الاجتماعي، يشير بالملموس أن البرجوازية اللبنانية الحاكمة سياسياً واقتصادياً تولد الأزمات لتعيد تكريس القائم على حساب القرار الوطني المستقل وعلى حساب حقوق الشعب اللبناني على المستويات كافة.