المغرب: استبداد ناعم يزداد خشونة عبد الإله المنصوري
لا يفتأ النظام السياسي المغربي يمتلك قدرات معتبرة في التفاعل مع المتغيرات والانحناء أمام العواصف الهوجاء التي عرفها الوطن العربي على مرور الزمان. وفي ارتباطه بالموجة الأخيرة للحراك الثوري العربي التي انطلقت من تونس وانتقلت بشكل متفاوت إلى أقطار أخرى من الوطن العربي، كان مظهرها المغربي ممثلاً في حركة 20 فبراير/شباط (2011) التي أعلنت عن انطلاقتها بمظاهرات شعبية في عدد من المدن المغربية، فإنه يبدو أن النظام المغربي كعادته قد استوعب الحركة، في البداية، عبر السماح لها بتصريف مواقفها في الشارع، ثم بعد ذلك عبر الحصار التدريجي حتى وقع إفراغها من الشارع، بعد إقرار دستور سنة 2011 بطرق غير ديمقراطية وبنسبة 99 % المعروفة لدى الأنظمة ذات التاريخ الاستبدادي العريق. وخاصة بعد الانتخابات التشريعية التي جرت في شهر نوفمبر من سنة 2011 وتشكيل حكومة جديدة بقيادة حزب العدالة والتنمية، مما أعطى جرعة جديدة من الثقة للنظام السياسي المغربي، استثمرها في تجفيف ينابيع حركة 20 فبراير، ومحاصرة القوى السياسية التي دعمتها واحتضنتها وفتحت أبواب مقراتها أمام أنشطتها.
وجرياً على عادتها في تحويل مطالب الشعب المغربي في إصلاح النظام السياسي الملكي ذي التقاليد السلطوية الشمولية ، قامت الدولة المغربية بتفريغ مطالب الإصلاح من مضامينها وانطلقت في إعادة إنتاج المنطق القديم الذي أعاد للمؤسسة الملكية سطوتها السابقة بموازاة مع التراجعات التي عرفها الحراك الثوري العربي من جهة، وبفعل تواطؤ جزء من النخبة المغربية مع المؤسسة الملكية
وبعد تراجع حركة الشارع بدأت الدولة بمحاصرة الصحافة المستقلة والانتقام من بعض المنابر التي شكلت ملاذاً لنشطاء الحراك ، واستهداف بعض الصحفيين الذين استطاعوا فضح مظاهر القصور والخلل في المعمار السياسي المغربي.
ومن استهداف الصحافة المستقلة إلى استهداف العمل المدني في شقه النقابي أو الحقوقي، حيث يواجه العمل النقابي الجاد محنة حقيقية؛ إذ يواجه مناضلو المركزية النقابية "الكونفدرالية الديمقراطية للشغل" ظروفاً من القمع وضروباً من المحاكمات الصورية الممتدة بسبب معارك يخوضها مناضلوها في مواجهة ظروف العمل السيئة في قطاعات مختلفة وخاصة في مناجم تسيطر عليها شركات تابعة للهولدينغ الملكي كما يعيش العمل الحقوقي محنة حقيقية بعد هجوم وزارة الداخلية على مكتسبات الحركة الحقوقية المغربية.
لقد تنبأ عدد من المحللين بأن النظام المغربي سيصبح أقل نعومة في التعامل مع ظواهر الانفتاح التي اكتسبها المجتمع المغربي في سياق صراعه الطويل مع البنية السلطوية للملكية القائمة، لكنهم لم ينتبهوا إلى أن هذا التراجع سيكون أكثر سرعة مما توقعوه، وهو ما تحقق بالفعل في سياق تداعيات تراجع مدّ الحراك الثوري العربي في أكثر من منطقة وبلد.